رئيس جامعة أسيوط يستعرض تقريراً حول الأداء البحثي خلال 2023    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى 2.73 مليار دولار خلال فبراير 2024    مصدر رفيع المستوى: رئيس المخابرات العامة يجري اتصالا مع رئيس المكتب السياسي لحماس    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    بيراميدز يفقد الشيبي في مواجهة فيوتشر    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    "تعليم القاهرة" تكشف التعليمات الخاصة بامتحان الشهادة الإعدادية    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    صدام جديد مع المخرج محمد رسولوف.. "بذرة التين المقدس" يثير غضب إيران    احتفالات شم النسيم 2024: نصائح لقضاء يوم ممتع ومليء بالفرح    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد أبوزيد أول رائد عربي لعلم الإنسان في حديث لا تنقصه الصراحة:
بصمات لعبدالناصر.. لكنه تطاول علي الكبار السادات حرر الأرض.. وفتح الباب للحرامية مبارك صادق في نواياه.. وإنجازاته كثيرة
نشر في آخر ساعة يوم 04 - 05 - 2010

العالم الجليل الدكتور أحمد أبوزيد الذي أطفأ 88 شمعة من عمره أول أمس، هو أول علماء الانثربولوجيا العرب، وأعلاهم مقاما، وأقواهم تأثيرا، وأكثرهم تواضعا، فقد قام بتأسيس هذا التخصص النادر (علم الإنسان) في مصر والجامعات العربية، وتلاميذه الآن أساتذة ورؤساء أقسام وعمداء كليات في تلك الجامعات، فهو صاحب مدرسة ممتدة في دراسة أصل الإنسان وبيئته وسلوكه..
ولأنه قامة عملاقة، وعقلية فذة، فقد حصل علي العديد من الأوسمة والنياشين والجوائز من كل دولة احترمت العلم وقدرته، وأهمها مصر: جائزة الدولة التقديرية، والتشجيعية، ووسام الدولة للعلوم والفنون من الدرجة الأولي، خاصة أنه قام بتأليف حوالي عشرين كتابا وموسوعة باللغات العربية والأجنبية.
وفي حي »لوران« الهادئ، جري هذا الحوار مع رائد علم الإنسان بمنزله بالإسكندرية، والذي استمر لحوالي ساعة، وتطرق لأهم ملامح الشخصية المصرية، والمتغيرات الأخلاقية التي طرأت علي المجتمعات العربية..
سألت العالم الكبير الدكتور أحمد أبوزيد في بداية هذا الحديث:
ما هي أهم ملامح وصفات وطباع الشخصية المصرية التي تميزها عن غيرها؟
الشخصية المصرية تتميز بالصبر والتحمل طيلة حياتها التاريخية الطويلة، فعلي امتداد زمنها كانت تعاني إما من أمراض، أو تسلط الحكومات، أو المشاكل الخارجية التي تتمثل في الهجوم والإغارات، فكانت سماتها أولا الصبر لامتصاص هذه المتاعب والتحمل لمواجهتها..
ثم »التدين«، فالمصري مشهور بتدينه منذ تاريخه القديم، ففكرة الوحدانية ليست مرتبطة أبدا بالديانات السماوية، بل الوحدانية قبلها كانت موجودة في مصر، حتي إن المؤرخين والمفكرين في الخارج ذكروا أن »إخناتون« ما هو إلا نبي غير مرسل، بمعني أنه يحمل الوحدانية عن طريق الاتصال بالإله الأعلي سبحانه وتعالي.
المصري مرتبط بوطنه
أما الميزة الثالثة التي تميز الشخصية المصرية فهي الارتباط القوي بالأرض والوطن، ويزيد ارتباطه بهما عندما يتغرب، أما المصري داخل بلده فهو دائما »متمرد«، لكن هذا التمرد يختفي وهو في الخارج، لأنه في هذه الحالة العاطفة التي تربطه بالوطن والأرض تكون قوية جدا بحيث إنه لا يحتمل أي إساءة للوطن علي الإطلاق.
هذه الصفات التي ذكرتها.. هل تختلف عن الشخصية العربية بشكل عام؟
أنا أعتقد أنها تختلف في مسألة مهمة جدا، بأن عندنا روح التسامح.. والتواضع، فنحن مصريون وراءنا تاريخ قديم وحضارة لا توجد عند العرب، ومع كل ذلك نحن متواضعون لدرجة أن البعض يعتبر تواضعنا نوعا من الضعف.. لا.. أنه نوع من القوة بأن يصبح الإنسان متسامحا مع نفسه والآخرين فيصبح قويا، وبالتالي متواضعا..
