تمكنت إسرائيل من الإفراج عن اثنين من أشهر جواسيسها في الخارج، خلال شهر، فأفرجت أمريكا عن الجاسوس جوناثان بولارد، نهاية نوفمبر، بينما أفرجت مصر، أول أمس، عن الجاسوس عودة الترابين، وهو ما يدل أن الموساد لا يترك رجاله في الخارج مهما طال الزمن. عودة الترابين فقد عاد الجاسوس الإسرائيلي عودة ترابين، إلى منزل والده في صحراء النقب، بعد إطلاق مصر سراحه يوم الخميس الماضي. وفي أول تصريح له، نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية، عن الجاسوس،الخميس، قوله: "شكرا للجميع. لقد كنت داخل قبر في مصر، لا أستطيع أن أصف ما حدث لي في السجن". ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن "الترابين" قوله، إنه يتقدم بخالص الشكر لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وكذلك الرئيس الإسرائيلى رؤفيلين ريفلين، وكذلك لقنصل مصر فى إسرائيل وسفير إسرائيل بالقاهرة، قائلا: "أشعر وكأننى فى حلم". وحكى ترابين (34 عاما) للصحفيين من أمام منزل والده في إسرائيل، عن كيفية إبلاغه بالإفراج عنه: "مساء الأربعاء، جاءني ضابط، وقال لي (جهز نفسك). محظوظ أنني إسرائيلي، هذه الدولة تفعل كل شيء من أجل مواطنيها". وانتشرت أمس لقطات فيديو تظهر عملية تسلم وتسليم عودة ترابين بين الجانبين المصري والإسرائيلي، يظهر فيها والده سليمان ترابين، الذي يعيش منذ هروبه من سيناء عام 1990 في مدينة "رهط" بصحراء النقب، والصادر بحقه حكم مصري بالسجن 25 عاما بتهمة التجسس. كما يظهر في الفيديو البرلماني الإسرائيلي أيوب قرا، والذي كان يتولى المطالبة بالإفراج عن الجاسوس طيلة سنوات مضت، والذي نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قوله: "أنا في طريقي للترحيب بالبطل الوطني الإسرائيلي عودة ترابين، الذي نجحت في إطلاق سراحه بعد جهود مكثفة، لقد وعدت بتحريره، وسعيد أنني وفيت بوعدي". وظهر ترابين بصحة جيدة، حليق الذقن، مبتهجا بإطلاق سراحه، بينما لم تظهر صورة واحدة للمصريين اللذين قيل إنهما تم الإفراج عنهما في نفس الوقت. ونقلت القناة الثانية الإسرائيلية، مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الجاسوس عودة ترابين عقب وصوله إلى إسرائيل، بينما اعتبر زعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحق هرتسوج، أمس الخميس، أن إطلاق سراح ترابين "أنهى ملحمة قاسية". وكانت مصر أول من أعلن عن إطلاق سراح ترابين، صباح الخميس، خلال صفقة تبادل، تم خلالها تسليم ترابين وتسلم مصريَين كانا في السجون الإسرائيلية، رغم أن ترابين أنهى مدة محكوميته البالغة 15عاما. وتعود أصول عودة سليمان ترابين إلى قبيلة "الترابين" البدوية، وهي من القبائل الفلسطينية المنتشرة في سيناء وصحراء النقب الفلسطينية. ولد عودة في يوليو1981، وهرب والده من سيناء إلى إسرائيل بعد افتضاح أمره وصدور حكم إدانة بحقه، في يناير 1990، مصطحبا عائلته المكونة من عشرة أبناء وزوجته، ووقتها كان عودة في التاسعة من عمره. ومنحت إسرائيل سليمان ترابين وأبناءه الجنسية الإسرائيلية، والتحق الأبناء، وبينهم عودة بالمدارس الإسرائيلية، وبعد سنوات بدأ عودة يمارس مهام تجسسية على غرار ما كان يفعل أبوه سابقا، معتمدا على