كان المشهد أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية كاشفا لما يجرى حول المقر البابوى، مصفحتان للشرطة وقفتا فى مواجهة البوابة الرئيسية للكاتدرائية، وجهت قاذف إطلاق الغاز المسيل للدموع باتجاه المبنى، أمامها مجموعة من المدنيين يقومون بقذف الكاتدرائية بالحجارة وزجاجات المولوتوف، بعضهم تسلق أسوار المبنى وبعضهم كان يحمل الخرطوش ويصوبه باتجاه الموجودين داخل المبنى، كان المبنى مغلقا وبداخله شباب المشيعين، وكانت قوات الأمن تقصفهم بالغاز، ومن مع القوات وفى حراستها كان يقذف الحجارة وزجاجات المولوتوف باتجاه المقر البابوى فى سابقة تاريخية سوف تسجل فى تاريخ البلاد. مقر كرسى من الكراسى الرئيسية للديانة المسيحية يحاصَر من قِبل قوات الأمن ويقذف بالمولوتوف والحجارة فى حراسة الأمن. ويكفى أن نقول إن معاينة النيابة أثبتت إطلاق قرابة المئتى قنبلة غاز على المقر الباباوى، وهى قنابل أطلقت من قبل قوات الداخلية، كما أن الاعتداءات أسفرت عن استشهاد ثلاثة شبان وإصابة نحو تسعين آخرين. وقع كل ذلك ولم يفتح البابا فاه، لم يتحدث، تلقى الاتصال التليفونى من الدكتور مرسى دون تعليق، والدكتور مرسى لم يتصل إلا بعد أن تلقى اتصالا من مفوضة العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى كاترين آشتون، التى أبدت انزعاجها الشديد مما يجرى. بادرت وزارة الداخلية بإصدار بيان حمّلت فيه المشيعين مسؤولية ما جرى ووجهت لهم الاتهام بالاعتداء على الشرطة. وهو بيان محشو بالأكاذيب كعادة بيانات الشرطة عامة وفى ما يتعلق بالاعتداءات الطائفية خاصة، حملوا أهالى الضحايا مسؤولية ما جرى، حملوهم مسؤولية الاعتداء على المقر الباباوى الذى وقع حسب روايتهم، كنوع من الرد من المواطنين الشرفاء على اعتداءات شباب الأقباط. وقد أثار بيان الداخلية غضب الكنيسة والأقباط، لكن الأمر بالنسبة إليهم كان متكررا، الشرطة ترتكب الجريمة وتكذب، ما الجديد؟ اعتداء على أهالى المشيعين وضربهم وقتل بعضهم! سبق وفعلت ذلك فى بورسعيد، قتلا وكذبا، سبق وقالت ذلك فى قضية الشهيد محمد الجندى، كذب وزير الداخلية وكذب معه وزير العدل، لا جديد من حيث جرائم الشرطة وأكاذيبها. الجديد فى الأمر هو ترويج رواية كاذبة من مؤسسة الرئاسة، أو بمعنى أدق محاولة الرئاسة ترويج رواية الداخلية الكاذبة، أو العودة إلى ترويج رواية الجماعة التى بعثت بها الداخلية. الجديد فى الأمر ليس ترويج رواية كاذبة، ولا ترويجها باللغة الإنجليزية من قبل مساعد الرئيس للعلاقات الخارجية، الطبيب عصام الحداد، بل الجديد هو البناء الطائفى للأحداث، ففى الوقت الذى اقتصرت فيه رواية الأمن على ما وقع أمام المقر الباباوى، فإن الحداد عاد إلى بداية المشكلة فى مدينة الخصوص ناسجا رواية من وحى الخيال محشوة بالأكاذيب وتقطر سُمًّا، قال فى روايته إن الأحداث بدأت بقيام مسيحيين برسم رمز مسيحى على سور مبنى تابع للأزهر، والحقيقة أن من قام بالرسم شابان مسلمان، ورسما صليبا معقوفا وهو ليس برمز مسيحى، وإنما هو رمز النازية. من هنا حمل الحداد الأقباط مسؤولية بداية الأحداث وهو كاذب تماما. حمل أيضا المشيعين مسؤولية ما سماه الاعتداءات التى سببت اشتباكات. أصدر الطبيب الحداد بيانه باللغة الإنجليزية، وهو ما يهم النظام ترويج رواية كاذبة للغرب، فكان الرد الحاسم من جانب البابا، توجيه الاتهام إلى النظام بالمسؤولية أو على الأقل التقاعس عن منع الاعتداء على الكاتدرائية، قراره بتأجيل العودة إلى القاهرة، إلغاء تلقى العزاء الذى كان مقررا له صباح اليوم، الخميس، والذهاب إلى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون للراحة والتأمل، وهو ما كان يفعله البابا شنودة الثالث عندما كان يحتدم الخلاف مع النظام. وبعد ذلك بساعات أصدر المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس بيانا تاريخيا حمل فيه رئيس الجمهورية المسؤولية كاملة، مؤكدا أن الأقباط لن يقفوا مكتوفى الأيدى أمام هذه الاعتداءات، وأنهم لن ينسوا شهداءهم. هنا تراجع مرسى سريعا وبعث بثلاثة من مساعديه لزيارة المقر الباباوى، وهناك عبروا عن تقديرهم للكنيسة وتنصلوا تماما من بيان الحداد، قالوا إنه أمر شخصى لا علاقة للرئاسة به، وهم هنا يكذبون أيضا، لأن الحداد أصدر بيانه من مكتبه كمساعد لرئيس الجمهورية، وخاطب الدبلوماسيين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية بصفته مساعدا لرئيس الجمهورية، هذا إضافة إلى أن ما جاء فى بيان الحداد هو نفس ما روّج له أعضاء الجماعة ورفاقها فى مجلس الشيوخ، وروجت له الداخلية من قبل، ترويج الأكاذيب سمة إخوانية مبررة أخلاقيا وتبرير أقوى، حينما يكون الكذب فى الملف الدينى / الطائفى.