إذا كان الأمر كذلك ونحن نملك هذه الذخيرة الحضارية: فماذا حدث لنا.. ما هي المتغيرات الأخلاقية التي أصابتنا؟
تحررنا من الكبت
أنا أعتقد أن هذا التدهور الأخلاقي له تاريخ طويل الذي ارتبط بالكبت الذي عاني منه المصريون لفترات طويلة تحت الاستعمار الأجنبي، وحينما تحررنا بدأنا ننتقل إلي مرحلة أخري، فالكبت بدأ يتخذ شكلا هجوميا بعد ذلك علي الآخرين، وبدأ الهجوم علي الطبقات الأرستقراطية التي كانت تكبت الشعب.
إنما لا تنس ظهور فئات جديدة التي سميناها الأرستقراطية العالية، لكن الأرستقراطية ليست أرستقراطية مال، وإنما الأرستقراطية »الأخلاق«.
ما هو تأثير الثورة والحكام الذين توالوا علي مصر علي مسار المتغيرات الأخلاقية؟
مع الأسف الشديد ثورة يوليو 1952 أتت بأخلاقيات مختلفة تماما عن الأخلاقيات التي كانت سائدة في مصر قبل ذلك، وتمثلت في الانتقام ليس من »الأرستقراطيين«، ولكن في التطاول.. يأتي جمال عبدالناصر الذي أعظمه تماما وأعتقد أنه وضع بصماته القوية علي مصر، بل وكنا في حاجة إليه، عندما يتكلم علي الملك فيصل ويقول: (أنتف له ذقنه)
تطاول علي الكبار
بل ويشتم الملك حسين عبر إذاعة صوت العرب قائلا: (ياحسين ياابن زين)، أنت تعلم أن المرأة عندنا مقدسة، وتخيل عندما يشتم رئيس الجمهورية ملكا ب»أمه«، حالة من التطاول التي أصابت بالقطع الطبقات الدنيا التي تتأثر بهذا، خاصة إذا كان صادرا من القدوة والمثل..
الثورة والقدوة (مع الأسف الشديد) لم تكن علي المستوي الأخلاقي المطلوب، علي الرغم أنهم خرجوا من الفئات المصرية التي كان يجب أن تحافظ علي الأخلاقيات، لكنهم تطاولوا علي الكبار، فتأثرت الطبقات الدنيا بهم، وبذلك ظهرت الفوارق في السلوكيات التي اختفت، ونعاني من اختفائها، حتي أننا الآن نجد أن الكبار لا يعظمون علي الإطلاق، بل العكس الصغير يشتم ويتطاول علي الكبير.
أين الصدق والأمانة
ما طرأ علي سلوكياتنا.. هل يمكن أن نسميها بالأمراض الاجتماعية؟
طبعا.. بدون شك.. ما هو الاجتماع؟.. أساس المجتمع هو الأخلاق، فإن لم تكن هناك قيم لا يوجد مجتمع..
النمط الأخلاقي الذي كان يحكم مصر كان نمطا متكاملا: الصدق، والأمانة رغم الفقر، لكنها اختفت الآن، أنا أعتقد أن الفقير الأصيل له أمانة أكثر من الغني الذي وصل بطرق غير مشروعة..
المجتمع بدأ يتحلل (للأسف الشديد)، حتي داخل الأسرة، أنا أبنائي وأحفادي حتي الآن عندما يخاطبونني لابد وأن تسبق بداية الحديث كلمة »حضرتك«، ونفس الوضع عندما كنت أخاطب والدي، تعال الآن شاهد الجيل الجديد عندما يخاطب آباءه كما نشاهد في السينما والمسلسلات يسخرون ويقولون: »سي بابا«.. هل يليق ذلك؟
وما هي الأسباب الأخري التي أدت إلي هذه التحولات السلبية؟
الحالة الاقتصادية التي نعيشها، مصر كانت دائما جاذبة للهجرات، الآن مصر طاردة لأولادها..
