ربما لم ينتبه الروس إلى أن إغلاق المجال الجوي اللبناني، تزامن مع عيد العلم والاستقلال في لبنان، اليوم، 22 نوفمبر 1943، لكن الفعل الروسي جاء ليؤكّد للبنانيين أن هذا الاستقلال ربما ينقصه شيئا ما، فقد وجهت البحريّة الروسية رسالة لسلطات الطيران المدني اللبناني، يطالب بإغلاق الممرات الجوية الغربيةللبنان، وهو ما عتبره كثيرا من اللبنانيين تعديا على السيادة الوطنية للدولة. ولكن ضرب السيادة الوطنية، كما يرى اللبانيون، قد لا يقتصر على ثلاثة أيام، إذ كشف مصدر غير رسمي في مطار بيروت، ل"العربي الجديد"، وجود نقاش منذ أسابيع بين التقنيين اللبنانيين والروس، لجهة وجود رغبة روسية بإقفال الممر الجوي المسمى "بالما" بشكلٍ نهائي، لأسباب عسكرية، وهو ما يعني تشغيل الممر الذي اعتمد مؤقتا، أي "ليتان"، وهو ما سيجبر الجانب اللبناني على التنسيق مع السلطات الإسرائيلية (مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة) بسبب قرب هذا الممر من شمال فلسطينالمحتلة. ولفتت مصادر تقنية في مطار بيروت، إلى أن تشغيل هذا الخطّ يُعتبر حقّا سياديا للبنان، وهو يُقلّل من وقت الطيران إلى مصر وجميع البلدان الأفريقيّة. لكنها حذّرت من أن تشغيله بشكلٍ دائم، سيكون مدخلا للتطبيع بين لبنان وإسرائيل، إذ يقتضي تواصلا يوميا بين سلطات الطيران في البلدين. ممر ليتان وهذا الممر البحري "ليتان" (اسمه مشتق من اسم نهر الليطاني أكبر الأنهار اللبنانية)، قد اعتمد من قبل السلطات اللبنانيّة بعد التنسيق مع السلطات القبرصية، بسبب تجاهل الجانب الروسي للرفض اللبناني لطلب إغلاق المجال الجوي اللبناني لجهة البحر لثلاثة أيامن وهي خطوة تعني حصار لبنان لمدة ثلاثة أيام، إذ إن معظم شركات الطيران لا تطير فوق سوريا، وللإشارة، فإن لبنان تحدّه سوريا من الشمال والشرق وفلسطينالمحتلة من الجنوب، والبحر من الغرب. ونتيجة عدم أخذ الجانب الروسي الرفض اللبناني بالاعتبار، والاستمرار بالمناورات كما هي، قرر الجانب اللبناني تغيير الخطوط الجوية المعتمدة حرصا على سلامة الطيران المدني. وتملك لبنان أربعة ممرات جوية: الأول لجهة الشرق، أي يمرّ فوق سورية، واسمه "لابور شكا"، وهو يستخدم حاليا من قبل طيران الشرق الأوسط والطيران العراقي بشكل رئيسي بسبب امتناع معظم شركات الطيران من السفر فوق سوريا بسبب الحرب فيها، وهناك ثلاثة ممرات جوية فوق البحر، الأهم هو الممر المسمى "بالما"، والثاني "إليكا"، وقد تم إقفال هذين الممرين بسبب المناورات الروسية لثلاثة أيام، واعتُمد بدلا منهما الممر الثالث، والذي كان مغلقا من زمنٍ طويل بسبب الاحتلال الإسرائيلي وهو يُسمى "ليتان". رد الفعل اللبناني الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، سخر من الطلب الروسي على طريقته الخاصة، فأطلق العنان لتغريداته، حيث قال: "هل الوزير باسيل على علم بهذا الأمر أم لا؟ يا لها من زيارة ناجحة لموسكو." وأضاف "لا نريد أن نصبح حيّا من موسكو وهناك الحد الأدنى من احترام السيادة اللبنانية." ونقلت "الوكالة الوطنية" عن سفير لبنان في قبرص يوسف صدقة، قوله إن "المفاوضات بين مدير شركة الميدل إيست في قبرص الدكتور نبيل أبو جودة مع مديرية الطيران المدني في قبرص، انتهت إلى تحديد مسار طيران آمن للطيران اللبناني، ويتحدد هذا الخط من المنطقة الجنوبية." وتساءل نائب "الجماعة الإسلامية" في لبنان عماد الحوت ما إذا كانت المناورة الروسية في المتوسط هي تمهيد لاستخدام الأجواء اللبنانية لقصف البلدان والمدنيين في سوريا؟ واعتبر الحوت أن ما قال إنه "قرار الحظر الروسي على الطيران اللبناني جاء بمثابة أمر وليس طلبا، لأنه لم يوجه عبر القنوات الرسمية، إنما كانت رسالة الى مدير الطيران المدني تطلب وقف الطيران وتغيير المسارات لثلاثة أيام، ما يشكل استباحة للسيادة اللبنانية"، وذلك بحسب ما نقلته الوكالة الوطنية للإعلام. من جهته، قال وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، إن تم اختيار المسالك التي تؤمن سلامة الطيران والركاب، مؤكدا أنه "لا يوجد إغلاق مجال جوي عندنا، لأنه لا أحد يقبل بهذا، ولا حتى الروس طلبوا منا أن نغلق مجالنا الجوي"، على حد تعبيره. وقد أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط - "الميدل إيست" أن كل رحلاتها ليوم السبت تقلع في المواعيد المحددة لها كالمعتاد، وأن بعض الرحلات الجوية المتوجهة إلى دول الخليج العربي والشرق الأوسط سوف تستغرق وقتا أطول، بسبب سلوكها مسارات جوية جديدة." النتائج المترتبة نتيجة لتعديل المسارات، فإن وقت الرحلات من وإلى لبنان قد ازداد بحسب مواقع البلدان التي تتجه إليها الرحلات، كما أن شركة الطيران الكويتية ألغت، أمس السبت، رحلتين إلى لبنان، وبالتالي سترتفع الكلفة. وأبلغ رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية النائب محمد قباني "العربي الجديد"، أن هناك خسائر على الاقتصاد اللبناني نتيجة هذا الإجراء، ومن أبرزها توقف رحلات الطيران العارض (charter flights)، لأن هذا الممر لا يحتمل رحلات الطيران الرسمية والطيران العارض، ما عدا الطيران الدبلوماسي، لكن قباني تخوّف من معلومات تلقاها، ولكنها غير مؤكّدة بعد بالنسبة له، وهي تتعلّق بوجود نية لدى الجيش الأميركي بإجراء مناورات في البحر المتوسط ابتداءً من يوم الاثنين المقبل، وهو ما سيؤدي إلى إغلاق خط "ليتان" الذي يتم اعتماده حالياً. وبحسب قباني، فإنه إذا ما بدأت المناورات الأمريكية قبل انتهاء المناورات الروسية، فإن المجال الجوي اللبناني سيكون مغلقا بالكامل، أي مقسماً بين روسيا وأمريكا.