يواصل الاتحاد الأوروبي مطالبة روسيا، بدور سياسي في سوريا، مع الابتعاد عن دعم نظام بشار الأسد، محذرا من إطالة أمد الحرب فب سوريا. ومع ذلك لا أحد يعرف إلى الأن ما هي طبيعة الدور الذي يطلب الاتحاد الأوروبي من روسيا أداءه في سوريا. الاتحاد الأوروبي ينطلق من أن "أفعال روسيا في سوريا لا يمكن اعتبارها إيجابية أو سلبية بشكل واضح". هذا ما صدر على لسان مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، قبل بدء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج، اليوم، دعا الاتحاد الأوروبي. غير أن المدهش أنها أعقبت ذلك بأن "تدخل روسيا يغير الوضع ويحمل عناصر تثير القلق، خاصة خرق حدود تركيا". ما يعني أن هناك ما يمكن أن يتحدث عنه الاتحاد الأوروبي بشكل واضح ومباشر من دون تهويمات سياسية تستهدف وسائل الإعلام. موجيريني دعت إلى تنسيق خطوات بروكسلوواشنطنوموسكو في سوريا، وإلى أن يكون دور روسيا السياسي بسوريا أكبر. وفي الوقت نفسه حذرت من تفاقم الوضع هناك سياسيا وعسكريا. فماذا تعني موجيريني بالدور السياسي الأكبر لروسيا، وما ما هي طبيعته، ووفق أي شروط، وعلى أي أساس؟ لا أحد يقترب من هذه التساؤلات، لأنهم ببساطة يطلقون تصريحات مطاطة لا تكرس لتسوية الأزمة السورية بقدر ما تساهم في تفاقم الحملات الإعلامية وتوسيع دائرة الاتهامات المتبادلة. ربما لإبقاء روسيا أطول مدة ممكنة في سوريا. مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، تكرر نفس التصريحات حول "أن خطوات الأطراف المعنية يجب أن تكون موجهة ضد داعش وغيره من التنظيمات التي تعتبرها الأممالمتحدة إرهابية". غير أن الجديد ينعكس في بيان الاتحاد الأوروبي، حيث قال مجلس الاتحاد إن بشار الأسد "يجب أن يرحل عاجلا أو آجلا"، ودعا روسيا إلى التوقف فورا عن استهداف "المعارضة المعتدلة" في سوريا. البيان الذي صدر عن مجلس الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج، شدد على أن "الغارات الروسية الأخيرة التي تمضي أبعد من استهداف داعش والجماعات الأخرى التي تعتبرها الأممالمتحدة إرهابية، بما في ذلك الغارات التي تستهدف المعارضة المعتدلة، تثير قلقنا العميق، ويجب أن تتوقف فورا". واعتبر وزراء خارجية الاتحاد أن التصعيد العسكري الأخير يؤدي إلى استمرار النزاع ويعيق العملية السياسية، كما يؤدي إلى تردي الوضع الإنساني وتنامي نزعات التطرف في سوريا. كما دعا إلى ضرورة أن تنفذ الغارات الروسية في إطار تنسيق وثيق مع عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. هذا البيان يعكس تطورا مهما لمواقف سابقة للاتحاد الأوروبي جاءت كالأتي: - لدى الولاياتالمتحدةوروسيا والاتحاد الأوروبي جميعا موقف مشترك يتمثل في القرارات المتخذة في إطار الأممالمتحدة. ويجب أن تكون الخطوات منسقة، وإلا فإن ذلك سيكون خطرا ليس فقط من وجهة النظر السياسية، بل ووجهة النظر العسكرية أيضا. - يجب أن تبذل بروكسل جهودها من أجل دعم عملية تشارك فيها جميع الجهات المعنية في تسوية الأزمة في سوريا. - يجب أن يشارك جميع أطراف الأزمة في المفاوضات. المواقف الثلاثة المذكورة أعلاه، عبارة عن تهويمات سياسية للأوروبيين، ولكنها في كل الأحوال شكلت قاعدة انطلاق لبيان لوكسمبورج، الخطير، والذي يمهد لمواقف أكثر حدة وخطورة ستظهر في الأيام المقبلة. فالاتحاد الأوروبي