من شُغل الثلاث ورقات الذى يعتمده بعضُ مراسلى عدد من الصحف العالمية الكبرى المنحازة إلى الإخوان، وهو، مبدئياً، انحيازٌ ينتهك أول قواعد يتعلمها دارس الصحافة بأنه غير مُغرِض وأنه لا مهمة له إلا تلبية حق القارئ فى معرفة الأخبار وخلفياتها، أنهم ينتقدون بجرأة بالغة أوضاعاً خاطئة قد لا يكون هنالك خلاف على أنها خطأ، وبرغم أن بعضها سائد منذ زمن إلا أنهم ينسبونها إلى نظام الحكم الجديد فى مصر، أو ما يُصرّون على أن يصفوه بالانقلاب! وهم بهذا يقترفون جملة جرائم مهنية، منها ما يَنبغى مساءلتُهم عنه! ولما كان من الطبيعى ألا يعرف القارئ فى بلادهم التفاصيل الخاصة بنا، فهو يقع ضحية التضليل، خاصة مع غياب أى ردود من جانبنا. ومن ناحية أخرى، يجرى التشويه المتعمد لصورة الحكم فى مصر، والأهم من كل هذا الإساءة للاختيار التاريخى للشعب المصرى بالإطاحة بحكم الإخوان. وكل هذا بغرض خلق حالة من التعاطف مع الإخوان الذين يصبحون وكأنهم ضحايا فى عين القارئ المُضَلَّل! من ذلك، مثلاً، تقرير عن أوضاع السجون فى مصر نشره قبل أيام واحدٌ منهم فى صحيفته ذائعة الصيت التى روّجت لنفسها عبر تاريخها العتيد على أنها من أكبر الصحف فى العالم وفى تاريخ الصحافة تدقيقاً فى صحة الأخبار قبل نشرها، وينتقد المراسل أوضاع السجون ويصفها بأنها غير آدمية، ويتأسى على أن أوضاع المساجين الفقراء أكثر تعاسة إلى حدّ أنهم يُضطرون للعمل خدماً لدى المساجين المتيسرين! وكان هذا فى سياق هجومه على الأوضاع التى يعانى منها الإخوان فى السجون! لا خلاف على صحة المعلومات، إلا أن المراسل يَدسّ السم فى إيحاءات بأن المسئولية تقع على عاتق الحكم بعد الإطاحة بالإخوان، وكأن أوضاع السجون كانت غير ذلك أثناء حكم الإخوان، وكأنها كانت على أفضل ما يكون، وكأن الدولة تعمدت تخريبها لتكدير الإخوان وتعذيبهم بعد أن صاروا نزلاء هذه السجون! وكأنه ليس هناك مطالب وطنية قديمة منذ عقود ودراسات ميدانية تتحدث عن هذه المشاكل بتفاصيلها، فلما وصل الإخوان إلى الحكم لم يُبدوا أى اهتمام أو جدية لإصلاحها! بل المُرجَّح أنهم وجدوا أنه من الأفضل أن تكون على الحال المزرية انتقاماً من خصومهم السياسيين المودعين فيها! وهناك أيضاً خطأ السكوت العمدى من هؤلاء المراسلين عن الإفصاح عن بعض الجوانب المهمة فى القصة الخبرية، بهدف الوصول إلى حالة التعاطف المخطط لها. مثل عدم ذكر أن أعضاء الإخوان فى السجون هم رهن قرارات من النائب العام أو أنهم محكوم عليهم فى قضايا بعد أن أتيحت لهم فرص الدفاع القانونية! وقد أصبح من الروتين اليومى فى بعض هذه الصحف التكرار الممل أن مرسى الذى أطاح به الشعب هو أول رئيس مُنتَخَب. وهو كلام صحيح وفق النتائج الرسمية المعلنة. ولكن المراسل يُخفى حقائق تدين هذا الرئيس إدانة دامغة، مثل انتهاكه للدستور، يوم 22 نوفمبر بعد أشهر من انتخابه، وعدوانه الجسيم على السلطة القضائية بعزله للنائب العام، ضد كل قانون، وضد كل تقليد يتمسك به المراسل وصحيفته فى بلادهم، بما كان يُوجِب عزله ومحاكمته. ومثل تورطه فى الأمر بأعمال عنف مادية ضد المتظاهرين السلميين، وصل بعضها إلى حد القتل! وأما أهم ما يجرى التغافل عنه فهو أن هناك عشرات الملايين خرجوا يطالبونه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مثلما يجرى فى بلاد هؤلاء المراسلين، إلا أنه رفض وتعنت فى الرفض، وكان موقفه هذا هو المبرر، الذى لا يذكره المراسل، فى الإطاحة به! ما ينشرونه هو أن الإطاحة بحكم الإخوان عدوان على الديمقراطية، مع كتمان حقيقة ساطعة لا ينكرها إلا كاذب ومدلس وهى أن عشرات الملايين، الذين خرجوا إلى ميادين مصر وباتوا فيها يطالبون بعزل مرسى حتى تدخلت القوات المسلحة، كان أكبر تعبير عن إرادة الناخبين، وهو الذى أضفى الشرعية على تدخل القوات المسلحة! ويسكتون، وهم ينتقدون غياب الديمقراطية، عن أى إشارة إلى أن حُكم الإخوان لم يكن يعرف أبسط قواعد الديمقراطية، بل إن مرسى أبرم اتفاقاً مع كثير من القوى السياسية والعديد من رموز العمل العام ليحصل على تأييدهم فى جولة الانتخابات الرئاسية الثانية، إلا أنه تنصل من كل وعوده، بل سار على طريق عكسى، ضارباً عرض الحائط بالاستحقاقات السياسية لمن أيدوه! فهل المطلوب ممن انطلت عليهم الخديعة الإخوانية أن يتهاونوا فى حقوقهم السياسية حتى يرضى عنهم هؤلاء المراسلون وصحفهم؟ لا ينشر هؤلاء المراسلون التفاصيل التى صارت فى باب العلم العام والتى ترصد تفريط الرئيس الإخوانى فى مسئولياته الرئاسية بالسماح لمرشده وبعض معاونيه بأن يتخذوا قرارات رئاسية، بعضها لم يعرف هو عنه إلا من التليفزيون! وكان هذا أيضاً كافياً لعزله ومحاكمته. قد يكون مفهوماً، مع كل الاستنكار، أن تتخذ هذه الصحف ومراسلوها مثل هذه المواقف العدوانية ضد اختيار الشعب المصرى، وذلك فى إطار الأوضاع المستجدة التى اشترت فيها دول غير صديقة حصصاً من أسهم بعض هذه الصحف، وفى إطار السعار الذى استبد باللوبى الإخوانى العالمى شديد الثراء الذى ينفق ببذخ بوهم إمكانية العودة إلى الفرصة التى بددوها بأنفسهم، وفى إطار المصالح الكونية للدول العظمى التى لا تبتعد هذه الصحف كثيراً عن أفلاكها ما دام أنها أمور لا تتقاطع مع الشئون الداخلية فى بلادهم..إلخ، لكن غير المفهوم هو التهاون من مصر إزاء هذا العدوان المعتمد على التلفيق والذى يخرق قواعد مهنية ونصوصاً قانونية، والذى من الممكن مواجهته وإحراجه. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب