فى الموسيقى تعبير كريشندو، أى تصاعد فى الإيقاع، يقابله على الجانب الآخر ديمنوندو، أى هبوط تدريجى حتى نصل إلى النهاية والصمت، أتصور أننا فى تلك اللحظات نعيش فى مهرجان «كان» تلك النهايات حيث ترى عوامل الانسحاب بادية على كل تفاصيل المهرجان، من واقع خبرتى هناك إرهاصات منها تضاؤل المطبوعات فى العدد والحجم، زمن المهرجان 12 يوما وأغلب المجلات المصاحبة للمهرجان مثل «فارايتى» و«سكرين» و«فيلم فرنسيس» لا تصل إلى العدد العاشر، وبعدها كأن مهرجانا لم يكن، حتى إننى أشعر بأن هذه المدينة تموت بعد صحوة الخمسة عشر يوما. أسعار الفنادق تهبط إلى النصف، الزحام الذى يحول بينك وبين الوصول إلى دار العرض بسبب هذا الفيضان البشرى تشعر بعده كأنك تعيش فى صحراء، نادرا ما تلمح أحد خصوصا فى تلك الساعات المبكرة التى تبدأ من السابعة، حيث يستعد الصحفيون للذهاب إلى قاعة موليير الكبرى، وكل منهم يتباهى بلون الكارنيه الذى يضعه على صدره مفاخرا الآخرين، لأن اللون يحدد موقعك فى أثناء المشاهدة. لن أشغل وقتكم بتلك التفاصيل وفروق الألوان الذى يبدأ من الأبيض وهو الأعلى والأهم وصولا إلى الأصفر ومكانه ذيل القائمة، صاحبه ينتظر على الباب إذا وجد كرسيا يحصل عليه، وبرغم أهمية تطبيق هذه القواعد فى مهرجان عريق مثل القاهرة، حيث يتقبل الصحفيون هناك ببساطة تلك التقسيمات ولكنك لو فعلتها فى مصر لهدد أصغر صحفى بأن يفضح الإدارة التى لم تراع مكانته، كما تجد أيضا من بين ملامح النهاية المباشرة الصناديق المصاحبة للصحفيين وهى خاوية تماما إلا من ورقة فقط لجدول العروض، بينما فى البداية كانت تمتلئ ونعجز عن ملاحقة قراءتها بسبب ضيق الوقت، فى دار العرض تكتشف أيضا تضاؤل عدد الزملاء الحاضرين إلى الصالة، أغلبهم لا ينتظر اليوم الأخير وبعضهم يغادر ليلة الختام، كنت دائما ما أغادر المهرجان بعد مشاهدة كل الأفلام وقبل إعلان النتائج بساعات وأصل إلى القاهرة لأشاهدها تليفزيونيا، ولكنى هذه المرة قررت أن أنتظر توزيع الجوائز، ربما لا يتبقى أكثر من 25% من الصحفيين والنقاد. الغريب أن المهرجان الذى كان يشكو بسبب كثرة الملاحقة والاهتمام فى المركز الصحفى، حيث فى العادة عدد مفترشى الأرض أكثر ممن يجلسون على الكراسى، فإنك تكتشف ببساطة أن الكراسى من كل صوب وحدب تناديك، أين أنت. مساء الغد تعلن النتائج، وحتى الآن -أقصد عند كتابة هذه السطور- لم أعثر على الفيلم داخل المسابقة الرسمية الذى أقول إنه تحفة فنية يستحق كل هذه المشقة، فى قسم نظرة ما حماسى لا يزال مشدودا إلى الفيلم الكمبودى «الصورة المفقودة»، يليه فى الأهمية الفيلم الفرنسى «السنترال الكبير» ولكن من يستحق الجائزة هو الأول بلا منازع، رغم أنه لا يزال لدىّ فيلمان لم أرهما حتى كتابة هذا المقال وربما يغيران شيئا من هذا الأمر. ما رأيكم هذه المرة أن نتحدث عن فيلم مختلف فى قسم لم يسبق أن تناولنا شيئا من أفلامه، إنه قسم خارج التسابق، ويمنح له اسم على شرف المسابقة فهو فيلم رسمى ولكن يجنبه المهرجان التنافس لرغبة المخرج، أو لأن الفيلم رائع من وجهة نظر لجنة الاختيار، ولكن هناك من هو ما بين الأفلام من يتفوق عليه، فى كل الأحوال فيلمنا «الكل خاسر» للمخرج جى ى شاندور بطولة المخضرم روبرت ردفورد لا نعرف طوال زمن الفيلم اسم البطل، ولن تجد حوارا بالطبع، فهو أقرب إلى مونودراما صامتة فقط لا غير، لا تستطيع أن تحيلها أو تصفها سوى بتلك التسمية هى بالطبع صامتة من الحوار، ولكنها ليست