"يموتون في اليوم أكثر من مرة، إما بالجوع أو بالبرد.. يتلفحون بالبطاطين لحماية أنفسهم من صقيع الشتاء القاسي.. الصدأ يملأ أجسادهم المنهكة والخوف يظهر في أعينهم.. عظام أيديهم وأقدامهم تكاد تخرج من أجسادهم، يفترشون الطرقات كأنها أصبحت منازلهم لايعرفون سواها"، بالفعل أقرب ما تكون إلى "مضايا" أخرى ولكن ليست تلك المرة على الأراضي السورية إنما على الأرصفة والشوارع في مصر، هؤلاء المشردين الذى ينتظرون الموت يأتيهم في أي لحظة، وكأن لأيامهم في الحياة باتت معدودة على أصابع الأيدي. رجال ونساء وأطفال وكبار في السن، يفترشون الأرصفة والشوارع في العراء، بعضهم تجده واعيا بما يحدث حوله، وآخرون غائبون عن الوعي تماما ولا يذكرون حتى أسمائهم وأخرين أصابهم الجنون، وبعضهم معاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة، هؤلاء جميعا خارج حسابات الحكومة، يمرون بأصعب الفترات التي تشهدها أجواء الطقس، وينتظرون من يتصدق عليهم بالرحمة بمنحهم ما يساعدهم على الحياة. لا ينتظرون سوى أبسط الأشياء التي تساعدهم على البقاء، ولا يحلمون بالرغد أو الثراء، ولكن بفتات الطعام والملابس الثقيلة وألا تنهش الحيوانات أجسادهم. يفترشون الأرض بجوارك فى كل مكان تسير فيه، فى الشوارع والحارات وعلى جوانب الأرصفة، يحاولون الاختباء من البرد القارص في المساء، وتلفحهم الشمس في الصباح. ليس بالضرورة أن تشهد الدولة التى يعيشون بها حروبًا أهلية أو معارك داخلية، ولكن يكفي أن تكون حكومة تلك الدولة ليس لديها من الإنسانية الرصيد الكافي لأن تقف بجوارهم وأن تساعدهم على البقاء، وأن تشعرهم بكونهم جزءًا حقيقيًا من المجتمع وليسوا مجرد هوامش على جانب الدولة. مأساة مُسن على الأرصفة "التحرير"حاولت أن ترصد المأساة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء، والتي باتت أشبه بظاهرة تتسع يوما بعد الآخر دون أن تلتفت الدولة إليهم أو توفر لهم أبسط مبادئ الحياة الكريمة فى العيش بكرامة إنسانية. ففى واقعة تجسد مدى المعاناه القاسية التى يعيشها هؤلاء، حاولنا أن نقترب من مواطن يسكن أحد الأرصفة بشارع البطل أحمد عبد العزيز، للتعرف على معاناته. اللافت للنظر،أنه بمجرد أن اقتربت "التحرير" لسؤاله، شعر المُسن، الذي يبلغ من العمر أكثر من 70 عاما والذي يبدو على حاله الوهن والضعف، بالرهبة والفزع وكأنه يعيش فى عالم منعزل ولم ير بشرا منذ وقت طويل. حاولنا أن نسأله عن أسباب وجوده فى الشوارع والأرصفة، إلا أن نظرات الفزع والرهبة كانت أكثر سطوة من الكلام عليه، مكتفيا بقوله "أنت مين وعايز أيه"، رافضا أن يتحدث عن أي شيء. فتات الطعام والبطاطين المتهالكة الممزقة والملابس المهلهلة هي كل ما يملكه المُسن في عالمه الخاص الذي يعيش فيه حتى يقول القدر كلمته. حالة المسُن ليست سوى نموذج واحد من بين المئات من النماذج التي تعيش في تلك الوضاع المأساوية، ولا تشعر الحكومة بهم وكأنهم يعيشون في دولة تفترسها الحرب. وعلى الرغم من المبادرات الشعبية والمجتمعية والجمعيات الخيرية التي تسعى لإنقاذ هؤلاء وتقديم يد العون لهم، إلا أن مظلة الرعاية التي يجب أن توفرها الدولة لهم من مأكل ومشرب وملبس تكاد تكون منعدمة. وأسفل كوبري الدقي، حاولت "التحرير" أن تقف على معاناة أحد الشباب، والذي لا يتجاوز عمره ال 33 عامًا، وينام في العراء على الرصيف دون وجود لأية بطاطين أو ملابس ثقيلة تحميه من البرد القارس في الشتاء. ولا يختلف حاله كثيرًا عن العديد من المُشرين الذين يملأون الشوارع، فالسواد يملأ جسده النحيف الهزيل، وملابسه ممزقة من كافة النواحي، وقدماه حافيتين. وما إن اقتربنا منه للحديث معه، حتى نهض من نومه في فزع ليسأل عن هويتنا، وبعد أن اطمئن إلينا قال محمد علي: "معنديش بيت ولا أهل ولا حد بيسأل عليه، وعايش على اللي يجيلي من الناس، وساعات كتير بنام من غير أكل، وبحس أن بطني بتتقطع من الجوع". متشرد: تركت أسرتي في المنيا بسبب الثأر وفشلت في