تلجأ «الجماعة» فى سبيل تحقيق أهدافها الخبيثة إلى دهاء وخبرات التنظيمات الباطنية والماسونية المتراكمة عبر أكثر من 85 عامًا توشك جماعة «الإخوان» ورجلها فى قصر الرئاسة د.محمد مرسى أن تنجح بامتياز، فى أن تهدم فى بضعة أشهر ما بناه المصريون فى بضعة آلاف من السنين: الدولة المصرية التاريخية التليدة، أقدم دول الحضارات الإنسانية العظيمة، وأبقاها، أو على الأقل، فى هدم ما بناه المصريون فى بضعة قرون، إذا تحدثنا عن الدولة المصرية الوطنية الحديثة، التى نهض محمد على بوضع أسسها، وراكم الشعب المصرى، ونُخَبه الحاكمة، على مر العقود المنصرمة، ركائزها، التى ما زالت مستمرة حتى الآن! فعلى مدار الأشهر العشرة الأخيرة، منذ تولى محمد مرسى الرئاسة وحتى الآن، لم يمر يوم واحد دون توجيه ضربة محددة إلى أحد أعمدة هذه الدولة: جهاز الأمن، مؤسسة القضاء، القوات المسلحة، الإعلام، التعليم.. إلخ. صحيح أن هناك قدرا من «الممانعة»، فى هذا الموقع أو ذاك، وهناك عناصر للرفض والمقاومة على هذه الدرجة أو تلك، لكن الأصح أيضا أن «الجماعة» الرابضة فوق جبل «المقطم»، كالذئب الذى يترصد متلمظا، فريسته المجهدة، لا تكل ولا تمل فى معاودة محاولات الاختراق، والسعى للنفاذ إلى داخل قلعة الدولة، غير الحصينة، بفعل ما طرأ عليها من ترهل، وما تخللها من بيروقراطية وفساد، وما حاق بها من ضعف واهتراء! وتلجأ «الجماعة»، فى سبيل تحقيق أهدافها الخبيثة تلك، إلى دهاء وخبرات التنظيمات الباطنية والماسونية، المتراكمة عبر أكثر من خمسة وثمانين عاما من العمل السرى التحتى، فضلا عن توظيف «ذهب المعز وسيفه»، خصوصا بعد أن سيطروا على مفاتيح «خزائن مصر»، بلا رقيب أو حسيب، لفتح الأبواب المغلقة، وشراء الذمم الخربة، والولاءات والعمالات أيضا! تُعلمنا دروس التاريخ، أن جيش مصر كان هو عماد الدولة الحديثة وركيزتها الأساسية. وقد لعب هذا الجيش، سواء فى مراحل تكوين الدولة القديمة، أو فى عهود الدولة الحديثة، دورا محوريا فى توحيد البلاد، وتنظيم مكوناتها، وتأمين حدودها، وحماية مصادر عيشها، وبالذات مياه نهر النيل، كما كان أحد مقومات تصنيعها، لسد حاجاته من الملبس والمأكل، والعتاد والذخيرة... إلخ. ولذلك استهدف خصوم هذا الوطن، دومًا، تحطيم جيش مصر وتفكيك لحمته، منذ استدراج أسطوله العتيد إلى موقعة «نافارين» فى عصر محمد على، وحتى مؤامرة يونيو 1967، والهدف من كل هذه المخططات واضح: استنزاف قدراته، وتدمير إمكانته، وهز ركائزه، وصولا إلى تدميره، وتفكيك أسسه، وبما يعنى فى النهاية تدمير مصر ذاتها! فى سياق ما تقدم يمكن النظر إلى ما يحدث فى مصر عموما الآن، وما يقع فى «بطنها الرخو»، سيناء، والأخطر النظر إلى آليات استجابة حكم «الإخوان» لما يجرى حولنا من تهديدات سافرة، وتحديات واضحة، لا تمس جيش مصر وحده، وإنما تُقَوِّضُ جوهر وجود الدولة المصرية ذاتها، وتضرب أمنها الوطنى فى مقتل. ولعل آخر ما جرى من دلالات هذا الأمر هو وقائع خطف الأفراد السبعة، مؤخرا، من عناصر الشرطة والقوات المسلحة، فى سيناء! لم تكن هذه العملية هى الأولى، وأجزم أنها لن تكون الأخيرة، فى سياق «القضم» المنهجى لسلطة الدولة وسيادتها فى سيناء، فلنتأمل بعض ما تم من خطوات فى هذا الشأن: 1- السياسات الخاطئة التى تعاملت بها الدولة مع هذا القطاع الهام من قطاعات المجتمع، (أرض سيناء وأهلها)، والإهمال التاريخى لحقوقهم ومطالبهم المشروعة، والاكتفاء بالتعامل الأمنى بعيدا عن المواءمات السياسية الذكية الواجبة. 