المجهودات الفردية والإنتاج الحالي لا يقوم علي أسس فنية صحيحة بل اقتصر علي محاكاة الأشرطة الأجنبية.. والفيلم المصري لن تقوم له قائمة إلا إذا عبر عن الروح المصرية الصحيحة التي تختلف اختلافاً عن الروح الأمريكية أو الأجنبية بوجه الإطلاق.. هي كلمات الأب والأستاذ والقدوة أحمد بدرخان المخرج العملاق، والتي كان قد سجلها في كتاب «السينما» في سبتمبر 1936 وجاء ابنه بعدها بعشرات السنوات ليسجلها هو الآخر علي لسان والده داخل كتابه «الإخراج السينمائي» في 2010 .. إنه علي بدرخان ذلك الرجل المتسق مع ذاته إلي حد بعيد يجعل البعض يندهش، المتميز بأسلوب سينمائي خاص ورؤية واضحة لا يحيد عنها مهما كانت الإغراءات .. يحافظ علي خصوصيته ليسجل صفحة في تاريخ السينما المصرية.. لن أنكر إعجابي بهذا الهتاف المليء بالحماس والإيمان والذي ينبع من أعماق الصدور لهؤلاء الطلبة المرددين لاسمه «بدرخان.. بدرخان» علي سلالم مسرح السلام .. مخرج مبدع لا يكتفي برؤية السيناريو أو أداء المملثين أو جمال الصورة بل يضع لمسته الخاصة ورؤيته العميقة ، يبحث في كل زاوية عن هموم المواطن المصري ليقدمها دون زيف أو استغلال أو تجارة.. هادئ ، متواضع عمله الأول في السينما شكل انطباعاً عنه وهو «الحب الذي كان» (عام 1973) والذي أدهش الجميع لما احتواه من مستوي فني وتقني كبير أدي إلي حصوله علي جائزة جمعية نقاد السينما المصريين كأفضل فيلم.. التقت الأهالي المخرج الكبير علي بدرخان، وكان هذا الحوار: أنت مناضل من الدرجة الأولي .. إلي أي مدي يحق للفنان التعبير عن موقفه السياسي؟ أتصور أن الفنان دائماً مهموم بالأفضل في الحياة ، يبحث عن الكمال ولا يصل له، يعيش داخل مجتمع يتفاعل معه وإذا كان مبدعاً عليه التعبير عن نبض الشارع للوصول به للأفضل، وأعماله هي مرآة وانعكاس للواقع. أما عن موقفه السياسي فيجب أن يتميز برؤية خاصة من دون أن يلزمه حزب أو جهة بشيء يعوق إبداعه ففكره يجب أن يكون حراً وليس عليه إكراهات. ما دور الفن من وجهة نظرك؟ الفن هو رسالة إنسانية ترتقي بالمشاعر وتسمو عن المسائل المادية إلي مسائل بها مشاعر وأحاسيس ، يأخذ بيد الناس ولكن الأهم هو الأسلوب في هذا كله. وكيف يختلف الأسلوب؟ الفنان لديه نظرة عميقة تحليلية للواقع ويجب أن يحفز الناس للنهوض وتحسين حياتهم، واختلاف الأسلوب يأتي من بعض من يمشي مع الموجة السائدة في العالم فإذا نادت بالاشتراكية مثلا أيدها وقدم أفلاماً عنها ولكنه في الحقيقة غير ذلك، فهو يتحدث هنا عن المشكلات دون رؤية واضحة له فيستغل مشاكل الناس ويبرر ذلك بالواقعية ومن الأساس لا يوجد ما يسمي الواقعية فهي مجرد «نقل» الفن الحقيقي أي أن يجعل المشاهد قبل مشاهدة الفيلم يختلف بعدما يشاهده. وما ضرر هذا الطرح علي المشاهد المصري؟ بالطبع يضره فلن يحدث إيجابية «زي ما دخل زي ما خرج» وتزداد حالة الهم والغم لديه ولن يغير شيئاً من أسلوب حياته هو يعلم هذا الواقع جيداً ويعيشه، ماذا أضاف له المخرج دون الفنان يختلف عن دور الإعلامي، فالفنان يحرك الفكر والمشاعر ويقدم رؤية جديدة علي المشاهد. تغييب المواطن هل غابت سينما المواطن المصري.. وما تقييمك لوضع السينما المصرية الآن؟ من الأساس هناك تغييب للمواطن المصري نفسه فاهتماماته منحصرة في كرة القدم و«ماكدونالدز» والإعلانات وأخبار النجوم، وأكثر الصحف المنتشرة هي صحف الحوادث والنميمة، وهذا كله بالطبع منعكس علي أوضاع السينما لأنها كما سبق مرآة الواقع، الواقع فوضوي. الأفلام الموجود مقلدة وخالية من أي اجتهاد. هذا باستثناء بعض التجارب القليلة التي تعاني حتي تظهر للنور باختصار شكلنا شكل أفلامنا وأغانينا ومسرحنا. هل المشكلة تكمن في بعد الدولة عن السينما والاهتمام بها؟ بالطبع الدولة «شالت ايدها».. من يقوم بهذا الدور إذن؟، الدولة تقوم بطبع كتب عالية التكاليف قدمت ثقافة لغير المصريين مثل الأوبرا، والمتاحف وابتعدت عن المواطن البسيط حتي قصور الثقافة أخر ما حدث «حرق الناس في بني سويف» نتيجة الإهمال. صرحت قائلاً: أنا مخرج مصري.. لا ارتزق من السينما.. هل السينما مهنة بعيدة عن التجارة؟ أولاً أنا لابد أن أرزق من السينما لأنها مهنتي ولكنها لا تتحول إلي استرزاق كما يطلقون عليها الآن «سبوبة أو نحتاية» هذا لا يليق لأنني احترم مهنتي وأشعر بالمسئولية تجاه تلاميذتي. الفن الجيد يؤكل عيشا ولكنه لا يؤكل «مارون جلاسيه». لماذا ابتعدت عن السينما خلال الفترة الماضية؟ لم أبتعد أنا أحب هذه المهنة وأجيدها ولكن ما كان يعرض علي من موضوعات كانت مشابهة للموجود حالياً تقليد لا يناسبني ، ولا يناسب طلابي في المعهد الذين يتخذونني قدوة وإذا رأوني أفعل ذلك سيقلدونني. خيبة الدرس الأول في معهد السينما لتلاميذك هو القراءة.. لماذا تحرص علي ذلك .. وهل مشروع مكتبة بدرخان يأتي من هذا المنطلق؟ الفنان يفكر بالعربي فكيف لا يقرأها؟ أطلب من تلاميذي قراءة حتي الصفحة الأول من الجريدة والاطلاع باستمرار علي الكتب لأن القراءة هي التي تأتي بالأفكار . المخرج تحديداً يحتاج إلي الاطلاع علي الحياة بشكل جيد ليعبر عنها وعن الواقع خاصة المخرج والسيناريست. وبالطبع كانت المكتبة ضمن هذه الفكرة فهي مركز ثقافي أساسه الحفاظ علي التراث السينمائي الخاص بالرواد والأبحاث السينمائية التي تساعد الطلبة الدارسين للسينما لأن أرشيفنا تم بيعه بسبب الخيبة الاستثمارية. عملت مع أحمد بدرخان، يوسف شاهين، فطين عبد الوهاب، شادي عبد السلام .. من أكثرهم تأثيرا في شخصيتك الفنية؟ أحمد بدرخان والذي عشت معه لحظات حياته بشكل قريب طبعاً أثر في تكويني بشكل كبير، كنت أراه يجتمع مع العاملين في السينما ويجلس في مناقشات مع علي الزرقاني وتوفيق صالح، والذي هو الآخر أثر في دون أن أعمل معه، وتأثرت أيضا بيوسف شاهين. لماذا يحرص علي بدرخان علي الاشتراك في كتابة سيناريوهات أفلامه؟ المخرجون أنواع أحدهم مخرج منفذ يجيد الحرفة وآخر مبدع له رؤية ولديه قدرة علي التعبير عن رؤية السيناريو وثالث له رؤية خاصة يضيفها إلي جانب السيناريو، والمخرج يقود فريق العمل لهذا يجب أن أقتنع بالفيلم بنسبة 100%. مصلحة السيناريست وما رأيك في كتاب السيناريو الذين يرفضون تدخل المخرج؟ هناك كتاب سيناريو لديهم نقص في فهم عمل المخرج ومن يقول أرفض تدخله لا يكتب سيناريو لأن تدخلي طبيعي، أنا أوصل رسائلي بشكل مختزل من خلال «الصورة» أولاً ثم الحوار ثانياً لهذا من مصلحة السيناريست أن أتفق معه لأني المعبر الأول. المخرج أسامة فوزي قال في أحد الحوارات إن الفيلم الجيد يستغرق الإعداد له وقتاً طويلاً.. ولا يؤمن بصناعة فيلم خلال شهور فما رأيك؟ كلام سليم 100% فمن أجل الخروج بشكل جيد للفيلم يحتاج للإعداد والسيناريو مثل« الجنين» يحتاج 9 شهور ليكتمل ثم الإعداد ووضعه في المعالجة والتعديل والتجهيز. الكرنك ثم تصنيفه كفيلم سياسي ضمن أفلام مثل العصفور، وزائر الفجر إلي أي مدي هذه التصنيفات صحيحة في رأيك؟ هي تصنيفات نقاد، وفي رأيي لا يوجد فيلم ليس به بعد سياسي بوعي أو دون وعي، السينما هي توثيق حي لفترات زمنية وأسلوب حياة. مين أجدع هل سيطر المد الديني علي عقول المصريين..وما دور المثقف في هذا؟ طبيعي جداً أن يحدث هذا في ظل حالة الاحباط السائدة في المجتمع فالسكة الفاعلة الوحيدة في المجتمع هي هذه التيارات لما تقوم به من خدمة اجتماعية، والمثقف عليه التحلي بالوعي وعدم الانزلاق، وأراهم جالسين في «جزر» ويتناحرون مع بعض «مين أجدع من مين؟». تقليد الخواجات علي بدرخان .. كيف يري جيل الشباب الآن؟ لا أفهم ما يحدث الشباب يمشي في الشارع يرتدي الجينز والبنلطون بطريقة غريبة وينكش شعره ، هو يريد تقليد «الخواجات» ولكنه يقلد أسوأهم ، وهو يعكس ما يحدث أصبحنا نقلد الأفلام الأجنبية ونترجم «الست كوم» فمسخنا حياتنا، حتي أسماء المحال مكتوبة بالإنجليزية ونفتخر بهذا في حين أنهم يجب أن يحاسبوا علي هذا بدلاً من مطاردة «الغلابة» في الشارع، وخريج الجامعة لا يعرف أن يكتب اسمه بالعربي لأنه خريج مدرسة أجنبية يعني «جاهل». للأسف نحن نكره البلد، 70% من الشباب المصري يريد الهجرة إذا الم يكن لأوروبا فلدولة عربية. من من المخرجين الشباب تتابع أعمالهم وتعجبك؟ أسامة فوزي وسامح عبد العزيز وأحمد نادر جلال وشريف عرفة وعمرو عرفة ومحمد ياسين. ما حكاية «موج البحر» الذي يعود به بدرخان للسينما؟ هو فيلم من إنتاج السبكي ومازال في طور الإعداد له وأري أن السبكي منتج يستثمر أمواله في السينما عكس من صنع أموالاً من السينما واستثمرها في مطاعم ومحال.