بعدما كانت استراتيجية "داعش"، تحصر ساحات المواجهة في أراض إسلامية "العدو القريب والطواغيت" حسب التعبير الجهادي،، أصبحت الآن عواصم الغرب ومدنه الكبرى، ساحة المعركة "العدو البعيد". وهذا الأمر يمثل تغيرا كبيرا في العقلية الداعشية، التي اعتمدت منذ ظهور التنظيم، على بناء ما يسمى دولة الخلافة، على الأراضي التي استولت عليها في سورياوالعراق. فقبل يوم واحد فقط من هجمات باريس، كانت بيروت تئن من اعتداءات مماثلة وقبلها بأسبوعين، أسقط التنظيم طائرة روسية فوق سيناء، وهو ما يبين تحول داعش لقتال العدو البعيد، واستخدام الذئاب المنفردة، لتنظيم عمليات انتحارية في العواصمالغربية. فقد كانت الساعات الفاصلة بين تفجيرات بيروت وهجمات باريس، عبارة عن فترة استراحة بين استراتيجية قديمة في اختيار ساحة المعركة، يتبناها تنظيم الدولة (داعش)، واستراتيجية جديدة لم يسبق للتنظيم أن تبناها من قبل فأفزعت العالم واستنفرت الشبكات الإعلامية الكبرى. وجاء إعلان (داعش) المسؤولية عن هجمات باريس، ليضع استخبارات الدول الغربية جميعها أمام تحد جديد، هو "تغيير قواعد اللعبة"؛ فبعدما كانت استراتيجية "داعش" تحصر ساحات المواجهة في أراض إسلامية يعتبرها التنظيم جزءا من أرض الخلافة، أصبحت، الآن، عواصم الغرب ومدنه الكبرى، ساحة معركة باعتبارها أرض "العدو البعيدة". وكان هذا التغيير متوقعا على ما يبدو لأغراض دعائية، ولكن صدمة باريس أثبتت أن صناع القرار الغربيين، وإن كانوا يتوقعون هجمات فردية من أشخاص متأثرين بأيديولوجية "داعش"، إلا أنهم لم يكونوا جادين في توقعاتهم، أن يتجه "داعش" إليهم في عقر دارهم بهجمات منسقة بحرفية عالية؛ وأكثر من ذلك، ذهب التنظيم إلى التهديد بشنّ هجمات أخرى واصفاً ما حصل أنه "أول الغيث". أبرز عمليات التنظيم التي تستهدف "العدو البعيد" تفجير الضاحية الجنوبية ببيروت تفجيران انتحاريان وقعا، الخميس الماضي، في شارع الحسينية في برج البراجنة بالضاحية الجنوبية بيروت "معقل حزب الله". وأسفرا عن قتل 43 لبنانيا وجرح العشرات. وأعلن تنظيم "داعش" المسؤولية عن التفجيرين في بيان على موقع "تويتر". جاء في البيان "تمكن جنود الخلافة من ركن دراجة مفخخة وتفجيرها على تجمع للرافضة المشركين، في ما يعرف بشارع الحسينية في منطقة برج البراجنة الواقعة في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب اللات (في إشارة إلى حزب الله) الرافضي، وبعد تجمع المرتدين في مكان التفجيرين فجر أحد فرسان الشهادة تقبله الله – حزامه الناسف في وسطهم ليوقع فيهم ما يزيد على أربعين قتيلاً ومائتي جريح ولله الحمد، وليعلم الرافضة المرتدون أنه لن يهدأ لنا بال حتى نثأر لعرض النبي". ويفهم من البيان أن المبرر في اختيار مكان التفجير، أن قاطنيه من الشيعة الذين يعتبرهم تنظيم "داعش" من المرتدين عن الإسلام ويتجاوز بذلك تنظيم "القاعدة" نفسه الذي كان يتجنب قتالهم. هجمات باريس في مساء 13 نوفمبر، وتحديدا في الدائرة العاشرة والحادية عشرة في مسرح باتاكلان وشارع بيشا وشارع أليبار وشارع دي شارون، دوت