لا شك أن استعادة حزب العدالة والتنمية، للأغلبية البرلمانية مرة أخرى بعدما فقدها في مارس الماضي، سيكون له تأثيرا على السياسية الخارجية لتركيا في الفترة القادمة، لا سيما وأن هناك قضايا محورية للسياسة الخارجية التركية على رأسها؛ الأزمة السورية وتوتر العلاقات مع مصر، والموقف من الاتحاد الأوروبي وقضايا اللاجئين. الأزمة السورية بحكومة ناقصة الصلاحيات كانت تركيا ستتراجع، عن كونها دولة مؤثرة في مستقبل سوريا في وقت بالغ الخطورة، وأي موقف تركي سواء كان عسكريا أو سياسيا، سيتطلب حكومة قوية قادرة على تمرير قراراتها في البرلمان، الآن من المؤكد أن الرئيس التركي، وحكومته، قادرون على الجلوس على طاولة المفاوضات، وتعزيز دور المعسكر المضاد، للإيرانيين ونظام بشار الأسد، حسبما يرى الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في مقالة بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية. ولا شك أن الرئيس رجب طيب أردوغان اليوم، أقوى من الأشهر الخمسة الماضية، عندما كان لا يملك أغلبية كاملة في البرلمان، وتركيا هي الدولة الأكثر قدرة على التأثير على الوضع في سوريا، مقارنة بدول المنطقة، بحكم حدودها الطويلة وإمكاناتها الاقتصادية الهائلة، ولا شك أن فوز حزب أردوغان خيب آمال النظام السوري وإيران، اللذين كانا يأملان في فشل «العدالة والتنمية» في الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة. ونتيجة لجرأتها على المشاركة في الحرب العسكرية، تحاول روسيا فرض حل سياسي أقرب إلى معسكر إيران الأسد، ولو أن أردوغان خرج من الانتخابات ضعيفا، لانعكس سلبا على ما سيجري خلال الأشهر القليلة المقبلة، والتي بدأت ملامحها تظهر في مؤتمر العشرين في فيينا حول حاضر ومستقبل سوريا، ومن المتوقع أن يتولى الأتراك قيادة القاطرة، كونهم المعنيين أكثر من غيرهم بما يحدث على حدودهم الجنوبية في العراقوسوريا، ويدركون أن الانتشار الإيراني في هذين البلدين، يصب مباشرة في الإخلال بالتوازن مع تركيا، ولا شك أن إثارة الحديث عن مشروع إقامة دولة كردية في سوريا، كان امتحانا للأتراك في لحظة الانتخابات، وتزامن في وقت يعزز فيه الإيرانيون نفوذهم في كردستان العراق. العلاقات مع مصر اتخذ النظام التركي بقيادة أردوغان، الموقف الأكثر عدائية في العالم، تجاه النظام المصري بعد عزل الجيش للرئيس الأسبق محمد مرسي، ولم يبد النظام التركي أي مرونة منذ ذلك الحين، في التعامل مع التغيرات الداخلية المصرية، ولكن يبدو أن نتيجة الانتخابات سوف تحرك المياه الراكدة في هذه القضية، ويجور الحديث حول تولي "علي باباجان" القيادي في العدالة والتنمية، منصب وزير الخارجية، وهو من الحمائم داخل الحزب الإسلامي، ومن دعاة إعادة النظر في توتر العلاقات مع مصر. وستجد أنقرة، أن الاختلاف مع القاهرة يضعف معسكرها، فمصر هي عمود أساسي في المجموعة العربية، وفي كل منطقة الشرق الأوسط، ومن دونها تكون المهمة صعبة على تركيا في معالجة الملفين العراقي والسوري، ونحن الآن في زمن التحالفات، حيث لا تستطيع الدول فرادى مواجهة الفوضى القائمة، ولا ردع القوى التي تريد تغيير الخريطة بالقوة، ولا إقناع الدول الكبرى باتخاذ مواقف عملية مناسبة، ويبدو التحالف الثلاثي "تركيا مصر الخليج" قادر على تغيير الوضع المعلق، ولذلك قد يبدو في الأفق إن هناك تقاربا في وجهات النظر بين مصر وتركيا، سيحدث في الفترة القادمة. الاتحاد الأوروبي الغرب يحتاج إلى تركيا، وهو يعلم ذلك، فهي بلد محوري على صعيد الحرب الدائرة في سوريا، وأزمة اللاجئين في أوروبا. وينتقد الزعماء الأوروبيون، سرا، إردوغان وسجله بشأن حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون، لكنهم في حاجة لمساعدته لإدارة أزمة اللاجئين التي يكافحون من أجل السيطرة عليها، وكانوا قد أجلوا قبل الانتخابات نشر تقرير حساس، لكن على الرغم من عدم الارتياح الذي قد يشعرون به إزاء إردوغان، فمن المرجح، سرا، ترحيبهم بعودة حكومة الحزب الواحد. وتنطوي حساباتهم على أن وجود حكومة قوية في البلاد قد يساعد في إبرام اتفاق يتيح السيطرة على تدفق اللاجئين من تركيا. وفي المقابل سيصر إردوغان على تيسير قيود السفر في أوروبا وتسريع طلب بلاده للانضمام للاتحاد الأوروبي، حيب مراسل بي بي سي في تركيا جافين هيويت. وسوف تعزز نتائج الانتخابات طموحات إردوغان من أجل جعل تركيا قوة إقليمية حيوية. محور قطر السعودية تركيا لن يحدث أى تغيير في المحور الشرقي "السعودبة - تركيا - قطر" المناصرة للمعارضة المسلحة في سوريا، لأن حصول العدالة والتنمية على الأغلبية يجعله تشكل حكومة منفردة، وهو ما يعني عدم تدخل المعارضة العلمانية "يسارية التوجه" في التأثير على قرارات الحكومة، ولا سيما التحالف مع الممالك الخليجية السنية، التي تتوجس منها أحزاب المعارضة في تركيا.