العلاقات الممتدة مع أبناء عمومته وأفراد قبيلته الكبيرة، خصوصاً أن اثنتين من شقيقاته كانتا متزوجتين في سيناء. وفى نهاية سنة 1999 دخل "عودة" سيناء بصحبة أمه لزيارة شقيقتيه، وكان بحوزته قدر من الدولارات الأمريكية التي قيل لاحقا إنها كانت مزيفة، وجهاز اتصال إسرائيلي، ووفق أوراق القضية فإنه حاول تجنيد زوج أخته، واسمه سليمان ترابين، وهو أيضا من أبناء عمومته، لكن سليمان أبلغ عنه السلطات المصرية التي ألقت القبض عليه وبدأت محاكمته بتهمة الجاسوسية. قضت المحكمة باتهام عودة ترابين بالتجسس لصالح إسرائيل، وحكم عليه بالسجن 15 عاما، وتم إيداعه "عنبر الجواسيس" في سجن طرة، ومنذ سجنه كانت السلطات الإسرائيلية تطالب بإطلاق سراحه، وكان سفراء إسرائيل في القاهرة يزورونه بشكل متواصل ويتركون له أموالا في حسابه بالسجن للإنفاق على نفسه. جوناثان بولارد والجاسوس الآخر، هو جوثان بولارد، الذي أطلقت أمريكا سراحة في 20 نوفمبر الماضي، ولد بولارد عام 1954 في ولاية تكساس، كان أبوه بروفيسورًا في علم الأحياء المجهري وأمّه ربّة منزل، في وقت لاحق انتقلت الأسرة إلى إنديانان، لم تكن عائلة بولارد في يوم من الأيام متديّنة جدًّا في إخلاصها لليهودية، ولكنّها حرصت على إبقاء اتصال لها باليهودية بل وبدولة إسرائيل، عام 1970، زار بولارد تل أبيب للمرة الأولى، في معسكر لدراسات العلوم. في سنّ 25 قُبِل بولارد للاستخبارات البحرية الأمريكية، بعد أن تمّ رفض طلبه للانضمام إلى صفوف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، لأنّ اختبارات جهاز الكشف عن الكذب الخاصة به كشفت عن وجود مشكلة في المصداقية، لم يعلم الضبّاط الذين قبِلوا بولارد للعمل في الاستخبارات البحرية شيئًا عن أنه رُفِض للانضمام إلى خدمة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، في تلك الفترة تقريبًا، كان هناك تباعد معيّن في العلاقات الصهيونية الأمريكية، على الرغم من الاتفاقات حول التعاون الاستخباراتي الواسع، فهم مسؤولون في تل أبيب أنّ الولاياتالمتحدة تمنعهم من الوصول إلى معلومات مهمّة حول أعدائها. في الوقت الذي فهمت فيه إسرائيل أنّ عليها تعزيز قبضتها الاستخباراتية في الولاياتالمتحدة، التقى بولارد عام 1984 مع أبيآم سيلع، وهو ضابط في سلاح الجو الصهيوني كان يمكث في الولاياتالمتحدة في إجازة دراسية، عرض بولارد على سيلاع المساعدة، وعلى مدى العام الذي مرّ منذ التقائهما نقلت بينهما وثائق كثيرة وذات قيمة، في كلّ يوم جمعة، كان يأتي بولارد إلى منزل خفيّ، وينقل الوثائق التي تمّ مسحها وإرسالها لإسرائيل، بهذه الطريقة تمّ نقل مئات الآلاف من الوثائق. استخدمت إسرائيل المعلومات التي نقلها بولارد كثيرًا، ومن بين تلك الأمور، فقد استخدمت هذه المعلومات لإعداد أسلحة دفاعية ضدّ أسلحة الدمار الشامل لدى البلاد العربية بل ولعمليات هجومية، وكانت أشهرها قصف مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في أكتوبر عام 1985، في الوقت نفسه، بدأ رؤساء بولارد بالشكّ فيه، حيث عُثر في غرفته على وثائق غير متعلّقة بمجاله بشكل مباشر، بدأ وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI ) بتعقّب بولارد. حين فهم بولارد بأنّ الخناق يضيق حول عنقه، اتّصل بزوجته، آن، بسرعة وطلب منها باستخدام كلمات رمزية جمع الوثائق السرّية التي في منزلهما، "دخلت في توتّر كبير، لم أعرف ما ينبغي عليّ القيام به"، تحدّثت آن عن المحادثة الهاتفية مع بولارد. لقد خبّأت الوثائق داخل حقيبة، وقامت بوضعها في قبو شقّة مجاورة، بعد ذلك التقى الاثنان، وقرّرا الهرب معًا إلى سفارة إسرائيل في الولاياتالمتحدة. ادّعى رونالد أوليب الذي كان أحد المحقّقين مع بولارد والذي ألّف كتاب "القبض على جوناثان بولارد"، في كتابه بأنّه حتّى وصوله إلى مدخل السفارة الإسرائيلية، لم يشكّ أحد أنّ بولارد يعمل لخدمة الاستخبارات الصهيونية، جرّم بولارد نفسه بكونه على صلة مع إسرائيل فقط لدى ذهابه المفاجئ للسفارة، والتي طُرد منها، وذلك باعتراف من تلقاء نفسه بعد اعتقاله. طرد رجال السفارة الزوجين ولم يكونوا يعلمون بأنّ بولارد جاسوس، ولم يمكّنوهما من الدخول إلى السفارة، تمّ إلقاء القبض على الاثنين وقُدّما إلى المحاكمة، سلّم وزير الدفاع حينذاك، كاسبر وينبرجر، للمحكمة وثيقة من 46 صفحة تتضمّن تفاصيل الأضرار التي تسبّب بها الجاسوس، حُكم على بولارد بالسجن مدى الحياة، بينما حُكم على زوجته ب 40 شهرًا في السجن، تطلّقت خلالها من جوناثان، خلال كلّ هذا الوقت، نفت إسرائيل أيّ علاقة مع الجاسوس المهمّ الذي خدمها. تمّ رفض استئناف بولارد في المحكمة، وخلال مدّة عقوبته، اكتشف بولارد من جديد قربه من الدين اليهودي وتاب، وفي هذا الوقت تعرّف على زوجته الثانية، إستر. في عام 1998 فقط، اعترفت إسرائيل، بأنّ بولارد تصرّف كعميل لها، جاء في وثيقة رسميّة كتبها المستشار القضائي في مكتب رئيس الحكومة: "كان جوناثان بولارد وكيلا صهيونيا، وقد تعامل معه مسؤولون كبار في سلطة صهيونية مختصّة، وعلى ضوء هذه الحقيقة تعترف حكومة الاحتلال بالتزامها تجاهه وهي مستعدّة لتحمّل المسؤولية الكاملة المترتّبة على ذلك". في الكنيست أيضًا، لم يكونوا متحمّسين في البداية لصالح بولارد. فقد وقّع على الالتماس الأول الذي دعا رئيس الولاياتالمتحدة رونالد ريجن إلى الإفراج عنه 23 عضو كنيست فقط، بالمقابل، فقد وقّع على الالتماس الأخير الذي تم تقديمه عام 2014 للرئيس أوباما 106 عضو كنيست، طلب جميع رؤساء الحكومة الصهاينة منذ بداية سنوات التسعينات من رؤساء الولاياتالمتحدة الأمر بالإفراج عن بولارد، وتم رفض ذلك. في السنوات الأخيرة، بدأت تصدر في الولاياتالمتحدة حيث اعتبر بولارد في البداية جاسوسًا خطرًا، أصوات تطالب بالإفراج عنه. قال وزيرا الخارجية السابقان جورج شولتس وهنري كيسنجر إنه يجب الإفراج عن بولارد، وكذلك الأمر نائب الرئيس السابق دان كويل. بل إنّ المرشّح الرئاسيّ جون ماكين، الذي كان على مدى سنوات من كبار المعارضين للإفراج عنه، عبّر عن دعمه لإطلاق سراح بولارد، ويأتي داعمو إطلاق سراح بولارد من صفوف الحزب الديمقراطي والجمهوري على حدّ سواء. وكان التصريح الأكثر أهمية في هذا السياق من قبل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) السابق، جيمس ولسي، الذي قال بأنّ عدم الإفراج عن بولارد نابع من معاداة السامية. لا يوجد حتى اليوم اتفاق بشأن الدافع الذي دفع بولارد للقيام بما قام به.