الهجرة من الخارج
الهجرات التي كانت تأتي إلينا من الخارج كانت من أوروبا، وحتي الطبقات الدنيا التي تأتي إلينا من هناك كانت لديها أخلاقيات، لكننا عندما هاجرنا، لم نهاجر إلي أوروبا، بل قصدنا العالم العربي، فبدأنا نأخذ من أخلاقيات العالم العربي، لقد زرت بلاده كلها.. شبرا.. شبرا، ومع الأسف الشديد بعضهم ينسي فضل مصر عليهم، بل وبدأوا ينظرون من عل للعمالة المصرية، وكان لذلك تأثير علي أخلاقياتنا إلي حد كبير، وأوجدت نوعا من السلبية حتي في نظرتنا للحياة.
أصبحت »اللامبالاة« سمة أساسية في سلوكنا اليومي.. هل كانت موجودة أصلا، ولكنها ظهرت علي السطح الآن بشكل ملموس؟
اللامبالاة هذه أربطها بالنظام السياسي، حينما بدأت الثورة تحملت كل المسئولية عن الشعب فأصابتنا بالاتكالية إلي حد كبير، بعكس جيلنا.. حتي ونحن أطفال كانوا يحملوننا المسئولية، وباختفاء المسئولية يتردد هذا السؤال علي الشفاه: لماذا أعمل؟!
ورغم أن النظم السياسية علي مصر حتي الآن وما تحملوا عن الشعب من مسئولية، إلا أنهم أغمطهم حقهم إلي حد كبير..
التأثير علي المجتمع
كل ذلك كان له تأثير سلبي علي فئات المجتمع، حتي وصل للأسف الشديد إلي أساتذة الجامعة الذين كف بعضهم عن العطاء.
أتذكر عندما أنشأت قسم »الأنثربولوجي« في جامعة الإسكندرية، وكانت زوجتي علي قيد الحياة (رحمها الله)، كنت أقيم هنا في هذا البيت كل شهر حفل شاي مع اجتماع أو محاضرة علمية أدعو إليها أساتذة الجامعة، ولأنني كنت أسافر دائما إلي الخارج وأحضر معي أحدث الكتب الصادرة، وكنت أعلم أن الجامعة تعاني من القصور، فأهدي كل أستاذ كتابا جديدا لتحضيره في تلك المناقشات العلمية من أجل التعلم والاطلاع علي كل ما هو جديد، إلي أن جاء أحد الأساتذة الجدد الذي تمت ترقيته إلي درجة أستاذ حديثا، فعندما أعطيته الكتاب أخذه، وبمجرد أن أدار ظهره لبيتي أعطاه لزميل آخر له قائلا: »إحنا لسه ح نقرأ«؟
إنها اللامبالاة التي أصابت حتي أساتذة الجامعة.. لماذا يقرأون؟.. حتي أنني سمعت هذه العبارة علي لسان أكثر من أستاذ جامعي: »علي قد فلوسهم«.. فماذا تنتظر أكثر من ذلك؟
أخلاقيات السلام والتسامح
هل تتأثر الشخصية بطبيعة المجتمع الذي تعيش فيه: زراعي.. صناعي.. بدوي؟
طبعا.. نحن مجتمع زراعي وهو بطبيعته لارتباطه بالأرض يجعل له حضارة، وبالتالي هذا الارتباط يدفعه للمحافظة علي المجتمع الذي هو فيه، ويمنحه أخلاقيات السلام والإنتاج والتسامح، وهي سمات المجتمعات الزراعية كلها.
والحقيقة فإن معظم خبراتي كانت في المجتمعات البدوية ابتداء من المغرب.. وحتي إيران، إنها قبائل، والقبائل لا ترتبط بأرض، قدر ارتباطها بالعصبية، وبالتالي تظهر العداوات نتيجة عدم ارتباطها بالأرض، وهذا فارق كبير بين المجتمع الزراعي أو البدوي.
أما المجتمع الصناعي فهو الواقع »طفيلي«، ولو تأملنا المجتمعات الصناعية سواء في أوروبا أو أمريكا نجدها قامت علي استغلال الشعوب الأخري.. تأخذ منتجاتها وتحاول تصنيعها ثم تبيعها بعد ذلك بأسعار عالية، فهذا مجتمع طفيلي قائم علي »الأنانية« ورغبة الاستعباد، وهو في الحقيقة مجتمع غير متسامح علي الإطلاق رغم كل ما يعلنونه، فهناك فجوة كبيرة ما بين المبدأ.. والسلوك..
وهل تتأثر الشخصية أيضا بالنظام السياسي للدولة إذا كان شموليا أو استبداديا.. أو ليبراليا؟
أيام النظام الشمولي لم نكن نستطيع أن نعبر عن أنفسنا وما يجول بخاطرنا، في فترة من الفترات كانت الناس تخاف أن تتحدث مع بعضها، لكن أي شخصية منكمشة ومنغلقة علي نفسها يمكن أن تكمن في داخلها ثورة، لكنها لا تستطيع أن تعبر عن هذه الثورة.
