صرح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أمام البرلمان الفرنسي، بأن الأراضي السورية أصبحت ملاذا آمنا لتنظيم "داعش". وقال فالس إن الطيران الفرنسي يحلق فوق سوريا منذ بداية سبتمبر الحالي لجمع المعلومات، مؤكدا أن هذه الحملة ستتواصل إلى حين تحديد مواقع تمركز العناصر المسلحة ل "داعش"، مشددا على أن باريس وحدها ستحدد الأهداف التي ستقصفها المقاتلات الفرنسية. رئيس الوزراء الفرنسي لفت إلى أن التدخل الفرنسي للحد من تقدم "داعش" لا يهدف إلى دعم القوات السورية، مشيرا إلى أن بلاده لن تغير استراتيجيتها في محاربة الارهاب. ودعا في الوقت نفسه إبى ضرورة تكثيف الجهود مع دول المنطقة لمحاربة التنظيم "المتشدد"، على حد وصفه. من الواضح أن فرنسا استغلت أزمة اللاجئين السوريين لخداع الرأي العام العالمي، إذ صرحت بأنه في حال استقبال كل اللاجئين الفارين من الحرب في سورياوالعراق فسيكون هذا انتصارا لتنظيم داعش الذي يسيطر على مناطق شاسعة في البلدين. وتحت مزاعم "التنوع الطائفي"، أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على هامش "المؤتمر الدولي لضحايا أعمال العنف العرقي والطائفي في الشرق الأوسط" أن "هدف المؤتمر هو أن يبقى الشرق الأوسط كما هو منطقة تنوع يوجد فيها مسيحيون وإيزيديون. غير أن الوزير الفرنسي ألقى بأحد أهم وأخطر أهداف الحملة الأمريكية في سورياوالعراق، والتي تشارك فيها فرنسا بقوة، أن عددا من الدول سيعلن عن تعهدات مالية في الأشهر المقبلة لمشاريع تتراوح بين إعادة بناء البنية الأساسية وإعادة الخدمات الأساسية أو تدريب الشرطة المحلية في "المناطق المحررة" من سيطرة التنظيم. هذا التصريح الخطير حول ما وصفه فابيوس ب "المناطق المحررة"، يعد أول تصريح غربي واضح ومباشر بالتوجه إلى تقسيم سوريا، وهو ما سيسبقه، وفق المراقبين، إقامة مناطق عازلة لحماية "الأقليات"، وهي الكلمة – الذريعة التي ألقى بها الوزير الفرنسي أيضا لإقناع الرأي العام الأوروبي والعالمي بأن الخطوات العسكرية التي تتخذها الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وبقية الدول المتحالفة معهم في سوريا "صائبة". وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، تحدث عن "المناطق المحررة من سيطرة التنظيم"، دون أن يحدد بالضبط، من الذي حررها أو سيحررها، ومن الذي سيقيم فيها، وكيفية حمايتها، وما هي بالضبط علاقتها بمركز الحكم في دمشق وفقا للقانون الدولي. ومن الواضح أن فابيوس لا يرى غضاضة في وجود تنظيمات إرهابية أخرى "طيبة وصالحة" في تلك "المناطق المحررة"، ومن ثم لا مانع من تقديم المساعدات الإنسانية إليها، باعتبارها تمثل "الأقليات" التي يقصدها. وهو ما يؤكد مرة أخرى ليس فقط اعتماد الغرب على المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب، بل وأيضا دق الأسفين العرقي والطائفي في المنطقة من أجل تسهيل المهام العسكرية المقبلة في سوريا. كل ذلك تحت غطاء تقديم "المساعدات الإنسانية" لسكان تلك "المناطق المحررة" غير الموجودين أصلا، أو الذين يقصفون من المقاتلات الأمريكية والتركية والفرنسية والبريطانية، أو الذين يذبحون على يد التنظيم الإرهابي الذي يتمدد كلما أعلنت واشنطن عن زيادة ضرباتها، ويحصل على الأسلحة والأموال، ويصدر النفط تحت أعين استخبارات وقوات دول التحالف الأمريكي. وإمعانا في خداع الرأي العام