منذ أيام، اتصل بى أحد الصحفيين طالبا تعليقى على خبر يقول بأن وزارة التعليم العالى قررت إدخال كلية الاقتصاد والعوم السياسية فى جامعة القاهرة ضمن نطاق الكليات التى تخضع لقاعدة التوزيع الجغرافى لهذا العام، مما أثار احتجاجات غاضبة لدى طلاب الأقاليم. اعتذرت عن التعليق على هذا الخبر، وعبرت عن تشككى فى صحته، ورجوت من محدثى أن يتأكد من صحة الخبر، لأن تجربتى الخاصة أقنعتنى بعدم دقة كل ما ينشر من أخبار فى الصحف المصرية هذه الأيام. دفعنى تكرر الاتصال حول نفس الموضوع لمحاولة تقصى صحة الخبر بنفسى من مصادرى الخاصة، فتبين لى أن الخبر صحيح بالفعل، وأن وزير التعليم العالى قرر بالفعل قَصْر القبول فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة هذا العام على طلاب محافظاتالقاهرة والجيزة والقليوبية والفيوم، إضافة إلى محافظات القناة الخمس، أما طلاب محافظات الوجه القبلى والوادى الجديد فسيتعين عليهم الالتحاق بكلية تحمل نفس الاسم فى جامعة بنى سويف، بينما ستختص كلية الاقتصاد فى جامعة الإسكندرية بقبول طلاب محافظات الوجه البحرى. كما تبين لى أن التغيير الذى أدخل على نظام تنسيق القبول فى الجامعات المصرية لم يقتصر هذا العام على كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وإنما شمل كليات أخرى. أدهشنى القرار فى البداية، وتعجبت كيف لم تنتبه وزارة التعليم العالى إلى مدى ما يلحقه من ظلم بطلاب الأقاليم. وحين رحت أفكر فى حقيقة الدوافع الكامنة وراءه، خطر لى فى البداية أنها العشوائية التى تتسم بها عملية صنع القرار فى مصر إجمالا، لكن حين أمعنت التفكير لم أستبعد أبدا أن تكون وراءه دوافع أمنية أو فكر طبقى عقيم، وبالتالى قد يكون ناجما عن سوء نية مبيت. فالتطبيق الصحيح لقاعدة التوزيع الجغرافى تفرض أولا وقبل كل شىء عدم الإخلال بقاعدة أرقى وأهم، وبالتالى أولى بالرعاية، ألا وهى قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص. فوجود كليات حديثة النشأة تحمل نفس الاسم فى بعض الجامعات الإقليمية لا يعنى أبدا أنها أصبحت تتساوى فى المكانة العلمية مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة. توخى العدالة والإنصاف يفرض على المؤسسات المعنية فى مصر ضرورة إتاحة الفرصة كاملة أمام جميع الطلاب الراغبين فى دراسة الاقتصاد أو العلوم السياسية لاختيار الجامعة التى يريدون الالتحاق بها لدراسة هذا النوع من التخصصات، ثم شغل الأماكن المتاحة فى كل جامعة وفقًا لمجموع الدرجات التى حصل الطالب. خصوصًا إذا ما تجاوزت أعداد الراغبين فى الالتحاق بها أعداد الأماكن المتاحة. أما تطبيق قاعدة التوزيع الجغرافى بهذه الطريقة الجامدة فسوف يجبر طالب الصعيد الحاصل على أعلى الدرجات والراغب فى دراسة العلوم السياسية على سبيل المثال أن يلتحق بجامعة بنى سويف وليس بجامعة القاهرة. نفس الشىء ينطبق على طلاب الأقاليم الأخرى الذين سيحرمون من الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة، وفى هذا ظلم بين لجميع هؤلاء ولأسرهم أيضا لا لشىء إلا لأنهم ينتمون إلى أقاليم فقيرة أو محرومة من الخدمات المتميزة. متى يصبح تحقيق العدالة وإتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع هما الشغل الشاغل لصانع القرار فى مصر؟