سلسلة من التراكمات
أما المجتمع الليبرالي الحقيقي يستطيع أن يقول رأيه بصراحة مع احترام الآخرين وتقديرهم، لكننا في مصر أسأنا استخدام الليبرالية لأن الشمولية أيضا أساءت استخدامنا نحن، أو بمعني أصح الشمولية أساءت استخدام البشر، فنحن نعيش سلسلة واحدة من التراكمات متصلة الحلقات، وكل حلقة تؤثر علي التي بعدها.
مرة أخري: ما هي شهادتكم علي عصور مصر المختلفة منذ الثورة.. وحتي الآن؟
إذا تناولنا مصر الثورة، فقد كنا في حاجة إلي عبدالناصر لتخليصنا من آثار العصر البائد، والذي قدم ما يستطيع، وأنا أعتقد أن أهم إنجازاته ليست تأميم قناة السويس، ولا بناء السد العالي، إنما أنه جعل الشعب المصري يلبس »أحذية«، بعد أن كان »حافيا« بكل معاني الكلمة، وبكل كرامة..
وبعد جمال عبدالناصر كنا محتاجين »للسادات« من أجل إزالة »التلطيخ« الذي كان قائما أيام عبدالناصر، لكنه أتي بانفتاح »سداح.. مداح«..
وأنا أعتقد أن مسألة الصلح مع إسرائيل أو الاتفاقية معها كان يجب فعلا، ورغم كل ما يقال فهي تحسب للرئيس الراحل أنور السادات، فقد استرددنا أرضنا، والثقة في أنفسنا، ويكفيه نصر أكتوبر العظيم.
فتح الباب للحرامية
لكن عيب السادات أنه فتح »للحرامية« الباب، وما سبب لنا ذلك من متاعب، أما العيب الثاني أن بداية تطور الصراع الطائفي في مصر كانت في أيام السادات..
أما في عصر مبارك، فقد أراد الرجل أن يصلح ما أفسده السادات، وخصوصا فيما يتعلق بالطبقات المثقفة، والأمر الآخر حرية الرأي في عهد مبارك، وبغض النظر عن سقف هذه الحرية، فإن المبدأ صحيح..
وأنا أعتقد أن عصر مبارك فيه إنجازات كثيرة، والرجل صادق في نواياه، ويعمل بقدر الإمكان، سواء كان من حوله يريدون الإصلاح.. أم لا، إلا أنني واثق أن مبارك يريد الإصلاح، ليخرجنا من آثار العصور التي رأيناها..
أنا أحيي إنجازات مبارك بدون شك، إنها شهادة من إنسان مصري عاش الملكية، وثلاث مراحل من الجمهورية.
هناك قول بأن الديمقراطية الكاملة غير قابلة للتطبيق مع مجتمعات العالم الثالث التي ينقصها التعليم والثقافة والوعي.. ما مدي صحة ذلك؟
هذا الادعاء ليس صحيحا، فالديمقراطية ليست تعليم أو صحة، أو مالا، بل هي موقف الإنسان إزاء الآخرين..
أنا أعتقد أن شعوب العالم الثالث الحقيقي الموجودة في إفريقيا وهي بدائية، أكثر ديمقراطية من أمريكا وبريطانيا، أنهم مجتمعات صغيرة تتشاور مع بعضها ثم يتخذون القرار، والرئيس هنا يقوم بدور المنسق بين الاتجاهات المختلفة، فالقرار هنا جماعي..
تبادل الفكر الحر
ما هي سمات المجتمع الانفتاحي.. هل تعني ما هو مرتبط بالتجارة فقط؟
المجتمع المنفتح هو الذي يقوم علي تبادل الفكر لا التجارة ودخول وخروج البضائع، تبادل التيارات الفكرية دون أن تحجر عليها، بحيث تستطيع أن تري ماذا يحدث في العالم وتناقشه وتنتقي منه وتنقده، بل وتسمح للآخرين أن ينتقدوه..
