تشهد محافظة الإسكندرية كارثة فيما يتعلق بعمليات هدم المباني التراثية والتي تشكل جزءًا هامًا من تاريخ المدينة وشخصيتها وهويتها، بعد أن بلغت عدد المباني التي تم هدمها فقط منذ الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 40 مبنى، بحسب ما أكد الدكتور محمد عوض رئيس لجنة حماية التراث بالمدينة، بينما يبلغ عدد المباني المهددة بالهدم 92 مبنى من بين 1135 هي إجمالي عدد المباني التراثية المحصورة بالمدينة. ورصدت "التحرير" عددًا من أهم المباني التي تم هدمها بالفعل أو تلك المعرضة للهدم، ومنها دير "سانت كلير"، بمنطقة بوكلي والذي تم هدمه بشكل كامل شهر يوليو 2011، بعد أن باعته راهبات طائفة "الكالايس"، الدينية لمالكة له عام 2003 إلى إحدى شركات المقاولات، لبناء برج سكني على أرضه. وكان الدير الذي شُيّد في أواخر القرن التاسع عشر تحفة فنية في حد ذاته؛ حيث رسمت الفسيفساء على أرضياته لوحة فنية نادرة، وشكلت جدرانه عملاً فنياً فريداً، واحتضنت حديقته أشجاراً نادرة وأيقونات مميزة، ودفعت القيمة الفنية والتاريخية للدير الجهات المختصة إلى ضمه لمجلد "حفظ التراث المعماري" بالمدينة. كما تم هدم فيلا "النقيب" ب 89 شارع عبد السلام عارف، عام 2012، حيث تم رفعها من قوائم التراث بناء على حكم محكمة القضاء الإداري، حيث تم هدمها على الرغم من قيمتها التاريخية، حيث كانت تقيم بداخلها الملكة ناريمان ملكة مصر السابقة بعد زواجها بالدكتور أدهم النقيب مالك الفيلا. وفشلت محاولات عدد كبير من النشطاء والمتهمين بالشأن الثقافي، إنقاذ مبنى النادي اليوناني من الهدم مطلع العام 2013، والذي يمثل الشاهد على تاريخ حقبة كبيرة لمحافظة الإسكندرية. وأتى عام 2014 لتودع فيلا "أجيون"، الإسكندرية ليحل مكانها برج سكني، فيما أصدرت فرنسا احتجاجًا رسميًا سلمته للواء طارق مهدي، على هدم الفيلا باعتبارها أحد أعمال واحد من أهم المعماريين الفرنسيين في العالم، جوستاف أجيون. كما شهد العام نفسه هدم فيلا 26 بشارع أحمد يحيى والمجاورة للقصر الذي يسكنه محافظ الإسكندرية والذي لم يتخذ أي إجراء لوقف أعمال الهدم التي تمت بدون ترخيص. وخلال عام 2015 تم هدم قصر عبود باشا الذي يعد أحد أهم المعالم التراثية والتاريخية بكورنيش الثغر بحي سابا باشا، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1912 لأحد كبار رجال الصناعة بمصر في حقبة الأربعينيات وهو أحمد عبود باشا والذي كان أيضًا رئيسًا للنادي الأهلي منذ عام 1946 وحتى 1961. وخلال 2015 واصلت "مافيا" المقاولات بالإسكندرية تعديها الصارخ على التراث المعماري بالمدينة، بعدما قامت بهدم فيلا "أمير البحار"، التي تعد أحد المعالم التراثية والتاريخية بمنطقة "كفر عبده"، شرق المدينة، والمقيدة بمجلد التراث بالمدينة تحت رقم "1735". كما شهدت الأعوام الأربعة الماضية هدم عدد من القصور ذات الطابع المعماري المميز على الرغم من أنها لم تكن مملوكة لمشاهير ومنها الفيلا رقم 62 في شارع الإسماعيلية - كفر عبدة، والمسجلة في مجلد الترات، والقصر رقم 89 شارع عبدالسلام عارف، جليم، والعقار رقم 79 بشارع فؤاد بمنطقة الحي اللاتيني، و العقار رقم 47 بشارع عبد السلام عارف. ولا تزال المحاولات جارية لهدم مبانٍ أخرى وعلى رأسها محاولات هدم فيلا "شيكوريل" بمنطقة رشدي بشارع أبي قير، والتي بناها الثري اليهودى "شيكوريل" عام 1930 بتصميمات 4 مهندسين فرنسيين على طراز يسمي "آرت ديكو Art Deco" ويرجع إلى الفترة من 1925 إلى النصف الأول من القرن العشرين. كما تجري حاليًا محاولات حثيثة لهدم فيلا عفيفي باشا، والتي توجد بمنطقة ستانلي، والمدرجة في مجلد التراث، حيث تقدم مالكها الحالي بطلب إلى حي شرق بالإسكندرية لإصدار رخصة "إحلال وتجديد". كما يشهد قصر سباهي، بمنطقة ستانلي، شرق الإسكندرية، في الوقت الحالي حالة من التخريب المتعمد من جانب مالكيه، حيث شهد القصر مؤخراً هدم أجزاء من حوائطه وديكوراته المميزة، استعداداً لهدمه لبناء برج سكني على الرغم من وجوده داخل مجلد التراث، كما أنه الوحيد من بين عشرات القصور على الطراز "النيو إسلامي"، التي تم هدمها خلال ال40 عاماً الماضية، كما أن من انشئه وعاش فيه سباهي باشا، رئاد صناعة الغزل والنسيج في مصر في فترة ثلاثنيات القرن الماضي. من جانبه كشف الدكتور محمد عوض، رئيس مجلد التراث بمحافظة الإسكندرية، أنه خلال الأربعة أعوام الماضية تم هدم 40 مبنى تراثيًا بعد إخراجها من مجلد التراث، والذي يحتوى على 1135 عقارًا تراثيًا، وذلك بأحكام قضائية، بينما ينتظر ما يقرب من ال 92 عقارًا تراثيًا نفس المصير إذا لم يتم تدارك الثغرة القانونية التي يستغلها مالكو تلك العقارات لإخراجها من المجلد. ولفت "عوض"، في تصريحات خاصة ل"التحرير"، من أن الإسكندرية وعدد من المحافظات المصرية الأخرى ستشهد كارثة تاريخية بالنسبة لمبانهيا التراثية التي ستمحي من الوجود إذا لم يتدخل المشرع لتقويم المادة الثانية من قانون حماية المباني والمناطق التراثية رقم ١٤٤ لسنة 2006.