استكمالا للمقالات حول السياسة النقدية.. حضرنا منذ يومين ندوة في المركز المصري للدراسات الاقتصادية و كانت تدور حول بحث مقدم عن العلاقة مابين سعر الصرف و الميزان التجاري، و تدرج الحديث ليتناول حالة السياسة النقدية أو بمعني أصح معضلة السياسة النقدية.. و كان الحضور نخبة من أهل الاقتصاد و الاستثمار و الأعمال و الصناعة، الكل مهموم بالقضية لأن الكل مهموم بصحة مصر الاقتصادية، لكن تحسين الأداء مرهون بحسن التخطيط و الفهم و الإدارة للأمور الاقتصادية وعلى الأخص السياسة النقدية و المالية للدولة. الموقف الحالي يمكن وصفه كالتالي: نمو اقتصادي مازال محدودا.. لا يتحاوز ٤.٥ ٪ كثيرا... نمو صناعي تباطآ بشدة خلال الأشهر التسعة الماضية و قدر بحوالي ٠،٢ ٪ خلال الربع الثاني و الثالث من العام الحالي. السياحة تراجعت بشدة و من ثم إيراداتها من العملة الصعبة، و نآمل أن تعاود الزيادة في الفترة القادمة. الرصيد من العملة الأجنبية متواضع وسوف يتراجع بعض الشيء مع سداد التزاماتنا المالية لقطر و للدائنين الآخرين في شهر يناير، و من ثم لا مجال للمساس به أو السحب منه لدعم الجنيه المصري إلا في أدني الحدود. إن نسبة تغطية الصادرات المصرية للواردات في تراجع.، و هو ما هو ما يستدعي سياسة تعمل على تنمية وتقوية الصادرات. مصادر الدخل بالعملة الصعبة تنمو ببطء شديد (وبعضها يتراجع) مثل دخل قناة السويس، التصدير، تحويلات العاملين المصريين بالخارج، السياحة، الاستثمارات الأجنبية المباشرة و غير المباشرة. المستثمرون المصريون والأجانب راغبون في العمل بالسوق المصرية و لكنهم منتظرون أن تتضح لهم ملامح سياسة سعر الصرف في المرحلة القادمة. هذا هو باختصار الوضع الحالي، ماهي المسلمات التي لابد أن نتفق عليها؟ أن سعر الصرف هو أداة هامة من أدوات السياسة النقدية بجانب سعر الفائدة و عرض النقود، الخ. سعر الصرف أداة هامة ليست فقط في التآثير على حجم الصادرات والواردات، لأن تآثيرها محدود نسبيا في الأجل القصير، و لكن أساسا هو أداة هامة تعكس مدي اهتمام الدولة بعلاقتها بالعالم الخارجي و مدي حرية انتقال رؤس الأموال من و إلى الاقتصاد. إن السياسة النقدية لا تحدد بمعزل عن السياسة المالية و توجهات السياسة الاقتصادية للدولة ككل. إن سعر صرف الجنيه بالفعل مقوم بأعلى من حقيقته والتقديرات لفرق السعر الرسمي عن السعر التوازني تتراوح ما بين ١٠٪ و ٢٤٪، ومن ثم لا مجال لرفع سعر الجنيه، لأنه ارتفاع مصطنع و مؤقت، ما يلبث أن يتم تخفيضه. المطلوب للمرحلة القادمة أولا، سياسة نقدية واضحة المعالم و لها أهداف معلنة ومتسقة مع السياسة المالية للدولة، يعرضها السيد محافظ البنك المركزي في بيان بمجلس النواب. ثانيا، إدراك القائمين على السياسة النقدية أنه من الصعوبة أن يتحكموا في كل أداوات السياسة النقدية في نفس الوقت، و يقصد بذلك مثلا تثبيت سعر الصرف وتحريك سعر الفائدة والتغييرفي كمية النقود كما يقتضي الظرف واستهداف حجم معين من تدفقات رأس المال في نفس الوقت. ثالثا، كل النقديرات تشير إلى أن الجنيه مقوم بأعلي من حقيقته، لذلك لابد من تخفيض سعر صرف الجنيه. لكن السؤال يصبح: هل الخفض يتم بصورة تدريجية أم بصورة صدمة كبيرة مفاجئة لمرة واحدة، لكل من الطريقتين آثارها الإيجابية والسلبية، و يجدر دراسة الطريقة الأفضل، وبمجرد الاستقرار علي الطريقة الأنسب يتم البحث عن أفضل الآليات المساندة لها لضمان نجاح السياسة المتبعة. أخيرا، يجب على قيادة البنك المركزي التواصل بصورة منتظمة مع الشعب من خلال بيان دوري وليكن مرة كل ستة أشهر أو سنة لتقديم كشف حساب حوال الإنجاز والتحديات والخطط المستقبلية، وإذا استدعي الأمر تعدل السياسة لتواجه أي تطورات اقتصادية جديدة.