على غير عادته، خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي غاضبًا وضائقًا الصدر بالإعلام والإعلاميين، خلال كلمته بالندوة التثقيفية بمسرح الجلاء للقوات المسلحة أمس الأحد، موجِّهًا العتاب واللوم لوسائل الإعلام جميعها بصفة عامة ولأحد الإعلاميين على وجه الخصوص بعد انتقاده له في التعامل مع أزمة غرق الإسكندرية، بأن انتقد اجتماع الرئيس بمسوؤلي شركة "سيمنز" بينما كانت عروس البحر تغرق في الأمطار. ظهر الأمر جليًّا حينما وجَّه الرئيس كلمته لبعض الإعلاميين أثناء خطابه، قائلاً: "هو إنت عشان قدام منك ميكرفون ومعاك كلام عاوز تقوله تعمل كده في بلدك ولا إيه، أحيانًا لازم نتعامل مع الموضوعات بالفهم اللازم، فيه إعلامي بيقول الرئيس قاعد مع بتوع سيمنز وسايب إسكندرية تغرق، مينفعش كده ده أمر لا يليق، إنتو بتعذبوني إني جيت هنا ولا إيه؟، أنا مش زعلان بس عاوز حد يقولي أنا وجِّهت إساءة لمين، أتحدى إن حد يطلع أي تعبير غير مناسب أنا قلته لأي حد حتى للناس المسيئة لنا وتتآمر علينا، المرة الجاية أنا هشتكى للشعب منكم". لم تمر كلمة الرئيس عن الإعلام مرور الكرام على وسائل الإعلام ذاتها وصفحات التواصل الاجتماعي على حد سواء، حيث اشتعلت الفضائيات بردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض، التي انحصرت جميعها حول مقصد الرئيس من كلمته وضيق صدره بالنقد وبخاصةً وهو فى موقع الرئيس، بينما تنوعت تعليقات صفحات التواصل على موقعي "فيسبوك وتويتر" ما بين السخرية والاستنكار، حيث جاءت بعض الآراء المعارضة تقول: "هو الرئيس متكلمش ليه على ريهام سعيد طالما بيتكلم عن لإعلام .. هل السيسي فوق النقد.. مين اللي عذب مين بس.. مش دول اللي بيهتفوا طول الوقت ليه دلوقتي عذبوه.. طاب مرسي اللي طلع عينيه واتبهدل بجد كان يعمل إيه.. إيه الفرق بين الإعلامي اللى ذكره الرئيس وكلام مرسي عن عاشور بتاع الشرقية"، وأخرى مؤيدة تقول: "أيوه كده خليه يظهر ليهم العين الحمرا.. مش هينفع معاهم غير كده علشان يتلموا.. اغضب يا ريس ضد اللي بيحاولوا يهدموا البلد.. كفاية سكوت عن اللي بيحاولوا يشوهوا صورتك". اللافت للنظر أنَّ أغلب وسائل الإعلام ركَّزت في تسليط الضوء على كلمه الرئيس على كلمة "إنتو بتعذبوني إني جيت هنا ولا إيه"، التي اعتبرها كثير من المراقبين والمحللين المتخصصين في الشأن الإعلامي أنَّها فى غير محلها، محملين الرئيس جزءًا من مسؤولية تدهور الإعلام بسبب ظهور العديد من الأبواق الإعلامية المؤيدة له التي تحاول أن تُظهر الإيجابيات طوال الوقت وتتغاضى عن ذكر السلبيات، فضلاً عن انتشار فضائيات الإثارة والفتنة والجن والعفاريت دون أن يشير لهم الرئيس في أكثر من مناسبة وهو ما أعطى انطباعًا بأنَّ هناك إعلاميين مقربين من الرئيس. الكاتب الصحفي صلاح عيسى أمين عام المجلس الأعلى للصحافة قال ل"التحرير" إنَّ الرئيس قصد من وراء جملة "إنتم بتعذبوني إني جيت هنا"، إنه جاء بعد ضغط شعبي ورغمًا عنه، وأنَّ الشعب هو من دفعه لتولي مسؤولية البلاد وكان من أبرز الداعمين لذلك وسائل الإعلام، موضِّحًا أنَّ الرئيس تحدَّث عن الإعلام من منطلق اللوم والعتاب لا سيَّما في ظل شعوره بافتقاده الإنصاف، لافتًا إلى أنَّ الإعلام يشهد في الوقت الراهن حالةً من المزاج الإثاري للغاية وهذه الرغبة ناتجة عن فوضى الإعلام الصادرة عن تعامل عددٍ من غير المختصين في مجال الإعلام بشكل ارتجالي أمام الفضائيات. وأضاف عيسي: "الرئيس انفعل على وسائل الإعلام والإعلاميين بعد تزايد موجات الشتائم والسباب والانتقاد ووصول وسائل الإعلام لنوع من الترخص، وهذا لن يحدث إذا كانت هناك التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام التي من المتوقع أن تعرض على مجلس النواب القادم لمناقشتها وإقرارها، يجب على غرفة صناعة الإعلام أن تتجمع وتتوافق على وضع شكل من أشكال المدونة الأخلاقية لوسائل الإعلام". بدروه، أوضح الكاتب الصحفي سليمان جودة أنَّ الإعلام يجب أن يدرك أنَّه إعلام مسؤولية وليس إعلام سلطة، لافتًا إلى أنَّ بعض وسائل الإعلام باتت تتصرف وكأنَّ الإعلام أصبح صاحب فضل على الرئيس بسبب انحياز الرئيس للإعلام الخاص منذ البداية. "إحنا مش عايزين عودة العلاقة بين الرئيس والصحافة من خلال إبداء العين الحمراء لأنَّ هذا يعني التشريعات المقيدة، وإحنا متفقين مع الرئيس أننا غير راضين عن الإعلام لكن يجب أن يكون هناك تنظيم ذاتي للمهنة"، هكذا علَّق نقيب الصحفيين يحيى قلاش تعقيبًا على هجوم الرئيس على الإعلام، موضِّحًا أنَّ غياب التشريعات والقوانين المنظمة للإعلام سبب حالة الفوضى التي ألمح اليها الرئيس خلال خطابه، لافتًا إلى أنَّ الإعلام تشبع في الفترة الماضية بالتسريبات والتسجيلات وانتهاكات خصوصيات المواطنين والقانون، ما تسبب في حدوث حالةً من الفوضى العارمة في مجال الإعلام. وأضاف أنَّ جملة الرئيس "بتعذبوني ليه" تشير إلى حالة الفوضى التي بدأت تنتهجها بعض وسائل الإعلام في ظل عدم غياب دور نقابة الإعلاميين المختصة بتنظيم مهنة الإعلام التي بات يدخلها عدد كبير من غير المختصين عبر رجال الأعمال الذين يملكون الفضائيات. وأوضح النقيب أنَّ هناك بعض الأباطرة من رجال الأعمال يصدرون التشريعات المنظمة للإعلام، لافتًا إلى أنَّ تلك القوانين المعطلة هي التي ستهاجم الاحتكارات، لذلك يرفض هؤلاء الأباطرة إظهار هذه القوانين إلى النور، قائلاً: "مهنة الإعلام أصبحت تستباح من الجميع دون ضابط أو تنظيم لها لعدم وجود نقابة الإعلاميين".