عدة انفجارات في محيط ملعب "دو فرنسا" في ضواحي العاصمة باريس، وقالت شرطة باريس، إن عدد العمليات الهجومية في هذه الليلة كانت 7 هجمات في وقت متزامن. حيث اقتحم مسلحون مسرح "باتاكلان" وأطلقوا النار بشكل عشوائي، واحتجزوا رهائن، وأسفرت الحوادث عن مقتل 132 شخصا وإصابة 352 آخرين، وقتل ثمانية مهاجمين سبعة منهم قاموا بتفجير أنفسهم. تفجير الطائرة الروسية وقع الحادث في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، حيث سقطت طائرة ركاب "إير باص" روسية 321، في سيناء، من على ارتفاع 31 ألف قدم، نتيجة وضع عبوة ناسفة على متنها وزنت كيلو جرام من مادة "تي أن تي" المتفجرة، حسبما أعلنت الرئاسة الروسية، اليوم. تفجير عدن تبنى تفجيرات عدن في أوائل أكتوبر الماضي، التي استهدفت فندقا يقيم فيه رئيس الحكومة المؤقتة خالد بحاح، وهو ما اضطره لمغادرة عدن والعودة إلى الرياض. وجرى تنفيذ العملية بسيارة مفخخة اقتحمت بوابة الفندق وأحدثت انفجارا خلف وراءه عددا من القتلى بينهم جنود إماراتيون. تفجيرات في تركيا تعددت التفجيرات في تركيا، وكان آخرها هجوم انتحاري مزدوج في أنقرة في 10 أكتوبر الماضي، وأسفر عن سقوط 128 قتيلا و508 جرحى. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث لكن السلطات التركية اتهمت "داعش" بالمسؤولية عن هذا الهجوم الانتحاري. وقبل تفجير أنقرة، وقع تفجير سوروج في 20 يوليو الماضي، وأدى إلى مقتل 33 شخصا، ودفع أنقرة إلى بدء حرب ضد الإرهاب، متمثلاً، بحسب رأيها، في حزب "العمال الكردستاني" وتنظيم "داعش". تهديد روسيا في 12 نوفمبر الجاري، توعد التنظيم، روسيا ب"استعادة القوقاز" واحتلال الكرملين. وجاء هذا التهديد، عبر شريط فيديو بثته التنظيم عبر مواقع جهادية. ما هي مخاطر استهداف العدو البعيد؟ نشرت صحيفة التايمز البريطانية، مقالا بشأن تحول الإرهاب الداعشي نحو الغرب، وتحذر من مخاطر تمدد الإرهاب الدولي وجر الحروب الى حضن "العدو البعيد". وترى الصحيفة أن "الهجوم على باريس لم ينفذ انتقاما من المشاركة الفرنسية في الغارات الجوية على سوريا، والأمر ذاته يقال عن عملية الطائرة الروسية، بل قام على أساس ديني وثقافي"، مشيرة إلى بيان التنظيم الذي وصف باريس بعاصمة العهر والدعارة والشرك. وتجد الصحيفة، أن هذه اللغة لا تستهدف الضحايا، بل وتحاول إقناع شباب محتملين من مسلمي أوروبا بالانضمام إلى التنظيم، محذرة من تحول التنظيم إلى الغرب ومخاطره، خاصة أن هذا المدخل جلب الدمار على تنظيم القاعدة بعدما نفذ هجمات سبتمبر 2001، وهو ما أدى إلى ضرب أفغانستان وإخراج التنظيم منه، وتشتيت قادته، وبالتالي شل حركتهم وقدرتهم على التخطيط لهجمات. وتشير "التايمز" إلى أن تنظيم داعش، وعلى خلاف تنظيم القاعدة، استطاع قبل بدء الحملة ضد الغرب تأمين مناطق تحت سيطرته في العراقوسوريا، حيث يديرها ولديه جيش كبير نوعا ما، ويواجه عدوا متعبا في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، ولا يريد أن يكرر المغامرات التي بدأتها إدارة بوش في أفغانستانوالعراق.