حوار- عبدالفتاح دياب / تصوير- عمرو دياب: علي بدرخان: نتجاهل الأدب العربي لأننا نريد عمل فيلم ب«تلاتة تعريفة» علي بدرخان: توجد سياسة في الفن كما توجد في الدين علي بدرخان: الملك فاروق كان ملاكًا رحيمًا وأبناء الثورة شوهوا صورته علي بدرخان: فيلم "الجزيرة 2 " تحول إلى فيلم تجاري بعد استغلال نجاح الجزء الأول بدلًا من أن يلتحق بالأكاديمية البحرية ليبحر عبر شطئان العالم، أجبره والده المخرج «أحمد بدرخان» على دخوله معهد السينما ليبحر في مجال الإخراج، ودون ذلك لما وجدنا في تاريخ السينما أفلام «الكرنك» و«شفيقة ومتولي» و«الجوع» و«الراعي والنساء» وغيرها من روائع السينما المصرية. التقت «التحرير» بالمخرج الكبير علي بدرخان، لتسأله عن آخر أعماله الفنية في عالم الإخراج، وعن فيلمه الجديد الذي يعود به إلى السينما بعد غياب ثلاثة عشرة عامًا، وتعرف منه كيف تستطيع القوى الناعمة ومنها السينما أن تواجه حروب الجيل الرابع ، وطبيعة مشاركته في حرب 73، وسر تميز زوجته الفنانة سعاد حسني، عن غيرها من الفنانات، وهل بالفعل جندتها المخابرات المصرية. ■ بماذا كان يختلف النجم الكبير الراحل نور الشريف عن غيره من الفنانين؟ - تميز الفنان الراحل نور الشريف، بأنه ممثلًا سينمائيًا وتلفزيونيًا بارعًا، بمعنى أنه يجيد النوعين إجادة تامة، فكان يمسك بأدواته جيدًا، وكان مهتمًا جدًا بالتقنيات الحديثة، وكنت دفعته في معهد السينما، وعملت معه فيلمين من أهم أفلامه هما «الكرنك» و«أهل القمة». ■ في رأيك ما هي أصعب أفلام نور الشريف التي قدمها؟ - نور الشريف «رحمه الله» قام بعدد من الأدوار المركبة، التي تصعب على غيره من الفنانين، يأتي على رأس هذه الأعمال فيلمه «قطة على نار» أمام فريد شوقي، وبوسي. ومن أبرز أعماله، ثلاثية نجيب محفوظ للمخرج حسن الإمام، ومنها فيلم "بين القصرين"، وشخصية "كمال عبد الجواد" التي لعبها بشكل متميز، وارتبطت في أذهان الجمهور المصري والعربي، وفي نفس الوقت لعب نور الشريف أدوارًا خفيفة، تمتاز بالبهجة والمرح وخفة الظل، مثل فيلمه "غريب في بيتي"، أمام الراحلة سعاد حسني. ولم يكتفِ بالتمثيل فقط بل أخرج وأنتج وأشرف على السيناريو، حيث أنه كان يرغب في الإلمام بكل أدوات الصناعة، وهذا ما أثقل خبرته جدًا. ■ حدثنا عن فيلمك الجديد «للكبار فقط»؟ - الفيلم يُناقش فكرة مرض اشتهاء الصغار المعروف باسم "بيدوفيليا"، , وأقوم الآن بالتحضير له، ومعالجة قصته حتى تقدم بشكل مناسب على شاشات السينما، لأن ليس كل الروايات صالحة لتحويلها لعمل درامي أو فيلم سينمائي. ■ هل بدأت التصوير أو ترشيح الأبطال؟ - تم ترشيح الكبير محمود حميدة للفيلم، والفيلم في مرحلة الإعداد وأنا أقوم بمعالجة الرواية حتى تصبح مناسبة لعرضها من خلال قصة وسيناريو وحوار يستحق المشاهدة وبعد ذلك سنختار باقي الأبطال. ■ هناك أنباء تواردت بشأن ترشيحكم لغادة عبد الرازق للقيام بدور البطولة.. هل هذا صحيح؟ - ليس صحيح؛ لأن ببساطة بطلة الدور ستكون طفلة، وبالتالي لن تكون غادة عبد الرازق. ■ هل توافقني الرأي في أن اسم الفيلم ذا إيحاء جنسي؟ ليس لدى «تابوهات» الرقابة، رقيبي ضميري، الاسم مناسب جدًا للفيلم، لأن البطل لديه مرض نفسي يسمي "بيدوفيليا" وهو مرض اشتهاء البطل للطفلات الصغيرات، الذي يمر بقصة حب وهو طفل بطفلة، وثبت في ذهنه هذا حتى عندما كبر، فالاسم مناسب للفكرة. ■ الفيلم مأخوذ عن رواية "لوليتا" للكاتب "فلاديمبر نوباكوف"، ألم تجد في الأدب العربي ما يثير حماستك لإخراجه؟ - بالعكس يوجد الكثير، لدينا كنوز لا نعرف قيمتها، مثل "ألف ليلة وليلة" والسير الشعبية، يقتبسه الأجانب بينما نتجاهله نحن لأننا نريد عمل فيلم بسيط ب"تلاتة تعريفة"، ونترك التراث لغيرنا ■ اشتركت في حرب 73.. حدثنا عن تلك التجربة؟ - أنا ممتاز في الرماية فدربت الشباب في معهد التربية الرياضية على الرماية بالطلقات الحيّة، بعد ذلك في حرب 1973طلبت من المسئولين أن أتطوع في الحرب ولو كمصور، فوافقوا بعد أن حدثت الثغرة، وحاولت أصور وقتها، «كنت أجد الجندي المحارب خارج خندقه وعلى رقبته الفوطة وطالع يكتب جواب لأمه ويقولها أزيك وسلميلي على خالتي، والبقرة ولدت ولا لاء».. كان لديهم روح لا تهاب الموت، وكنت أريد أن أصور ولكن لا توجد اشتباكات فأخبرني القائد أنه ممكن يبادر العدو بقذيفة ليردون عليها وتستطيع التصوير، كنّا على تبّة عالية وهم بمسافة صغيرة يبتعدون عنّا على تبّة أخرى. ومن الأشياء العجيبة عندما تخطينا خط برليف ووصلنا لقنطرة شرق، فصمم قائد المنطقة آنذاك في تقديم الغداء لنا، ألقى مفجر في الماء، ثم طفا السمك وأحضروه لنا وتناولنا الغداء، أردنا أن نسافر فصمم أن نتناول بعض الفاكهة فأرسل جندي لجلب بعض الفاكهة، لم يغب الجندي طويلًا، وجدناه حاملًا صندوق كبير عليه كلمات عبريّة فسألناه عن ذلك فقال: «أنا روحت للثغرة كان فيها شجر برتقال هناك، لما الجنود الإسرائيليين وهما بيقطفوا برتقال شافوني فجريوا». ■ ما رأيك في الأفلام التي عرضت عن حرب أكتوبر مثل "الرصاصة لا تزال في جيبي"؟ - للأسف أفلام الحرب وأفلام الجاسوية "روتيينة" جدًا، وهناك لدينا خطأ شائع في هذه الأفلام، وهو أن أظهر الجانب المصري زكي جدًا، والطرف الثاني العدو أغبياء، فهذا يفسد الصراع، لكن أن تظهر جانبك أنه ضعيف وخصمك قوي جدًا، فعندما تنتصر عليه تظهر المفارقة والإبداع. ■ لماذا لم تقم بعمل فيلم عن حرب أكتوبر من إبداعك؟ - أنا كان نفسي أعمل هذا الفيلم، وكانت دفعتي قضت خمس سنوات في الخدمة العسكرية وقت الحرب، واتفقنا أن نجلس معًا؛ ليعرض كل واحد قصته، لكن للأسف كل واحد انشغل بسبب مسئولياته وعمله. ■ وهل منهم مسلسل «الهجان»؟ - بالطبع، انشغل الممثل محمود عبد العزيز، وخاف أن يكشف أمره، مع إن الأجدر أن يخاف أيضًا من كيفية التحدث مع الإسرائيليين الذين يعرفون «الكُفت». ■ هناك من يقول "لا سياسة في الدين" و"لا دين في السياسة" هل تنطبق هذه المقولة على الفن؟ - بالطبع يوجد ذلك، فالفن والثقافة جانب أساسي لأي نظام أيًا كان.. النظام الاشتراكي يحتاج لفن يدعمه، والنظام الرأسمالي يحتاج مساندته، لكن نحن نعتمد على "الميركوفونات والطبل" لأن المعنيين بالثقافة والفن يفتقدوا الجانب الثقافي والفني. ■ إلى أي حد يُسمح للأعمال الدرامية التاريخية بوجود مساحة للخيال؟ - الفن ليس مؤرخًا، لكن السينما عمومًا هي جزء من التأريخ، عندما تشاهد فيلمًا قديمًا تجد مصر القديمة وشوارعها الخالية الجميلة، هذا جزء من التاريخ، لكن أن أقول أن هذا حدث وهذا لم يحدث، من الذي يقول، من المؤرخ، وهذا المؤرخ ما كانت ظروفه والتأثير الضغوط الواقعة عليه، أنا أخذ من التاريخ موقفًا به مساحة من الدراما به شخصيات أستطيع أن أبني عليها بخيالي رؤيتي، قد تجد شخصية مختلف عليها اتنين، مثلًا البعض يجد أن "صلاح الدين الأيوبي" كان شخصية دموية وعنيفة، هذه وجهات نظر. ■ أيضًا حدث ذلك في مسلسل "الملك فاروق" كان وقت الثورة شيطانًا رجيمًا وفي المسلسل أصبح ملاكًا رحيمًا؟ - من وجهة نظري أنه كان ملاكًا رحيمًا بالفعل. ■ الحرب الآن حرب فكر أكثر من كونها حرب رصاص ونار، كيف تستخدم هذا السلاح خاصة فيما يُسمى بحروب الجيل الرابع؟ - أولًا الإعلام، لكن للأسف الإعلام الآن "مُسف" ويتسم بالفجاجة والسطحية ودُمر على يد "صفوت الشريف"، يشغل المشاهد بالمسلسلات والكرة وأي برامج تتحدث في "الهبل" ، كيف تترك مقدمي البرامج أن يقولوا آراءهم، أليس يجب أن يكون هناك موضوعية في الإعلام تجبرك على عرض الآراء المختلفة، ومعنى أن يتبنى الإعلامي رأيًا فهو "مُلقن"، تشعر بأن نصفهم يعمل مع الحكومة، والناس تلاحظ ذلك جيدًا، وأيضًا أن تبدأ في إصلاح التعليم الجامعي، لا يُعقل أبدًا أنك مازلت تُدرس لطلبة الإعلام الرجل الذي عضّ الكلب، وواجب اعتبار "فيسبوك" وغيره من وسائل الإعلام. أهتم بكليات الإعلام؛ لتخريج إعلاميين ذو كفاءة وثقل، ولا أنتج إعلاميين يظهرون على الشاشات "يتخانقوا" أو يقاطعون الضيف، هناك آداب الحديث، حتى الاكسسورات والملابس أصبحت علمًا وليست اجتهادات، وعيب أن إعلام سوريا ولبنان والخليج يصبح أكثر ميزة عنك، كان لدينا التلفزيون قبل أن يسمعون عنه. ■ لماذا يحن المشاهد لأفلام الأبيض والأسود إلى الآن؟ - لأنها صُنعت بحب شديد، القائمون على العمل يحلون أن يقدموا شيئًا جيدًا مهمًا وسينما متميزة، تخيّل أن في "استوديو الأهرام" كان المخرجون يجتمعون مع بعضهم البعض، ويقرأون السيناريو ويبدون ملاحظاتهم، تخيل هم يساعدون المخرج المنافس لأنهم يريدون نجاحه، لكن الآن أصبح السينمائيين "ياكلوا في بعض ومفيش حب"، في نفس الوقت يوجد أعمال جيدة مثل فيلم "الفيل الأزرق" والجزء الأول من فيلم "الجزيرة"، ومسلسل "الخواجة عبدالقادر" وغيره. ■ لماذا لا يوجد عملًا فنيًا حقيقيًا أو أغنية وطنية حقيقية؟ - لأن في السنوات الأخيرة غلبت الناحية المادية الناحية الفنية، والناحية الفنية تحتاج لأناس لديهم وعي أو توجد دولة تحاول احتضان الفنانين وتقدم للشعب أعمالًا جيدة، لكن أن تأتي لتحاسب المنتج الخاص الذي يسعى للمكسب وتطلب منه أن يصنع الثقافة، لا أستطيع توجيه اللوم عليهم، بل يجب محاسبة مسئولي الثقافة اللذين أهملوا الثقافة والفن، أصبح الأمر مثل "زواء" للنظام، لديهم الأوبرا ويحضرون بعض الفرق ومعارض وصور ومهرجانات ويظهر الوزير وهو يسلم على الناس في حفلة الافتتاح والاختتام فقط ثم يرحل. ■ وبالنسبة للجزء الثاني لفيلم الجزيرة بجزئيه؟ - أصبح الأمر هنا تجاريًا، استغلوا نجاح الجزء الأول وصنعوا جزءًا آخرًا. ■ ما الذي كانت تتميز به السندريلا عن غيرها من أهل الفن؟ - تنوع مهاراتها، فهي مثلت وغنّت ورقصت، وتستطيع تمثيل الكوميدي والتراجيدي، وتعرف كيف تختار أدوارها، الإخلاص لدورها، واهتمامها بشغلها، وكانت متواضعة جدًا، ولا تخجل في السؤال عن تفاصيل تجهلها. ■ هل بالفعل جندتها المخابرات المصرية لصالحها؟ - لا أعتقد ذلك وقرأت مثلك هذا الكلام، لكن لا أجده منطقيًا. ■ لماذا لا يزال فيم «الكرنك» حيًا إلى الآن؟ - لأن الموضوع مهم، وكاتب الموضوع "نجيب محفوظ" قامة عالية، لكن أين الاعتماد على الآدب حاليًا، لو الدولة جدية في هذا الأمر لماذا لا تشكل لجنة لتختار من بين النصوص الأدبية، ذلك سيزيد الحماس للأدباء وخلق جيل واعي، وتقديم خدمة ثقافية، حتى لا أكون "حرامي"، أسرق النصوص الأجنبية وأعملها فيلم، المشاهد تعرف على الأعمال الأدبية من السينما.