تعد محافظة الإسكندرية واحدة من محافظات مصر، التى كانت شاهدة على كثير من الأحداث التى مرّ بها التاريخ المصرى، إذ أصبحت عروس البحر الأبيض المتوسط بمثابة سجل ذاخر لذلك التاريخ، الذى تبقى منه مجموعة آثار تظل عالقة فى أذهان المصريين. الإسكندرية التى حلم مؤسسوها بأن تكون من أرقى مدن العالم، وأن تكون مدينة الجمال تحولت الآن إلى مدينة القبح، بعد أن طالت يد المخربين والفاسدين قصورها وفيلاتها الأثرية التى شيّدها من كانوا يؤمنون بقيمة الجمال، فجاءوا من يهدمون التاريخ من أجل مصالح فاسدين.. «التحرير» تفتح ملف هدم الفيللات التراثية بالإسكندرية.. لعلنا نجد من يلتفت إلى ذلك التاريخ، وينقذ ما تبقى منه، إن كانوا به يؤمنون.. «أبو الغار» من الدراما إلى الهدم يبدأ مسلسل هدم الفيلات الأثرية من عصر اللواء عبد السلام المحجوب، الوزير والمحافظ الأسبق، فقد حدث فى عهده هدم أولى فيللات الإسكندرية التراثية، التى كانت تقع بمنطقة سيدى بشر، وشهدت تصوير أحداث رائعة الكاتب أسامة أنور عكاشة «الرايا البيضا»، وعلى الرغم من أن «الرايا البيضا» تحدث عن مافيا الهدم وتدمير التراث فإن فيللا أبو الغار لم يتم إنقاذها من مافيا البناء والمقاولات، إذ طالتها معاول الهدم بعد سنوات قليلة من المسلسل الدرامى الشهير. وبعدها انفرط العقد وهدم العديد من الفيللات الأثرية على طريق الكورنيش، منها فيللا فى منطقة سان ستيفانو كانت من الفيللات المدرجة فى مجلد التراث المعمارى. «أمير» «مترو» «رويال».. سينمات إلى الفناء وفى عهد الإخوان، وتحت رعاية الدكتور حسن البرنس، محافظ الإسكندرية وقتها، هُدمت أقدم سينما فى الإسكندرية، وهى سينما «ريالتو» بمنطقة محطة الرمل وسط المحافظة، التى تم هدمها فى عام 2013 وتحديدًا فى 22 إبريل، وهى إحدى أقدم دور العرض السينمائى فى الإسكندرية بذريعة «التجديد»، الذى يتضمن إزالة صالة العرض التاريخية الكبيرة وإحلال 6 قاعات ضيقة مكانها، وكان الأمر نفسه قد حدث من قبل فى سينما «أمير» و«سينما مترو» و«سينما رويال» فى محطة الرمل دون أى مراعاة للقيمة الأثرية أو الفنية لهذه الدور.
وانهار تاريخ الإسكندرية، واختفت السينما، وأصبح مكانها سور يحمل إعلانات الشركة، التى قامت بالهدم، وهى شركة «ستانلى»، التى قامت فيما بعد بطمس معالم فندق «السلاملك» داخل قصر المنتزه شرق الإسكندرية. «أجيون».. هدم بمباركة المحافظ ولم يكن حال المحافظة أفضل حال فى عهد اللواء طارق مهدى محافظ الإسكندرية السابق، فالواضح أن مافيا الهدم أكبر من أن يسيطر عليها محافظ إقليم، إذ حدثت كارثة هدم فيللا «أجيون» بمنطقة وابور المياه، تلك الفيللا التى يزيد عمرها على 90 عامًا، ويرجع اسمها إلى «جوستاف أجيون»، وقام بتصميمها الفرنسى أوجوست بيريه، أحد أهم وأشهر معماريى العالم، ورائد استخدام الخرسانة المسلحة فى إنشاء المبانى. بدأت أعمال الهدم، وحاول عدد من الأهالى وقف الهدم إلا أن الفيلا قد سقطت، وسقط معها التاريخ.
وحضر وقتها اللواء طارق مهدى، محافظ الإسكندرية السابق، إلى موقع الهدم، لكنه لم يستطع فعل شىء، لأنه لم يعد هناك فيلا يمكن الحفاظ عليها أو إنقاذها من البلدوزرات، وقال المحافظ فى مؤتمر صحفى عقده وقتها إن أوراق المالك صحيحة والإجراءات التى اتبعها صحيحة، وإن تصريح الهدم الحاصل عليه برقم «م/ ذ/14/42/4» بتاريخ 5 يناير 2014. وتحدث عن إمكانية مخاطبة الدكتور حازم الببلاوى، رئيس الوزراء الأسبق، لإمكانية ضم الفيلا إلى المحافظة وترميمها إن أمكن لكن لم يحدث شىء حتى الآن. محافظ ينام على أصوات الهدم ولا غرابة أن نقول بكل أريحية أن فى عهد هانى المسيرى، زادت حدة هدم التراث المعمارى والفيللات المدرجة ضمن التراث المعمارى، فعلى بعد خطوات من استراحة المسيرى بمنطقة جليم تم هدم فيللا «عبود باشا»، الواقعة فى شارع أحمد يحيى بمنطقة زيزينيا، وكانت الفيللا مدرجة تحت رقم 1976 بمجلد التراث المعمارى، ولم يتدخل المسيرى لوقف اغتيال ذلك التاريخ. وداعًا «شيكوريل» وبعد رحيل المسيرى وتقديمه استقالته على خلفية غرق شوارع وميادين المحافظة فى مياه الأمطار، كُلفت الدكتورة سعاد الخولى نائبته، بمهام القائم بأعمال المحافظ لحين تعيين محافظ آخر، ولم تكن هى بأحسن حال من سابقيها، إذ شهدت الإسكندرية فى عهد الخولى هدم فيللا «شيكوريل» الكائنة ب404 طريق الحرية رشدى، وهى الفيللا الأكثر أهمية فى الإسكندرية، حيث مكث فيها الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وقتما كان نائبا للرئيس الراحل أنور السادات فى أحداث يناير 1977 الشهيرة، والمعروفة بانتفاضة الخبز، وظل مبارك موجودا فى الفيللا لعدة أسابيع، وحسب أهالى المنطقة فقد حاصره أهالى الإسكندرية لعدة ساعات أثناء وجوده، لكن تم فض التظاهرة.