كذلك بالنسبة إلى كل مفردات شريط الصوت، حيث إن المؤثرات الصوتية تلعب دور البطولة. ردفورد هذا الممثل الذى يقترب من الثمانين من عمره يقدم أحلى وأصعب أدواره على الإطلاق، حيث إن عليك أن تتعايش فقط بالصورة، هل تذكرون فيلم «حياة باى» الحاصل على أكثر من جائزة أوسكار هذا العام، كان البطل بمفرده فى البحر فى جزء كبير من الفيلم ما عدا البداية والنهاية، ولكن كان معه عدد من حيوانات السيرك: نمر وضبع وقرد وحصان وحشى، وتبقى معه النمر الذى يجعل من المنطقى والحال كذلك أن يجرى معه حوارا، وقيمة الحوار فى الدراما أنه موجه للمتلقى لكى تصل إليه معلومة، كما أن «حياة باى» كان له أبعاده الثلاثة فى التصوير ولديه إمكانيات ضخمة فى استخدام التقنيات لتقديم مجسد للنمر، أما هذا الفيلم فإنه أبسط كثيرا. البطل ردفورد فى هذا الفيلم لا يتعامل سوى مع معدات قليلة داخل اليخت الذى انحرف به فى أعماق المحيط الهندى، فكرة أن تتعرض باخرة للغرق وأشهرها «تايتانيك» بالطبع تضمن فى الحد الأدنى أن المتفرج يتابعك بشغف، وهناك دائما خطر يزداد معدله كلما أوغلنا فى الفيلم، ويضيع تدريجيا أيضا الأمل كلما تبدد الزمن فى الإنقاذ، حتى تأتى النهاية التى يريدها المتفرج دائما سعيدة لأنه يتوحد مع البطل، كان بطلنا حريصا على الحياة عندما اكتشف أنه ليس لديه مياه حاول بوسيلة بدائية أن يقطر شفرات من ماء البحر وأن يترقبها فى كوب لتسقط ثم يشرب تلك القطرات، كان يفجر ما تبقى لديه من شماريخ وصواريخ يطلقها فى الهواء على أمل أن يلتقطها أحد، عندما يثقب اليخت ينطلق بقارب نجاة مطاطى صغير محاولا وحتى اللحظات الأخيرة الحفاظ على الحياة، ولكن كل الطرق تتبدد. المخرج ليس لديه سوى مفردات قليلة للتعبير وهو الممثل، ولهذا كانت اللقطات القريبة للوجه الوسيلة الوحيدة أمامه وسلاحه الوحيد أيضا، بين الحين والآخر وبتعبير أشبه باللزمة الموسيقية كان ينتقل إلى عمق البحر لنرى الأسماك ونشاهد بقايا حطام اليخت، ثم يعود بعد تلك اللزمة المرئية ليستكمل اللحن الأصلى، وتنتهى الرحلة بأن مركب النجاة أيضا تثقب ويفتقد المقاومة تماما ويغرق، ثم يقدم المخرج مشهدا أقرب إلى الحُلم لنرى يده ممسكة بيد، إنها يد الجمهور الذى يرفض أن يرحل البطل، أم إنها يد الله التى تنقذنا فى اللحظات الأخيرة! من المنتظر أن تتم دعوة محمد صالح هارون إلى مهرجان الأقصر الدولى الإفريقى فى دورته الثالثة القادمة، حيث رشحه سيد فؤاد رئيس المهرجان لرئاسة لجنة التحكيم وعرض فيلمه فى الافتتاح. الكاتب والمنتج ومدير مهرجان الإسماعيلية محمد حفظى كتب سيناريو فيلم جديد إنتاج مصرى إماراتى لبنانى «من الألف إلى الباء» المقصود بالعنوان من أبو ظبى إلى بيروت، إخراج الإماراتى على مصطفى، سبق للمخرج أن قدم فيلما روائيا قبل أربع سنوات باسم «أبواب المدينة». تقيم مؤسسة الدوحة مهرجانين فى العام حيث انتقل «الدوحة ترايبكا» الذى كان يعقد فى شهر نوفمبر ليقام فى مارس، واستقل عن «ترايبكا» وأصبح اسمه الكاميرا التى اخترعها مخترع التصوير العربى الحسن بن الهيثم، سوف تُصبح هذه هى دورة المهرجان الخامسة، المهرجان الثانى فى شهر نوفمبر ومتخصص فى سينما العمل الأول وله رؤية شبابية. الفيلم الفرنسى «الأزرق اللون الأكثر دفئا» للمخرج التونسى عبد اللطيف كشيش ويحمل بالفرنسية اسما آخر وهو «حياة عديلة» اسم بطلة الفيلم، حصل طبقا لما ذكرته مجلة «فيلم فرانسيز» على المعدل الأكبر فى الترشيح للسعفة التى تعلن مساء غد.