العالمي، والأوروبي بالدرجة الأولى، لم تجد الولاياتالمتحدة غضاضة من تسويق فكرة "المخاطر التي تمثلها المساعدات الإنسانية الروسية لسوريا والتشكيك فيها وفي أهدافها". وبالتالي بدأت بوضع العراقيل أمام نقل المساعدات الروسية لسوريا، بالضغط على عدد من الدول لإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات التي تحمل تلك المساعدات تحت مزاعم وجود "شكوك قوية حول طابع الشحنات" على متن تلك الطائرات. ولكن سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أكد أن موسكو ستواصل إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، معتمدة في ذلك على مسارات بديلة. وأعرب ريابكوف عن أسفه، مشيرا إلى أن ضغوط واشنطن وضغوط أخرى، يبدو أن مصدرها بروكسل حيث يقع مقر الناتو والاتحاد الأوروبي، أدت إلى أن بعض الدول بدأت تتهرب من الوفاء بما أسميه التزامها الدولي المتمثل في فتح ممرات إنسانية لمرور طائرات معنية بتنفيذ مهمات إنسانية. ومن جانبه قال النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف إن روسيا تستطيع استخدام مجالات جوية جديدة، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، في حال إغلاق اليونان مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية. مراقبون يتحدثون عن مسار آخر يمر عبر ايرانوالعراق إلى سوريا. لكن كثافة التحليق الجوي الامريكي فوق العراق وشرق سوريا مرتفعة. كما أن هناك طريق رومانيا، صربيا، الجبل الأسود ثم البحر المتوسط. غير أن المسار الثاني غير مضمون، نظرا لضغوط واشنطن والناتو على رومانيا. وبالتالي لا يبقى إلا مسار إيرانالعراق الذي سيمر بشكل أو بآخر عبر أذربيجان. وتساءل مراقبون حول إمكانية وقوع استفزازات من جانب طيران التحالف الأمريكي أو بذل ضغوط على أذربيجان من جانب واشنطن أو توجيه تهديدات إلى إيران. وفي الوقت نفسه حذروا من إمكانية وقوع هذه الاستفزازات، وما يمكن أن يتبعها من عواقب ومواجهات. الأمر الثاني والخطير يدور حول مساومات فرنسية لروسيا، مخيرة إياها بين سوريا وبين أوكرانيا. وبالتالي لم تكن تحليلات المراقبين طوال العامين الماضيين بعيدة عن الواقع، بشأن تصرفات الغرب لصنع توازيات بين الأزمتين السورية والأوكرانية. فقد بادرت فرنسا صراحة بطرح معادلة، حاولت الدول الغربية إنكارها منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية الداخلية، بتخيير روسيا بين سورياوأوكرانيا. واتضحت أبعاد "اللعبة الجيوسياسية" الأمريكية – الأطلسية حول روسيا والإمعان في حصارها بالعقوبات تارة، وبتجييش الدول المحيطة بها تارة أخرى، وبالحملات الإعلامية تارة ثالثة، لتغطية أخطاء أوروبا وأمريكا بحق سكان المنطقة، ومن أجل تشكيك الدول العرية في نوايا روسيا. وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس توجه إلى روسيا بتصريح حول أن الخلافات بين باريس وموسكو بشأن الأزمة الأوكرانية يجب ألا تعيق تعاون الجانبين في تسوية القضايا الأخرى، بما في ذلك الأزمة السورية. ما اعتبره المراقبون مساومة باللغة الدبلوماسية – السياسية. فابيوس قال، في مقابلة مع إذاعة "RTL" الثلاثاء 8 سبتمبر الحالي، إنه يجب عدم الخلط بين المشاكل الموجودة وإلا فإنه سيكون حلها مستحيلا. وفي الوقت نفسه، أكد أنه يمكن إيجاد حل يشمل ممثلي المعارضة وعناصر من النظام الحالي وليس الرئيس السوري بشار الأسد