لم يستمد الكتَّاب قيمتهم من شرف القضية الفلسطينية.. بل قدموا نماذج فنية رائعة هناك فى فلسطين كان الصراع الأساسى حول اللغة العربية التى كان الصهاينة يعملون على محوها بأشكال مختلفة، وكانوا يعملون على تهويد العرب والمدن العربية بكل الطرق، وفى هذا السياق يسوق غسان كنفانى فى كتابه: «الأدب الفلسطينى المقاوم»، مقطعا للكاتب الفلسطينى فوزى الأسمر يقول فيه: «بينما كنت جالسا أتناول وجبة غدائى فى أحد المطاعم بتل أبيب، استمعت بالصدفة إلى مكالمة تليفونية، كان المتكلم شابا عربيا من إحدى قرى المثلث، عرفت فى ما بعد أنها أم الفحم: آلو، فاعد هبوعيل -أى لجنة العمال- أعطنى من فضلك السيد قصاب من الدائرة العربية، آلو كل (كل المحادثة بالعبرية) سيد قصاب مرحبا، أحمد يتكلم، هل تسلمت رسالتى؟ إننى متأسف جدا، لقد كتبتها بالعبرية وطلبت من الأخ قاسم ترجمتها للعربية، متأسف، لقد أنهيت مدرسة عبرية ثانوية ولا أعرف الكتابة بالعربية لذا طلبت منه ترجمتها». ويستطرد فوزى سمارة فى شرح الوضع اللغوى والثقافى الذى كان يواجه الفلسطينيين، هناك محاولة لمحو اللغة، لإلغاء الشخصية القومية، وإذا كان الشعر لعب دورا فى تطوير قوام الشخصية العربية، كان كتاب القصة فى فلسطين يقاتلون من أجل ذلك أيضا، وكانت الكاتبة سميرة عزام تجاهد فى تجويد ما تكتب بقوة، وكانت تنشر قصصها فى الخمسينيات فى مجلات عديدة أبرزها مجلة «الآداب» اللبنانية التى لعبت دورا كبيرا فى الأدب والثقافة العربية على مدى ستين عاما، وقد صدرت عام 1953، وتوقفت عن الصدور هذا العام 2013، وكان صاحبها سهيل إدريس يتبنى كل التجارب التقدمية، ولم يتوقف مدد القصة القصيرة عند حدود الرائدة سميرة عزام، بل تطور على أيدى غسان كنفانى الذى تفجرت موهبته فى أواخر الخمسينيات، وظل يقاتل ويكتب حتى اغتالته رصاصات صهيونية متربصة عام 1972، عن عمر يناهز ال36 عاما، ولكنه كان حلقة استثنائية فى القصص والثقافة الفلسطينية، ويكتب له وعنه صديقه محمود درويش رسالة مؤثرة يرثيه فيها بقوله: «ويا صديقى غسان، إن البياض أمامى كثير، ودمك الذى لا يجف ما زال يلون، لقد ودعت مرحلة من حياتى حين كنت أودعك»، كانت قصص غسان تحكى المأساة الفلسطينية فى دراما هائلة، وكتب عددا من الروايات أبرزها «رجال فى الشمس»، الذى حوله المخرج توفيق صالح إلى فيلم سينمائى شهير، وتحولت بعض روايات غسان إلى مسلسلات تليفزيونية، وكتب كذلك للأطفال، وإذا كان غسان كنفانى يكتب من الخارج هو وآخرون مثل أحمد عمر شاهين ويحيى يخلف، كان هناك نجم آخر بزغت نصوصه فى أواخر الستينيات داخل فلسطين، وهو الكاتب إميل حبيبى، الذى صدرت أول أعماله فى القاهرة، وهى مجموعة قصصية تحت عنوان «سداسية الأيام الستة»، ورغم أن له نصوصا سردية كثيرة مثل «أخطية وسرايا بنت الغول، ولكع بن لكع» فإنه اشتهر بروايته الرائعة «سعيد أبى النحس المتشائل»، ولا تكفى هذه السطور للإشارة إلى الكتاب الفلسطينيين الذين عبروا بأسى وفنية عالية عن قضيتهم الإنسانية، ولم يستمد هؤلاء الكتاب قيمتهم من شرف القضية الفلسطينية، ولكنهم قدموا نماذج فنية عالية جدا، تقف مع نظيراتها فى كل الأدب الغربى والإنسانى.