لا يريد بعض المعارِضين للسيسى أن ينتبهوا إلى أنه لم يعد متبقياً من فترته الرئاسية إلا فقط نحو 32 شهراً، بعد أن انقضى قرابة 16 شهراً على انتخابه. ولكنهم يدفعون بالأمور وكأنه من الممكن أن يتغير قبل انتهاء ولايته، بل يتوهمون أنه من الممكن أن يحدث عاجلاً، عن طريق الضغط بالإعلام أو بالميدان! وقبل مناقشة جواز ما يطرحونه، ينبغى الإشارة إلى أنه ليس لديهم مرشح جاهز يمكنه أن ينافس بجدية على تولى المنصب الرفيع! أى أن الفوضى العارِمة هى النتيجة المترتبة على الأخذ بوجهة نظرهم. يرفض هؤلاء من ناحية المبدأ التفكير فى الانتظار حتى انتهاء الفترة الرئاسية، ثم الخوض فى معركة رئاسية يعملون فيها على إنجاح من يرونه أفضل، كما يحدث فى الدول الديمقراطية أو تلك التى تسعى لأن تؤسس قواعد وقيم الديمقراطية. من هؤلاء جماعة الإخوان وحلفاؤهم الذين لا يزالون يرددون كلاماً عقيماً عن انقلاب السيسى على ما يسمونه الشرعية، وهو حدث صار تاريخياً بإيقاع سير الأمور فى مصر منذ 25 يناير، كما أنه يتعامى عن أن خطوة السيسى للإطاحة بحكمهم لم تكن مبادرة منه وإنما كانت استجابة لمطلب شعبى جارف، فيما كان، عملياً، استفتاءً حقيقياً على لفظ الشعب ليس فقط لممثل الإخوان فى القصر الرئاسى وإنما للجماعة كلية، ولنهجها فى الحكم وفى تفاصيل الحياة. وهناك آخرون قرروا أن يعارضوا كل شيئ بنيّة مسبقة وبفكر خاص يمنحهم الاطمئنان إلى أنهم أكثر نزاهة وشجاعة من غيرهم ما دام أنهم لا يتورطون فى سياسات عملية، مما لا بد أن يكون هنالك خلاف على ترتيب أولوياتها. وهم من دعاة التغيير الفورى لأنهم يرون أخطاء شنيعة فى كل قرار اتخذه السيسى، وهم على استعداد يصل إلى حد الانتقاد بأعلى صوت لأن تقع أى إصابة بدنية لإرهابى وهو يستخدم السلاح المتطور ضد الجيش والشرطة فى محاولة القبض عليه أثناء مبادرته بالعدوان المسلح على أجهزة الدولة! وهم من فئة يُستَحسَن عدم الانزلاق فى مناقشة أفكارهم ونهجهم. وهناك فئة أخرى تختلف مع السيسى عن جدّ فى السياسات وفى التوجهات، ويعترضون، بمنطق من الممكن أن يُطرَح فى مناقشة مثمرة، على اختياراته لمن يقترب ولمن يتولى المسؤولية ولمن ينبغى أن تخاصمه الدولة الآن، وعلى إنفراده بقرارات صعبة كان عليه أن يطرحها للحوار العام..إلخ يحاول بعض فلاسفة الإخوان التدليس بأن التغيير وقع على مرسى، وأنه لم يُمنَح فرصة لاستكمال ولايته! وقد كان يُظن أن الفارق واضح بذاته وأنه فى غير حاجة إلى تفنيد، ولكن ما دام أن الحجة لا تزال مطروحة، فإن الرد المباشر عليها أن مرسى اقترف جرائم كانت كل واحدة منها كفيلة بعزله ومحاكمته، وفق الديمقراطية، منها عدوانه المباشر يوم 21 نوفمبر 2012 على الدستور، الذى أقسم على حمايته، بعد نحو 5 أشهر فقط من توليه الرئاسة، فألغى بعض مواد، وأضاف موادّ أخرى تحصِّن قراراته. وفى عدوان جسيم على السلطة القضائية عزل النائب العام وعين نائباً آخر من جماعته ليكون عوناً له فى تقييد معارضيه وفى نفس الوقت حامياً لسياساته من المساءلة..إلخ إلخ كما أن مرسى تنازل طواعية عن مسؤولياته وصلاحياته الرئاسية إلى جماعته، وقَبِل على نفسه وعلى منصبه الرفيع أن يُدار من وراء ستار ممن لم يُستَشَر الشعب فى أن يتولوا أى مسؤولية. وأيضاً، فإن مرسى رفض المطلب الشعبى الذى التزم بقواعد الديمقراطية، بإجراء انتخابات مبكرة، بعد أن أكدّ أنه من المستحيل أن يُوجّه له اتهامٌ على جرائمه، بل إنه أطلق ميليشيات الإخون المسعورة ضد المتظاهرين العزل، مما أدى إلى وقوع ضحايا! وكانت هذه أيضاً أدعى لمحاكمته، ولكنه لم يُتح السبل إلا للخروج الشعبى عليه، والإلحاح على القوات المسلحة أن تتدخل لحماية البلاد والمواطنين من حكم كارثى أغلق كل المنافذ وتوهم أن بقاء الرئيس على كرسيه قضاء وقدر. أما تغيير السيسى للاختلاف السياسى، مهما بلغ الاختلاف من تطرف، فمحله صندوق الانتخاب بعد نهاية ولايته، مع التمسك طوال الوقت بالحق فى المعارضة دون توقف والضغط لتغيير السياسات، وكان هذا هو المنطق الحاكِم عند الاختلاف السياسى الحاد فى حالات هى الأسوأ بامتياز فى العصر الحديث، حينما انتظر معارضو دبليو بوش وتونى بلير حتى يسحبوا من كل منهما الثقة، وفق قواعد الديمقراطية التى لا يجوز الخروج عليها إلا بقواعد أخرى فى إطار الديمقراطية. وهم يعرفون أن عزل الرئيس له شروط خاصة. ليس أمام معارِضى السيسى الراغبين فى تغييره سوى أن يُعدّوا عدتهم للانتخابات الرئاسية القادمة فى عام 2018، ومن حقهم أن يتمسكوا بتوفير كل ممكنات الانتخابات التنافسية الحرة النزيهة وفق أعرق الديمقراطيات. ولكن، عليهم أن يتذكروا أن التواصل مع الجماهير واجب مفروض عليهم، وعلى كل من يسعى للتمثيل الشعبى على أى مستوى، لكى يحظوا بالثقة الشعبية التى تتمثل فى أصوات لصالحهم فى صندوق الاقتراع، حتى لا يكتشفوا يومها أن بلوغ مناهم مستحيل، فيعلنون المقاطعة لأسباب أخرى غير مقنعة تبعدهم أكثر عن الجماهير.