يسعى من جهة أخرى، نزولا عند رغبة بعض الدول مثل فرنسا، إلى دعوة روسيا لدعم ما يسميه ب " عملية انتقال السلطة في سوريا التي ستسمح بتنحي بشار الأسد وإقامة نظام جديد يضم المعارضة المعتدلة غير المتورطة في الإرهاب وكذلك عناصر النظام الحالي التي لم تشارك في الجرائم ضد المدنيين واسعمال السلاح الكيميائي". كل هذه التهويمات السياسية تعيدنا إلى مربع الصفر. وإذا أضفنا دعوة وزير خارجية بلجيكا ديديه ريندرس بضرورة تنسيق الضربات الجوية مع روسيا ضد تنظيم "داعش"، وكذلك التنسيق في عملية انتقال السلطة في سوريا، نكتشف أن الاتحاد الأوروبي لا يتحدث عن تسوية للأزمة السورية، بقدر ما يتحدث عن "متلازمات سياسية نظرية"، خاصة وأنه لا يزال يردد "مخاوفه بأن روسيا قد تقصف مواقع أخرى في سوريا لا تعود للتنظيم الإرهابي". أما الدنمارك فترى أن على روسيا أن تنضم إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم "داعش" الإرهابي. وحددت بندين يجب الحديث حولها مع موسكو: -لن نسمح بخرق المجال الجوي التركي الذي يمثل كذلك المجال الجوي للناتو. ومن غير المقبول أن تخرق مقاتلات روسية أو صواريخ مجنحة أجواء تركيا. - إذا أرادت روسيا أن تصبح جزءا من الجهود الرامية لمكافحة "داعش" فعليها أن تنسق خطواتها مع التحالف الدولي، وأن تصبح جزء من هذا التحالف. هذه هي مواقف الاتحاد الأوروبي التي تتأرجح بين الرغبة في بلورة موقف يختلف عن الموقف الأمريكي المتصلب، والتماهي في دور التابع باعتبارها أعضاء في حلف الناتو الذي تقوده الولاياتالمتحدة عمليا. هذه المواقف المتأرجحة تكلف أوروبا الكثير من الأموال والمخاطر الأمنية والعسكرية. على الجانب الآخر، يتمسك حلف الناتو بمواقف لا تقل تصلبا عن مواقف واشنطن. فقد أعلن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج أن روسيا قادرة على لعب دور بناء في مكافحة خطر "داعش" الإرهابي إلى جانب المجتمع الدولي، محذرا من أن دعم الأسد يؤدي إلى إطالة الحرب. هذا التصريح قيل في اجتماع للجمعية البرلمانية للناتو في مدينة ستافانجر النرويجية، الاثنين 12 أكتوبر الحالي، تزامنا مع بيان لوكسمبورج لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. الأمين العام للناتو أكد أن الحلف لا ينوي التدخل في سوريا، ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن ذلك لا يعني أن الحلف سيسمح لروسيا بأن تتصرف بحرية كاملة، وأن الناتو سيدرس انعكاسات الأزمة الحالية في العلاقات مع روسيا مع اقتراب قمة الحلف التي ستنعقد في وارسو. هذا إضافة إلى أن عددا من الدول الأعضاء والشريكة تلعب دورا محوريا في التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وأضاف أن التحالف يستفيد كثيرا من قدرات وخبرات قوات الناتو. هذا على الرغم من أن ستولتنبيرج نفسه هدد روسيا بأنه في حال اختراق طيرانها للأجواء التركية التي تشكل جزء من حلف الناتو، فسوف يقوم الحلف بتقديم مساعدات إلى تركيا لوقف الانتهاكات الروسية. تصريحات الناتو هذه تتوافق بدرجات كبيرة مع تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي أكد فيها على أن النصر على تنظيم "داعش" لا يمكن تحقيقه طالما بقي بشار الأسد في منصبه. كما شدد أيضا على أنه "طالما بقي الأسد في السلطة، فمن الصعب جدا دفع الشعب إلى التركيز على مكافحة داعش".