«عن أحداث الخصوص والكاتدرائية» كان عنوان بيانين، أحدهما بالعربية، وأرسل إلى الصحف المصرية، والثانى بالإنجليزية وأرسل إلى السفارات ووزارات الخارجية الغربية، وبين الاثنين مساحة كبيرة من التلاعب والتدليس، ليس فقط بدس أكاذيب، بل وبتلوين السرد، وفقا للهجة التى يوجه إليها البيان. وتبادلت مؤسسة الرئاسة بيانات الرفض والشجب والإدانة، ثم الاتهامات مع مسؤولى الخارجية بالاتحاد الأوروبى والخارجية الأمريكية فوق جثث ضحايا ودماء عشرات المصابين بأيدى شرطة النظام فى الخصوص والكاتدرائية، فبينما جاء البيان الموجه إلى الإعلام المصرى والناطق بالعربية مقتضبا ومتمركزا حول نقطتين، الأولى قرار رئاسى بتفعيل المجلس الوطنى لمكافحة التمييز، والثانية الدعوة إلى حوار ومقترحات لدعم المجلس المفعل، على الجانب الآخر جاء البيان الرئاسى بالإنجليزية دون أى إشارة إلى المجلس المذكور، ولا الدعوة المملة لحوار الطرشان، بل أسهب وأطنب فى نقل بلاغات الداخلية وبياناتها الكاذبة باعتبارها الناطقة بالحقيقة. الملاحظ أن البيان الصادر من مكتب د.عصام الحداد، مساعد الرئيس للشؤون الخارجية أو وزير خارجية الطائفة الإخوانية فى الرئاسة، تبنى رواية داخليتهم التى زعمت أن أحداث الكاتدرائية بدأت حينما قام المشيعون بتحطيم وتخريب السيارات فى مسار الجنازة، وأن (السكان) ردوا عليهم بالمفرقعات النارية، ونقل كل مزاعم الداخلية عن استخدام أبراج الكنائس فى إطلاق النار والخرطوش، وهو ما برر إطلاق الشرطة الغاز داخل الكاتدرائية.
وفى سرد البيان للأحداث لم يشر مطلقا إلى غياب دور الأمن فى السيطرة على أحداث الخصوص، ولا تجاهل مؤسسة الرئاسة التى لم تفعل سوى إصدار بيان من فقرتين مساء الجمعة. البيان كان ردا مطلوبا من الخارجية الأمريكية لتقدمة لحكومتها، كى تواصل دعمها للطائفة الإخوانية الحاكمة فى مصر، التى تؤمن ربيبتها إسرائيل، وبالفعل لم يخيب الحداد ظن الأمريكان وطبخ بيانا ربما يجعل الكونجرس يصوت لبيع محرقة أمريكية بدلا من قنابل الغاز لحرق المسيحيين المصريين.
وواصل البيان بنفس الأريحية تجاهل غياب الدور الأمنى، ومثلما سيطر الأمن على الخصوص بعد سقوط الضحايا أيضا ترك المشيعين يحطمون ويخربون، وترك الأهالى والسكان الذين للغرابة يحتفظون فى بيوتهم بمفرقعات نارية وحجارة ألقوها على المشيعين، فردد الحداد نفس مزاعم الداخلية أن المشيعين حطموا السيارات فى مسار الجنازة بشارع رمسيس، فرد عليهم الجيران بالحجارة والمفرقعات، ثم تطور الموقف إلى إطلاق نار وخرطوش (أين الأمن؟ ولا سيرة).
ثم يقدم الحداد مزيدا من البهارات، مشيرا إلى أن عدسات الكاميرات رصدت أشخاصا يحملون أسلحة و«مولوتوف» فوق أسطح الكاتدرائية وداخلها وخارجها، وهو ما دعا الشرطة إلى التدخل بقنابل الغاز (ولم يشر إلى العدسات التى رصدت حرق الإنجيل أمام ضباط وجنود الأمن المركزى أمام الكاتدرائية)، ولم ينس الحداد مجاملة المسيحيين بعبارة أن المشيعين نبذوا الأفراد الذين شوهدوا يطلقون النار من أسلحة نارية من جانبهم.
ومرة أخرى كثفت الشرطة وجودها (بعد خراب الكاتدرائية على أيديها وتحت بصرها)، لمنع تكرار وقوع اشتباكات، كما أمر النائب (الخاص) بإجراء تحقيق سريع وشامل فى الحادثة وإحالة جثة الضحية إلى الطب الشرعى لتشريحها وتحديد سبب الوفاة، (لم يشر إلى أن عدد الضحايا ارتفع).
انتهى سرد وشرح الرواية الأمنية التى تبنتها الرئاسة دون حرج، ثم بدأ سرد الرواية الرئاسية عن الدور الذى لعبته مؤسسة الرئاسة ورئيسها، وهو المطلوب الأساسى، فتحدث الحداد عن أسف الرئاسة وقلقها البالغ وأوامرها لكل الجهات ببذل قصارى الجهد لاحتواء الموقف، (فماذا فعل الرئيس؟).
أوضح البيان أن د.مرسى دعا إلى إجراء تحقيق فورى لتقديم الذين يثبت تورطهم للعدالة، وأنه سيتم نشر نتائج التحقيقات للرأى العام فى أقرب وقت، تحقيقا للشفافية، (وهو ما لم يحدث أبدا فى كل المجازر التى وقعت منذ قدومه إلى الحكم فهل يحدث الآن؟)، وحشر الحداد جملة أنيقة تعجب النظم الديمقراطية عندما حثت الرئاسة جميع المواطنين على تجنب المناقشات والمجادلات الطائفية التى تفرق الأمة، كما وضع اتصال مرسى بالبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، فى برواز يقول «إنه يعتبر الهجوم على الكاتدرائية هجوما عليه شخصيا».
ومرة أخرى تستميت الرئاسة فى التمسك بجهازها القمعى والدفاع عن ممارساته اللا إنسانية بحق معارضى النظام، فيزعم الحداد أن وزارة الداخلية التزمت بتعليمات الرئيس بضبط النفس فى التعامل مع أعمال العنف، وتحقيق التوازن بين حق المواطنين فى التعبير السلمى عن الرأى وحق جميع المواطنين فى الأمن والسلامة، ويشير إلى إعداد قوانين التظاهر وقمع الحريات، باعتبارها إجراءات تشريعية وأمنية لمعالجة جوانب المشكلة التى وصفها بظواهر غربيبة على الشعب المصرى.
ومؤكدا بعد كل هذه التناقضات والتلاعبات والتدليس فى عرض الحقائق فإن «الرئاسة» تؤكد رفضها الكامل للعنف بجميع أشكاله، وتحت أى ذريعة، وتؤكد أن جميع المصريين مواطنون يجب أن يتمتعوا بجميع الحقوق ومتساوون أمام القانون، والرئاسة تؤكد أيضا أنها لن تسمح لأى محاولات بتقسيم الأمة، أو تحرض على الفتنة، أو الوقيعة بين المصريين تحت أى مزاعم، وأنها تبذل كل ما تستطيع لتحقيق سيادة القانون ومحاسبة الجناة.