الأنظمة الاستبدادية تحتاج عادة إلى «الصحفى الوطنى المعارض» الذى يقول «كلمة الحق» لصالح النظام وقت زنقته، أو يقف أمام معارض «حقيقى» يؤرّق سلطتها. وتحتاج أيضًا إلى «القانونى والدستورى» الذى يقدّم خدماته فى استغلال ثغرات القانون. النظام الحالى لا يعدم أيًّا من هؤلاء. عنده كل اللى مش إخوان بس بيحترموهم - هع. ولكن «حندوقة عينه» الإعلام. لا يعرف كيف يتعامل معه. إذا أسفّ قال الناس: «إسلامجية وبيسفوا». وإذا أراد أن يرد على البرنامج الساخر بالبرنامج الساخر كشف تقل دم أمه، وعجزه غير المصرى بالمرة عن التنكيت. «علاج الإسلامجية كورس تحشيش». أما إذا أراد أن يستخدم سيف القانون فى هذا المجال عجز. لأن القانون فى هذا المجال ليه ناسه. واللى مش إخوان بس بيحترموهم ماكانوش شاغلين نفسهم بالناحية دى خالص. هناك شخص فى مصر تنطبق عليه الفقرة السابقة. وقام بها أكثر من مرة مع النظام السابق. فى صراعات الحزب الوطنى الداخلية، وأيضًا فى الصراعات الخارجية التى احتاج فيها إلى تشويه خصومه. لدرجة أن هذا الشخص أطلق عليه لقب «فلان سى دى». مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الحتمية أراد هذا الشخص أن يوصل رسالة إلى الرئاسة وتيارها، رسالة مفادها أنه نافع، وقادر على القيام بمهام لم يستطع حلفاء الرئيس واحدًا تلو الآخر القيام بها. لا خالد عبد الله ولا أبو إسلام ولا محمود شعبان ولا غيرهم من الهواة الذين يعتقدون أن الإعلام خطب منبرية، وكلام مقابل كلام. وما انكسر من شقاق معهم بسبب موقفه من معركة الجمل، يمكن أن ينصلح إن انتصر فى معركة «البرنامج». أضيفى إلى ذلك ما تحدّثت عنه فى مقالات سابقة من قناعة لدىّ بأن «طفيليى» الحزب الوطنى هم الأقرب للتعاون مع الإخوان. مثال ذلك رجل الأعمال الذى هرب بالقروض أيام نظام مبارك، ثم عاد وعيّنه محمد مرسى عضوًا فى مجلس الشورى. إن أردتِ أن ترى النفاق الإخوانجى على أصوله فشاهدى الحلقة التى استضافه فيها أحمد منصور على قناة «الجزيرة» قبل سنوات. تاريخ يا حاجة تاريخ. من هنا، فإننى أتفهّم جدًّا دوافع فريق عمل برنامج «البرنامج»، لتخصيص فقرة من الحلقة ل«بتاع السيديهات». لا بد أن القرار اتخذ بعد خلاف فى وجهات النظر ما بين تطنيشه وعدم الالتفات إليه، وما بين السخرية منه على طريقة البرنامج. ولا بد أن مَن اختاروا الخيار الثانى أحبّوا أن يوصلوه رسالة بأن تهديداته لا قيمة لها، وبأنهم لا يخشونها. لكننى أظن أنهم اختاروا الخيار الخطأ. ولم يجيدوا قراءة الرسالة. وأعطوه أكبر من حجمه. وأضافوا إلى رصيده وهو يعرض نفسه فى السوق. «البرنامج»، بالنسبة إلىّ، يمثل ذلك الجزء من الثورة الذى يرفض الفكر القديم، يرفض أن تستدعى قيم «العائلة القروية» فى حكم البلد، يرفض السلطوية والسيطرة الهرمية. يرفضها بأساليب سلمية لا نملك غيرها. ويرفضها بالذكاء واللماحية وكشف متناقضاتها - السخرية. لا بالهمجية والإسفاف والعنف المسيطرة على الجو العام فى البلد. ولذلك فإن أعداءه كثيرون، وسيتزايدون، وسيظل جمهوره المواطنين البسطاء العاقلين الذين لا يملكون من الأمر شيئًا من أمثالنا، المواطنين الذين كل أمانيهم فى الدنيا أن لا يستخف أحد بعقولهم، ولا يظن أحد أنه يخدعهم بهذا الخبث المكشوف. ستتحالف ضد البرنامج كل قوى التعديلات الدستورية بتاعة 19 مارس. القوى التى تتفق جميعها على قيم «العائلة القروية الحاكمة»، وإن اختلفت على التفاصيل الشكلية. مرة تربّى دقنها ومرة تحلقها. ما هى دى القوى اللى كانت عايزة تقسّم البلد ما بينها. بس الإخوان ضحكوا عليهم. صدّقونى يا شباب «البرنامج». سيبكم منه. وهو هيتحرق لوحده.