نفسه، مشيرا إلى أن ذلك هو ما يبحثه الجانب الفرنسي مع أطراف المجتمع الدولي، بما في ذلك روسياوإيران. لا أحد يدري بالضبط عن ماذا تتحدث باريس مع كل من موسكو وطهران، وهل تفهم باريس ما تتحدث عنه موسكو وطهران، أم يدور حوار "طرشان" تصر فيه باريس على تصوراتها المتعلقة بطموحات غير محدودة، سواء في سورياوالعراق، أو في ليبيا التي تمثل لفرنسا "الدجاجة التي ستبيض ذهبا". ومن أجل ذلك تحديدا تتماهى باريس مع واشنطن في سيناريوهاتها القائمة في سوريا تحديدا. أما الخطوة "الماكرة" الأخري، فقد اتخذها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في 7 سبتمبر الحالي أيضا، حين أعلن أن باريس ستدعو إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا في حال استمرار التقدم في تسوية الأزمة الأوكرانية. وقال هولاند يجب تنفيذ اتفاقات مينسك قبل نهاية العام الحالي، مؤكدا ضرورة تنفيذها بالكامل، بما في ذلك إجراء انتخابات محلية ووضع قوانين تتعلق بالحكم الذاتي وإقامة نظام لامركزي في شرق أوكرانيا. كما أكد أنه سيتخذ إجراءات لرفع العقوبات في حال انتهاء هذه العملية. وعلى الرغم من هولاند يعرف جيدا أن حلفاءه، وحلفاء حلفائه، في كييف لا ينفذون قرارات مينسك كما تم الاتفاق عليها بين قادة "مجموعة نورماندي" الأربعة، إلا أنه يواصل خداع الرأي العام، سواء في بلاده، أو في أوروبا بالكامل. فكييف لا تتحدث إطلاقا عن منح منطقة دونباس بشرق البلاد وضعا خاصا كما جاء في اتفاقيات مينسك. بل أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أنه لن يمنح جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك، المعلنتين من طرف واحد شرق أوكرانيا، وضعا خاصا، وطرح قانونا حول "لا مركزية أوكرانيا" أمام البرلمان الذي وافق عليه في القراءة الأولي، ما أثار بدوره موجة احتجاجات واشتباكات وتفجيرات قامت بها المعارضة المتطرفة وحلفاء الأمس الذين أشعلوا الميدان في كييف. على الصعيد الروسي، تصر موسكو على تنفيذ اتفاقيات مينسك كما جاءت، وليس كما يفسرها الأمريكيون والأوروبيون ويضغطون على كييف لتنفيذ تصوراتهم هم، وليس ما جاء في الوثائق الرسمية. وأكد بيسكوف أن الاستقرار قد تحقق في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا إلى حد ما بعد وقف القصف هناك منذ الأول من سبتمبر الجاري، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن غيره من بنود اتفاقات مينسك لا تنفذ. وأوضح أنه ما زالت هناك مماطلات في النقاط الجوهرية للاتفاقات، خاصة الجوانب الاقتصادية والقانونية مثل الانتخابات المحلية والعفو العام. وهناك لا يمكن أن نتجاهل ضرورة العودة لوضع أوكرانيا السابق الذي يلزم كييف والعواصم الغربية ب "حيادية أوكرانيا" وعدم انضمامها لأي أحلاف عسكرية وفقا للمعاهدات الدولية التي وقعتها روسيا مع الدول الغربية. إن باريس تنتهز الأوضاع المتفاقمة، وتصاعد أزمة اللاجئين السوريين، لتعلن البدء في قصف سوريا وتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية وما يسمى بالمعارضة "المعتدلة المسلحة" من جهة، ومساومة روسيا من جهة أخرى، حتى بعد أن أعلنت موسكو أمام الرأي العام العالمي أنها ملتزمة باتفاقيات مع سوريا في مجالات عدة، من بينها العسكري – التقني، وأنها لن تتراجع عن موقفها بشأن ضرورة مكافحة الإرهاب الدولي مع استبعاد المعايير المزدوجة.