بعيدًا عن أعين الإعلام والكاميرات، وزيارات رئيس مجلس الوزراء، يعيش أهالي القرى في الإسكندرية حياة صعبة، إسكندرية أخرى غير التي اختصرها الإعلام ورئيس الحكومة شريف إسماعيل في زيارة إلى الكورنيش وبعض الأحياء المطلة عليه. «إسكندرية المنسية» رصدتها «التحرير»، قرى وعزب المحافظة التي لم ترصد أوضاعها الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك المناطق التي لم تتخلص من مياه الأمطار التي لم تتوقف عن النزول خلال الساعات ال 48 الماضية، ويحاول أهلها التغلب على أزمتهم في صمت، فأغلب ساكني هذه القرى من البسطاء الذين لا يملكون حسابات على "فيسبوك" و"تويتر"، معرفتهم بوسائل الإعلام لا تتجاوز التلفزيون. الأهالي في عزبتي محسن والفلكي، لم ينتظروا أي إجراءات تتخذها المحافظة ولا المسؤولين بالمحليات، بدأوا بالجهود الذاتية لتخليص العزبة من مياه الأمطار التي وصلت إلى بيوتهم وأغرقت، وألحقت خسائر كبيرة بمحلاتهم. المساجد فتحت أبوابها للمساعدة في التخلص من المياه، "لا لانتظار الحكومة" الرجال اجتمعوا على قلب واحد للتخلص من المياه وتنظيف الشوارع، وإنقاذ ما يمكن من أثاث، وأدوات معيشة في غرف غمرتها المياه وخربت أجهزتها الكهربائية. يجلس محمد حسنين، 70 سنة، أمام مخبزه في عزبة محسن متحسرًا على الخسائر التي لحقت به نتيجة غرق المخبز بمياه الأمطار، ويقول: "اختلطت المياه بأجولة الدقيق، وتعطلت أفران الخبز، المطر كان بمثابة خراب بيتي.. أنا شقى عمري كله في المخبز، شقى عمري ضاع، وما أملكش غير إني أقول حسبي الله ونعم الوكيل في بلد خربتها شوية مياه، وانعدم فيها العدل". بجوار مخبز عم حسنين الغارق، يمسك الطفل أحمد حسن، 10 سنوات، بأدوات نظافة، محاولًا إبعاد المياه عن منزل أسرته، ومنازل الجيران، ويقول: "احنا اللي بنشيل المياه علشان فميش حد من الحكومة بيشلها لنا، وإحنا متعودين على كده، لا شركات صرف بتيجي، ولا حد بيسأل.. إحنا خايفين على الأجهزة الكهربائية عندنا، لإن مش معانا نجيب غيرها. ولم تتوقف مناشدة الأهالي للمسؤولين وخصوصًا القائم بأعمال المحافظ للتخلص من المياه، وهو ما يؤكده خالد محمد، 30 سنة، من سكان العزبة، الذي يضيف: "المحلات غرقت، والدنيا بايظة، لا الجيش عمل معانا زي ما حصل في المدن، ولا رحيل هاني المسيري جه بفايدة، العيب في النظام اللي ماشي مش في شخص".
عادل مصطفى، أحد سكان العزبة، يشير إلى أن الأهالي قطعوا الكهرباء عن العزبة حتى لا تتلف الأجهزة الكهربائية، كما أنهم خافوا من تعرض أحد للصعق بأسلاك الكهرباء العارية في الشوارع. ويتابع: "يا ريت المسؤولين يعرفوا إن إسكندرية مش بس الكورنيش ولا المنتزه، فيه إسكندرية تانية يا سيادة المحافظة، إحنا اللي عايشين في القرى والعزب ومحدش معتبرنا، يا ريت تعملوا لنا حاجة بجد، بدل كلام التلفزيون إن كل حاجة بتتصلح". ويضطر أهالي العزبة إلى شراء "كازلوك" من أجل السير في المياه التي غمرت الشوارع، تكلفة الواحد منه تصل إلى 30 جنيهًا، وهو أمر لا تتحمله أي أسرة دخلها الشهري لا يتجاوز بضع مئات من الجنيهات. "غرق وخراب بيوت" الوضع في عزبة الفلكي لا يختلف كثيرًا عن عزبة محسن. عادل مصطفى، عجوز ستيني، يشير إلى الخسائر التي لحقت بالمحلات: "كل اللي عنده بضاعة في محل ضاعت كلها تقريبًا، كمان الخطر إن البيوت هنا كلها دور واحد أو اتنين، واغلب السكان قاعدين في الدور الأرضي، وده خلا عفش البيوت والتلاجات والتلفزيونات تخرب.. الخساير دي لازم ناخد عنها تعويض، لأن الدولة مسؤولة عن تصريف مياه المطر، مش إحنا، حسبنا الله ونعم الوكيل".
أحمد أمين، صاحب محل نجارة، يؤكد أن الأمطار أغرقت بضاعة خاصة به يصل ثمنها إلى 100 ألف جنيه، ويضيف: "أمرنا لله.. لا الحكومة هتبص لحالتنا ولا حد هيهتم بينا، ملناش غير ربنا". مختار محمد، يشير إلى أن أهالي العزبة تواصلوا أكثر من مرة مع مسؤولي الإسعاف والحماية المدنية، إلا أن أحدا لم يستجب لهم، ويكون الرد: "هنعملكوا إيه.. فيه حالات وضعها أخطر منكم". ويتابع: "محدش جالنا لا من القوات المسلحة ولا الصرف والحي.. فيه أكتر من 20 محلًا غرق في المطر، ونحن قدمنا أكتر من 20 بلاغًا لكي يسأل فينا أحد، لكن دون مجيب". أسرة "أم محمد"، ساكنة بالعزبة، تنام في الشارع بعد أن أغرقت المياه منزلها، ولا تطلب السيدة سوى أن ينظر إليها المسؤولين بالحكومة، وتضيف: "إحنا عندنا عربية بصل بنسرح بيها على باب الله، وملناش غير ربنا يطلف بينا، بيتنا هيقع لو ملحقناش ورممناه".
ويخشى عبد الله محمد، عامل في مخزن أخشاب، أن يفقد عمله بعد أن أغرقت المياه المخزن، وألحقت خسائر كبيرة بالأخشاب، وأتلفت الأجهزة التي تعمل بالكهرباء، "كل حاجة باظت، ولسه فيه أقساط على المخزن مفروض تتدفع، ده خراب بيوت".