2- التقاعس المتتالى لحكومات ما بعد حرب أكتوبر 1973 عن تعويض أهالى سيناء عن معاناة سنوات الاحتلال البغيض وما تلاها من إهمال، والتراجع المتتالى عن مشاريع تعمير سيناء لإنشاء حائط دفاع بشرى يمنع اجتياحها إسرائيليا، وتراكم المواقف العدائية المتبادلة، بين مواطنى سيناء والدولة (وجهاز الأمن أساسا)، وبما لم يفد سوى أعداء الوطن، والتراخى فى ضبط الأمن فى سيناء، بعد الثورة، الأمر الذى ضاعف من توابع هذه السياسات، وصب فى خدمة المتربصين بأمن مصر، وبالذات من الأعداء الخارجيين. 3- التراخى عن المطالبة بتعديل بنود اتفاقيات الصلح مع إسرائيل، لإجحافها بحقوق السيادة المصرية على ترابها الوطنى، بتحديد مناطق منزوعة السلاح لا ولاية للدولة المصرية عليها، وهى المساحات الفارغة. 4- الإهمال فى تأمين الحدود مما سمح بتدفق أعداد كبيرة من الإرهابيين (الجهاديين)، فضلا عن كميات مهولة من الأسلحة والذخيرة عبر الحدود المصرية مع ليبيا، وقطاع غزة، استقر قسم كبير منها فى سيناء! 5- السماح بعودة أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل متمرس من «المجاهدين» المصريين (الأفغان)، الذين تدربوا على فنون حروب العصابات، والقتل، والتخريب، فى جبال أفغانستان، وتلال «تورا بورا»، دونما داعٍ أو ضرورة، وحتى بغير أدنى تحقيق أو تأكد من أن عودتهم لن تضر بأمن الوطن، أو بالمصالح العليا للدولة. 6- إطلاق سراح المئات إن لم يكن الآلاف من قيادات وعناصر الجماعات الدينية المحبوسين لتنفيذ عقوبات على جرائم قتل وتخريب، نجم عنها قتل المئات من الأبرياء، وجنود وضباط من أجهزة الأمن والقوات المسلحة، وقد توجه أغلبهم إلى سيناء، خصوصا إلى واحد من أهم مراكز تجمعهم: «جبل الحلال»، حيث المعسكرات والأسلحة، والتدريبات البدنية والحربية، استعدادا ليوم «معركة فرض تطبيق الشريعة»، بالقوة على المجتمع والدولة! 7- لجوء الدولة، وأكثر من مرة، إلى استرضاء هذه الجماعات الإرهابية، وإرسال مشايخ ورموز السلفية المتطرفة، للتفاوض معهم باسم الدولة، لأول مرة فى تاريخ مصر، أو أى دولة تحترم نفسها، والانصياع لرغباتهم، رغم أنف القانون، وقواعد إدارة الدولة وأسس التفاوض مع الجماعات والتنظيمات الإرهابيةw. 8- تهاون أجهزة الأمن فى التحقيق الحاسم والنزيه، فى وقائع اقتحام وهرب نزلاء سجن وادى النطرون، وسجون أخرى، من قادة جماعة «الإخوان»، وعلى رأسهم محمد مرسى، وسعد الكتاتنى، وعصام العريان، وسعد الحسينى، ومحمد البلتاجى... وآخرون، بالإضافة إلى سجناء «حماس»، و«حزب الله»، والذى سقط خلاله أربعة عشر قتيلا، وعشرات الجرحى، وهرب نحو أربعة وعشرون ألف مجرم من عتاة القتلة والمجرمين! 9- تغاضى المجلس العسكرى السابق، عن تكوين ظهير سياسى لقوى وجماعات التطرف الدينى، بسماحه بإشهار أحزاب على أساس دينى متطرف، لجماعات العنف الدينى، والتغاضى عن تمويلها بمئات الملايين من دولارات ممالك النفط دون أدنى تدقيق، والسماح باستخدامها الشعارات الدينية، وتوظيفها لدور العبادة، فى الدعاية السياسية، رغم تحريم القانون والدستور، آنذاك، لهذا الأمر. 10- النص فى الدستور الجديد، ومشروعى «قانون مجلس الشعب الجديد»، و«قانون مباشرة الحقوق السياسية»، على عدم تجريم تأسيس الأحزاب على أساس دينى، أو الدعايات الدينية. 11- السماح بالفضائيات المتطرفة والجرائد ودور النشر، التى تنشر فكر التطرف والعنصرية، وتسمم الأجواء بين المواطنين دون حساب أو متابعة. 12- التآمر على مطلب الثورة بتطهير وزارة الداخلية من العناصر القيادية التى عاثت فسادا فى عصر مبارك، وعلى مطلب تغيير ثقافتها ومنظورها الأمنى الباطل، والإبقاء على نفس مناهج العمل وآلياته ورموزه، التى كانت سببا رئيسيا من أسباب الثورة على النظام المخلوع. 