تأثير السماوات المفتوحة والفضائيات علي سلوكياتنا؟
مع الأسف الشديد، ونتيجة للظروف التي مرررنا بها تفكيرنا أصبح تفكيرا مغلقا ومحددا، نحن لا ننفتح علي السماوات بشكل واقعي لأننا ننفتح علي العالم العربي الذي حولنا، ماذا تشاهد البيوت المصرية.. أنها تشاهد »الجزيرة« أو »العربية« أو برامج المنوعات والمسابقات، لكنها نادرا ما تنفتح علي الخارج، فنحن في الواقع »متقوقعون« علي أنفسنا، وعلي جيراننا المحيطين حولنا..
وهذه »المتنوعات« ليس لديها رسالة تنويرية واضحة، فهدف معظم هذه القنوات تجاري إلي حد كبير، وتقدم الثقافة الهابطة، رغم أن الثقافة الحقيقية بطبيعتها »أرستقراطية« عالية، لكن هدفهم أكبر عدد من المشاهدين، وكل ذلك يؤثر سلبيا علي السلوك، وحتي علي علاقات البشر مع بعضهم.
الهوية المصرية ثابتة
وهل تري أن هناك غزوا قيميا أخلاقيا يهدد مجتمعنا وهويتنا المصرية؟
مسألة التخوف علي الهوية المصرية يجب أن نسقطها من الاعتبار، فالهوية لا تتغير بسهولة مع الزمان، لأن الهوية هي الكيان، ربما الذي يمكن أن يتغير بعض المظاهر الخارجية، إنما القيم نفسها قائمة إلي حد كبير..
أنظر إلي »الإسلاميين« ومطالبهم بتغطية الرأس وتطويل الملابس.. إلخ.. محافظة علي قيم المرأة والأخلاقيات، في فترة من الفترات كانت المرأة تمشي عارية الرأس وبملابس عادية، بل وحتي عارية الذراعين، وكانت محفوظة تماما، لأن المسألة قيم لا تتغير علي الإطلاق..
فهل الذي يرتدي الجلباب القصير، ويلبس الطاقية البيضاء، ويطلق لحيته هو أشرف أو أفضل من الذي يرتدي »البنطلون«؟
بعد كل ذلك: هل نستطيع أن نقول إننا نعيش أزمة أخلاقية »مستفحلة«؟
هي أزمة أخلاقية، لكنها ليست مستفحلة، فكلمة »مستفحلة« تعني أنه ليس هناك أمل علي الإطلاق في الإصلاح، لا.. والدليل علي ذلك أننا جميعا (ونحن نسيء السلوك) نقول: »والله كان زمان أفضل«، معناها أن هناك وازعا داخليا غير راض عن سلوكياتنا، ومادام هناك ضمير فلا تخش شيئا علي الإطلاق، سواء علي الفرد أو المجتمع.
إصلاح الأسرة والمدرسة
ما هي الحلول المقترحة لمعالجة كل السلبيات والمتغيرات الأخلاقية التي أصابت مجتمعنا؟
أجاب الدكتور أحمد أبوزيد رائد علم الإنسان في مصر والعالم العربي:
الحل في الاهتمام بنظامين هامين في المجتمع المصري، وأبدأ بأولهما وأبسطهما وإن كان في نفس الوقت أكثرهما تعقيدا: إصلاح الأسرة التي هي أساس المجتمع، لابد للأب والأم أن يشعروا بالمسئولية تجاه الأبناء، ومراقبتهم، وإرشادهم، وحمايتهم من كل »المزالق«، حتي ولو اضطر الأمر إلي ضربهم..
الإعلام »مثلا« هاجم وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكي بدر عندما طالب بالرجوع إلي ضرب التلاميذ، هل تعلم أن بريطانيا منذ حوالي 8 سنوات رجعت في العودة إلي ضرب الأولاد في المدارس؟
لقد قررت بريطانيا ذلك بعد أن رأت أن البيت لم يعد يربي..
الأب لابد وأن يشعر بمسئوليته ليكون ربا للعائلة بمعني الكلمة، وكذلك الأم لأهميتها، ربما سمعنا عن المثل الشعبي القائل: (الأم »تعشش« والأب »يطفش«)، الأم هي الأساس، ولو نظر أي واحد فينا إلي حقيقته سيجد أن من رباه هو أمه وليس أباه..
ويأتي بعد ذلك دور المدرسة، إن لم يقصدها التلميذ بعد تربية جيدة من منزله، سيسيء السلوك في مدرسته..
لو أصلحنا حال البيت.. والمدرسة من الناحية السلوكية والانضباط والتمسك بالأخلاق قبل التعليم، سوف ننطلق إلي الطريق القويم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.