الحصول على وظيفة ولم أجد سوى الشارع وأضاف، "تركت أسرتي في المنيا، بسبب الثأر، وهربت رغبة في النجاة بنفسي منهم، وحاولت أن أجد وظيفة ولكنني تعثرت وفشلت في كل المحاولات، ولم أجد سوى الشارع لأجدني أرقد على الأرصفة بعد عناء المحاولات الفاشلة". وأكمل علي، "الموت مبقاش يفرق معايا، كله محصل بعضه، وربنا مبينساش حد، أنا تعبت من حياتي ومحدش حاسس بيا". وتابع، "كنت بآكل من الزبالة من شدة الجوع، وأنام في أي مكان دافئ للهروب من برودة الشتاء السنة دي، ولم أكن أخشى إلا أن تنهش أجسادي كلاب الشوارع، اللي زينا بيموتوا في اليوم ميت مرة ومحدش بيحس بيهم، إحنا شكلنا جينا الدنيا ده غلط، ومفيش رحمة، وحاولت كتيير أني أجد أي لقمة عيش شريفة آكل منها ولكني فشلت، وملقتش قدامي إلا الشارع علشان أنام على أي رصيف" رئيس حملة "قوات مكافحة البرد": وفاة مُسن بسبب البرد سبب رئيسي فى تأسيس الحملة "التحرير"استطلعت رأي محمود الأمير المتحدث الرسمي باسم جمعية "رسالة" الخيرية ورئيس مؤسسة "قوات مكافحة البرد" لإنقاذ المشردين، للتعرف على أهداف الحملة وأسبابها وما إذا كان هناك حصر بهؤلاء المشردين من عدمه وقال الأمير ل"التحرير"، إن حملة قوات مكافحة البرد تستهدف البحث عن المشردين الذين يفترشون الطرقات في ليالي الشتاء شديدة البرودة، والفئات المهمشة وأطفال الشوارع، وكذلك المصاحبين للمرضى بالمستشفيات ممن تضطرهم الظروف للمبيت بالشارع أو التوقف أمام أبواب المستشفيات، لحين خروج ذويهم من المستشفيات، مثل «معهد الأورام – معهد القلب»، نظرا لضيق المستشفيات بالداخل. ما يضطر الأمن المكلف بحماية وتأمين هذه الأماكن السماح بدخول للمريض ومرافق واحد فقط وينتظر باقي المرافقين في العراء، لذلك قررنا أن نقدم لكل هذه الفئات «بطانيه ووجبة ساخنة، وملابس ثقيلة»، حسب نوع الاحتياج، للعمل على حمايتهم من البرد، وإنقاذ ما يقرب من 15 إلى 30 حالة يوميا من المشردين فى الشوارع والطرقات يوميا من التاسعة صباحا حتى الرابعة مساءً. وتابع أن نطاق عمل قوات مكافحة البرد حاليا، هو «القاهرة الكبرى والجيزة بشوارعها الرئيسية وأسفل الكباري»، حيث يبيت المشردون ومن لا مأوى لهم، وجار العمل على تعميم الفكرة والمبادرة في جميع محافظات الجمهورية من خلال تشكيل فرق عمل من المتطوعين وبدأت فعلا في الإسكندرية. وأشار الأمير إلى أن مهمة قوات مكافحة البرد الرئيسية هي البحث عن أي شخص يفترش الأرض في برودة الشتاء في الشارع. وأضاف أننا "نحاول إسعاف المشردين في الشوارع الرئيسية والميادين والطرق الرئيسية، ونقوم بمنحهم البطاطين والملابس والمشروبات الساخنة فى فترات الصقيع، مع الدخول إلى المستشفيات الحكومية لمنح الباطين للمرضى، وكذلك لعمال النظافة الموجودين في الشوارع، مشيرًا إلى أن بينهم المعاقين ذهنيًا والشباب الغائبون عن الوعي والقادرين على الحديث وبينهم سيدات وأطفال ورجال وكبار سن ونساء، منوهًا بأنه لم تجرى أية اتصالات حكومية، مؤكدًا أن الحملة مستمرة حتى الآن. وأضاف ل"التحرير"، أن الحملة بدأت عملها بعد حادثة وفاة رجل مُسن في الشوارع نتيجة الصقيع وأجواء الطقس الباردة، ولذلك ظهرت الحملة في ذلك التوقيت من أجل إنقاذ أي مشرد في الشوارع، منوها بأن الحملة تستهدف إنقاذ 2000 مشرد في الشوارع خلال العام الحالي. التضامن: 16 ألف طفل مُشرد في الشوارع وأعلنت وزارة التضامن الاجتماعي في يناير الماضي، أن أجمالي أعداد الأطفال المشردين فى الشوارع يبلغ نحو 16 ألف طفل في 27 محافظة يتمركزون في 2558 منطقة. وأكدت أن الحصر شارك في إعداده 3 آلاف و800 باحث بالتعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والمجلس القومي لمكافحة، وعلاج الإدمان والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. * متشردون * متشردون * متشردون * متشردون * متشردون * متشردون * متشردون * sameh abo hassan (7) * sameh abo hassan (8) * متشردون * متشردون * متشردون * متشردون