13- تجاهل إجراء تحقيقات شفّافة وناجزة فى وقائع حرق الكنائس، والاعتداء على الحريات الشخصية والعامة، بدعوى تطبيق «الحدود»، وتجاهل الجرائم التى تمت بزعم ممارسة طقوس «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، والتغاضى عن التحريض العلنى على المعارضين من فوق منابر الجوامع... إلخ. 14- التواطؤ الرسمى مع استعراضات القوة المسلحة، التى قطعت، متبخترة، شوارع رفح والعريش، فى ساعات، وبسيارات حديثة، محمّلة بالأسلحة المتقدمة، وبملابس عسكرية ملثمة، وتحت شعارات «إمارة سيناء الإسلامية»، ورايات تنظيم «القاعدة» وصور بن لادن! 15- التراخى فى الرد الحاسم على المشاريع الصهيونية التى تدور حول «تبادل الأراضى» بين مصر وإسرائيل، بهدف إجراء عملية نقل (Transfer) لفلسطينيى الأراضى المحتلة، إلى قسم من أراضى سيناء، مقابل منح مصر قطعة مكافئة من أراضى صحراء النقب! 16- «التطهير» المنظّم لمناهج التعليم من كل ما يفضح مخاطر التطرف الدينى والعنصرية، وآخرها إلغاء ماكان يُدرّس فى كلية الشرطة حول فكر «الإخوان»، والسماح لأعضاء جماعات التطرف الدينى بالانتظام فى سلك الكليات العسكرية (شرطة وجيش)، مع ما يشكله ذلك من مخاطر مستقبلية كبيرة. 17- التواطؤ المريع فى تعطيل عملية إجراء تحقيق عاجل ومحايد ونزيه، فى جريمة قتل الستة عشر شهيدا من الجنود المصريين، فى رمضان الماضى، وإعلان نتائجه، وعقاب مرتكبيها العقاب الصارم المكافئ. 18- تدخّل الرئاسة و«الجماعة» لإيقاف «العملية نسر» العسكرية، بعد بدئها، وقبل أن تحقق النتائج المرجوة، فى تعقب المجرمين، ووضع حد للانفلات الأمنى الشامل فى سيناء، الذى هو جزء عضوى من الانفلات الأمنى الأشمل فى عموم البلاد. 19- ترك قادة جماعات التطرف تطلق تهديداتها للقوات المسلحة، دون أى محاسبة، مثل محمد الظواهرى، قائد «السلفية الجهادية»، وآخرها تصريحات المدعو سالم مرجان بعد خطف الجنود، والتى أعلن فيها بوضوح قاطع أن: (المختطفين يستحقون ما تعرضوا له، لأنهم أعضاء فى مؤسسة تعذب «الموحدين»، «الجيش»، وهو مؤسسة علمانية، ورجاله هم من يعبثون بأمن مصر!، و«الموحدين» أهم من الجنود عندنا، ولن نسمح للجيش باستعادة ممارسات أمن الدولة، وعليه أن يفهم ذلك!)، [جريدة «التحرير» 18 مايو 2013]. 20- بل ووصل الأمر إلى حد الدعوة العلنية من أحد قادة «السلفية الجهادية»، (اسمه كرم الهوارى)، لاغتيال محمد مرسى، كما تم اغتيال السادات من قبل، لأن الأسباب التى دعت إلى اغتيال السادات التى تجيز اغتيال مرسى (ما زالت قائمة): «الحكم بغير ما أنزل الله، والتصالح مع اليهود، والزج بالإسلاميين فى السجون، وانتشار الخمّارات والملاهى الليلية»!، فضلا عن نشره «طريقة سهلة لتصنيع القنابل» على موقع «ليلة القبض على أمن الدولة»، مطالبا ب«تسوية مقر الأمن الوطنى بالأرض، لأن هؤلاء ماينفعش معاهم غير العصا والسيف!». (جريدة «الوطن»،17مايو 2013). 21- وكان رد مرسى الرخو الذى يُجامل الأهل والعشيرة، ويطالب القوات المسلحة والأمن بالسعى للحفاظ على حياة المخطوفين والمجرمين، هو قمة المأساة، والأمر الجديد فى علوم التفاوض مع القتلة والمجرمين! هذا فيض من غيض مما يجب النظر لما حدث ويحدث فى مصر وسيناء، من وقائع على درجة بالغة من الخطورة، فى إطاره. وهو منظور لرؤية الأمر يرى أن الوضع فى سيناء دقيق للغاية، ويحتاج إلى مشرط الجرّاح لصياغة استراتيجية متكاملة لعلاج المرض العضال المستفحل فى جسد سيناء المصرية الغالية: مبضع جرّاح يستأصل الورم الخبيث، دون أن يؤذى الجسد العليل، ويعالج المرض المستشرى الحالى، دون إغفال الخطط المستقبلية الواجبة لتحويل سيناء من أرض للموت والخراب، إلى واحة للخير والعطاء.