أجرى الحوار: هدى أبو بكر وإسماعيل الوسيمي: المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، يخوض معارك كثيرة، لكشف الفساد المنتشر فى البلاد، وهو ما عرضه لحملة كبيرة من التشهير.. لقاؤنا مع المستشار جنينة امتد إلى ما يقرب من ست ساعات خلال لقاءين بمقر الجهاز، رد خلاله على حملة التشويه الممنهجة ضده، وتحدث عن وزير العدل أحمد الزند، ودوره فى الحملة ضده. ووعد بإعلان الحسابات الختامية للعام الأول من حكم الرئيس السيسى خلال مؤتمر صحفى قريبًا فإلى نص الحوار: ■ فى البداية كيف تابعت حدث افتتاح قناة السويس الجديدة؟ - افتتاح قناة السويس الجديدة إنجاز كبير، وأحب أن أسجل شكرى وتقديرى لكل العاملين على هذا الإنجاز بدءًا من أصغر عامل إلى أكبر قيادة حملت هذا المشروع على عاتقها وصولا إلى رئيس الجمهورية، خصوصًا أنه تم فى زمن قياسى بكل المعانى، وهذا هو التحدى الحقيقى لإمكانيات المصريين التى يصعب ترجمتها، والتى تظهر فى المحن، والحضارة المصرية طوال عمرها قامت على هذه التحديات، فكان تحدى عبور أكبر مانع مائى فى تاريخ الحروب الحديثة وهو قناة السويس وقت أن اتخذ الرئيس الراحل السادات قرار الحرب، فى ظل كل ما أكدته الدراسات العسكرية من استحالة عبور هذا المانع وما بعده وهو خط بارليف، فحين نسترجع بالذاكرة تاريخ التحديات التى مرت بها مصر فى العصور الأخيرة، نجد أن قناة السويس ما هى إلا استكمال للتحديات التى بدأها أجدادنا، خصوصا أن هذا المشروع تم بتمويل من المصريين، وهو حدث يشابه الذى حصل وقت بناء السد العالى، حينما امتنعت الدول الاستعمارية، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة عن تمويل السد العالى، فتحمل المصريون فى ذلك الوقت عبء إنشاء هذا السد ليعبروا به إلى مصر الحديثة. وأود أن أوضح شيئًا فى ما يخص قناة السويس، هو أن إيرادات القناة تذهب إلى الموازنة العامة للدولة ولا شىء يذهب إلى رئاسة الجمهورية، وذلك منذ فترة، والجهاز لم يرصد فى وقت سابق ولا الآن وصول أى أموال من قناة السويس إلى الرئاسة. ■ ننتقل إلى ملفات الفساد.. لك مقولة دائمًا ترددها بأن «محاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب» ولدينا أجهزة رقابية متعددة ولا يزال الفساد مستمرا فأين الأزمة؟ ولماذا لم يتم مواجهة الفساد مثلما يتم مواجهة الإرهاب؟ - المشكلة فى تمكين تلك الأجهزة الرقابية من أداء عملها، ومكافحة الفساد ليست مقصورة على جهاز رقابى واحد، لكنها تبدأ من أجهزة معنية بالتحرى وجمع المعلومات حول قضايا الاستيلاء على المال العام مثل الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، وجانب يعمل على مراقبة المستندات ومراقبة المال العام مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، والمكافحة لا تنتهى برصد أو كشف الأجهزة الرقابية، ولكن ملاحقة الفساد ومساءلته وتوقيع الجزاء تقع تحت مسؤولية أجهزة التحقيق والسلطة القضائية، وعندما ترسل أى جهة رقابية قضايا فساد لأجهزة التحقيق المختلفة مطلوب من تلك الأجهزة أن تسرع فى التحقيق فى وقائع الفساد ويتم اتخاذ إجراءات سريعة فيها، والقضايا التى تهم الرأى العام لا بد من نشرها، لأن الرقابة الشعبية أهم رقابة، وهنا لا بد أن أتحدث عن ضرورة صدور قانون إتاحة المعلومات وهذا القانون سيكشف اللثام عن الكثير من الخطايا والمفاسد، وستكون هناك صعوبة فى إخفائها، ولا بد من تفعيل دور اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد التى يكمن دورها فى التنسيق بين الأجهزة الرقابية وأجهزة التحقيق. ■ وما الحل لإنجاز أجهزة التحقيق قضايا الفساد؟ - أقترح ضرورة إنشاء محكمة خاصة لقضايا الفساد والاعتداء على المال العام، على غرار المحكمة الاقتصادية المختصة بالأمور الاقتصادية التى قامت تشجيعًا للمستثمرين بوجود عدالة ناجزة ونجحت تلك المحكمة فى حل أزمة الاستثمار، ولدينا تجارب فى دول أخرى مثل فرنسا التى تستمد القانون منها ودول المغرب العربى هناك «محكمة المحاسبة» وتلك المحكمة تكون مهمتها التحقيق والمحاسبة فى القضايا التى تكشفها الأجهزة الرقابية من الفساد المالى والاعتداء على المال العام، وهذه المحكمة ستعمل على الإنجاز، لأنه سيرفع لها تقارير الأجهزة الرقابية بشكل مباشر دون حائل، ويكون من حق المواطن الذهاب للمحكمة للإبلاغ عن وقائع الفساد، وإنشاء هذه المحكمة يحتاج إلى تعديل فى السلطة القضائية بإنشاء محكمة للمحاسبة، ومن السهل أن يتم إنشاؤها، فالأمر ليس بدعة. ■ وهل مواجهة الفساد مرتبطة أيضًا بالإرادة السياسية للقيادة فى الدولة؟ - أنا أثق بأن القيادة فى مصر لديها إرادة حقيقية فى مواجهة الفساد، ولكنْ هناك جناحُ آخر داخل الدولة مستمر فى منظومة الفساد، وسقوط مبارك وقيادات الصف الأول فى 25 يناير لم يسقط معه نظامه، نظام مبارك لم يسقط فلا تزال أفكاره وآلياته فى الفساد مستمرة حتى إن بعض الوجوه، وعلى الرغم من إقرار الدستور بثورة يناير فإن أجنحة نظام مبارك فى الدولة يتعاملون معها على أنها كانت مؤامرة وليست ثورة شعب قامت لتقضى على الفساد وتحاسب الفاسدين، والمعركة ليست سهلة بين الإرادة وهذا الجناح المتوغل فى أركان الدولة خلال 30 عاما مضت. ■ الجهاز دائمًا يعمل على كشف الفساد فما القضايا التى يعمل عليها الجهاز فى الوقت الحالى؟ - نعمل على ملف يخص منظومة صناع الدواء فى مصر، واكتشفنا أن هناك مافيا تعمل على السيطرة على صناعة الدواء فى مصر وأخرجت هذه المافيا الكثير من المصانع التى تمتلكها الدولة، من بينها مصانع كانت تحقق ربحا كبيرا وهناك طلبات على إنتاجها، وتنازل مسؤولون بالدولة فى وقت سابق لهذه المافيا من رجال الأعمال عن رخص التشغيل لحساب مصانع رجال الأعمال، وهذا الملف يثير الكثير من وقائع الفساد، فمسؤولون بالدولة فى وقت سابق متورطون فى التنازل عن هذه الصناعة الهامة التى تمثل منتجات استراتيجية مثلها مثل الغذاء والأسمدة والأسمنت، وهناك مخالفات أيضًا نعمل عليها تخص صناعة الحديد والصلب، ومصنع الدخيلة، الذى حصل عليه أحمد عز والقضية لا تزال أمام القضاء، كان يمثل القوام الأساسى لصناعة الحديد والصلب التى تمتلكها الدولة، وتم تخصيصها لعز واحتكر الحديد وقتها. ■ هل لديك معلومات عن إعداد قضية «تخابر» ضدك كما ذكرت؟ - نعم لدى معلومات بأن هناك ترتيبات تعد بمعرفة «لوبى» من بعض القيادات الأمنية ورجال القضاء الإعلام لمحاولة صنع قضية «تخابر» لى، لأنى من وجهة نظر هؤلاء أشكل خطرا على وجودهم، لأننى أقوم بواجبى بكشف الفساد، وتلك الترتيبات تعد ردا على كشف الجهاز قضية فساد مالى بوزارة الداخلية فى عهد حبيب العادلى، وأحال قاضى التحقيق العادلى مؤخرًا وموظفين بالشؤون الأمنية إلى محكمة الجنايات، وردا على كشف قضايا فساد فى عدد من قطاعات الدولة، وهذه المجموعات تعمل لصالح نظام مبارك وتعمل ضد كل من هو مؤيد لثورة 25 يناير التى أسقطت مبارك، وهذا اللوبى هو من يقوم بالعديد من الشخصيات الوطنية المحترمة. وأنا مدرك تمامًا أن القضاء مخترق وليس من الآن ولكن منذ عهد عبد الناصر وكان هناك تنظيم سرى داخل القضاء والتاريخ موجود، وكان هؤلاء يكتبون تقارير فى زملائهم، وعندما نرى ما يحدث فى القضاء ندرك أن هذا التنظيم لم ينته، ولكن تغيرت الوجوه. ■ وهل تواصلت مع أى شخص أو جهة بعد ورود معلومات إليك تفيد محاولة إعداد قضية تخابر ضدك؟ - أنا واثق بأننى أسير على الطريق الصحيح، ومن لديه أمر ضد هشام جنينة فليتقدم به إلى جهات التحقيق، ولا يكتفى بأن يقوم بالتشهير ضدى وبعائلتى من خلال إعلاميين معروفين بولائهم لأجهزة أمنية، ومحاولة اتهامى بالتخابر جاءت بعد فشلهم فى اتهامى بالتحريض على بيان رابعة والانضمام إلى قضاة من أجل مصر وانضمامى لجماعة الإخوان وغيرها من الاتهامات التى لم تثبت صحتها نهائيا، وكانت اتهامات فاشلة، وآخر اتهاماتهم أننى ذهبت إلى غزة للتخابر، ومنذ وجودى فى المنصب من ثلاث سنوات لم تتوقف حملات التشويه ضدى وأتوقع أنها ستستمر. ■ ولماذا ذهبت إلى غزة؟ - ذهبت فى عام 2011 إلى غزة بموافقة الجهات الأمنية من مخابرات عامة وحربية وعبرت من خلال المعبر الرسمى، وذلك للمشاركة فى تشييع جنازة والد زوجتى هناك، وزوجتى أصولها فلسطينية وحصلت على الجنسية المصرية منذ 25 عاما، وأنا عشت مع أسرتى فى الخمسينيات وبداية الستينيات فى غزة فى بدايات سنوات عمرى وأول عام لى فى الدراسة كان فى مدارس غزة، وفى ذلك الوقت كانت غزة تحت الإدارة المصرية وكان الوالد رحمه الله، المستشار أحمد جنينة يمثل النائب العام فى غزة، وكانت هناك أسر مصرية كثيرة تعيش فى قطاع غزة فى هذا الوقت، من بينهم الراحل المستشار عصام الدين حسونة والراحل المستشار فخرى عبد النبى والمستشار عبد الجواد عامر شقيق المشير عبد الحكيم عامر وأسرهم، وكنا نعيش هناك كأسرة واحدة فى ذلك الوقت. وزوجتى من أكبر عائلتين فى قطاع غزة وأقاربها كانوا يعملون فى السلطة الفلسطينية، من بينهم كان سفير فلسطين فى ليبيا وطيار طائرة الرئيس محمود عباس أبو مازن وشخصيات فى المجلس الوطنى الفسلطينى، ووالدة زوحتى مصرية وزوحتى حصلت على الجنسية المصرية، وذهبنا إلى غزة لصلة الرحم، فليست جريمة، وعمليات التشويه تأخذ جزءًا من معلومة وتذيعها فى الإعلام بشكل مغلوط. ولا بد أن نقول إن فلسطينوغزة ليسوا حركة حماس، فلا يجوز أن نختزل مصر فى جماعة الإخوان المسملين، فهذا تشويه للشعب المصرى والشعب الفلسطينى، والدول أكبر من جماعات أداؤها سيئ، والقضية الفلسطينة كانت ولا تزال فى أولويات القيادة المصرية. ■ لماذا لم تتخذ إجراءات قانونية ضد كل من يقوم بتشويهك؟ - اتخذت الإجراءات القانونية بالفعل، لكن العطب الذى أصاب مؤسسات الدولة لم تسلم منه المؤسسة القضائية، فالمستشار رامى عبد الهادى (صاحب قضية الرشوة الجنسية) كان ينظر قضيتين أقمتهما ضد الإعلامى أحمد موسى، وصدر ضده حكم بالحبس، ثم قام عبد الهادى بإلغائهما فى الاستئناف. أنا على علم ويقين أن عبد الهادى جلس مع المستشار أحمد الزند، وزير العدل، قبل الحكم فى قضية أحمد موسى والذى ألغى فيه حكم أول درجة بالحبس. بل إن المستشار الزند أصدر تعديلا فى القانون بإلغاء حجز المتهمين فى القفص فى قضايا الجنح من أجل أحمد موسى، والمستشار الزند أداة من أدوات الدولة العميقة، والتى يتحكم الأمن فى مفاصلها وهم المحركون للأحداث كلها، ولديهم نوع من الإصرار على الحفاظ على السلطة، من خلال التحكم فى أى مسؤول فى الدولة، إما يشوه صورته أو يلمعه، ويستخدم فى ذلك الميديا، ويعمل بها أيضا «رجالة الأمن»، كذلك له رجاله من داخل القضاء، فالقضاء «مزروع» فيه أشخاص يؤدون رسالة مثل التى يؤديها بعض الإعلاميين، فهذه الدولة التى يديرها الأمن لم تنتهِ، ولذلك أنا أدرك أن الرئيس السيسى يواجه حربا ضارية أشد فتكًا من حربه ضد الإرهاب. ■ كيف رأيت تعيين الزند وزيرًا للعدل؟ - رأيته مثل كل المصريين، أنا واحد من المصريين رأى هذا الاختيار أنه من أسوأ الاختيارات وهذه ليست رؤيتى كمسؤول، بل هذه رؤية مسؤولين كثر، لكنهم يخشون الكلام، وقد أعربوا عن هذا الرأى بينى وبينهم فى لقاءات ومناسبات عديدة، الغريب فى الأمر أننى لمجرد كشفى الفساد أهاجم بضراوة فى الوقت الذى كُتب عن المستشار الزند واقعة بيعه أرضًا لقريب زوجته فى بورسعيد لم يتحدث أحد ولم يهاجمه أحد، لأنه ليس وحده فهو يحظى بحماية من هذه المنظومة الأمنية التى تسيطر على تفاصيل الدولة، هذا بخلاف ما نشر عن واقعة استيلائه على 270 فدانا بالإسكندرية أخدها بوضع اليد، «أرض الحمام» والأخطر أن رئيس نيابة الأموال العامة الذى حقق فى الواقعة لفقوا له تهمة وتم فصله من العمل. والمستشار الزند تدخل فى الواقعة الأخيرة الخاصة بالمستشار رامى عبد الهادى، التى عرفت ب«الرشوة الجنسية» وضغط على الرقابة الإدارية حتى تتركه بعد أن ضبط متلبسًا، لأنه -أى عبد الهادى- أدى الدور المطلوب منه فى القضايا التى أقيمت ضد أحمد موسى، وأنا أعلم أن المستشار الزند قبل مجيئه وزيرًا للعدل شوهد معه فى أحد المطاعم، وقال لى هذا الكلام أحد المستشارين، وقال لى «خلّى بالك القضية مش هيتحكم فيها». ■ ماذا دار بينك وبين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء خلال زيارتك الأخيرة؟ - الزيارة كانت لتقديم التهنئة لرئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وكان لقاءً حميميا لأننا زملاء وأصدقاء. ■ هل انتهى المركزى للمحاسبات من الحسابات المالية للعام الأول من حكم الرئيس السيسى؟ - حتى الآن لم نتمكن من فحص موازنة رئاسة الجمهورية نتيجة تأخر حصول أعضاء الجهاز على التصريحات الأمنية لدخول مؤسسة الرئاسة وتواصلت مع رئيس الديوان بهذا الشأن لتذليل العقبات ولا يزال هناك تواصل، وفى ما يخص الحسابات الختامية الخاصة بباقى أجهزة ومؤسسات الدولة لا نزال نعمل عليها، ولا بد أن تنتهى كل الحسابات الختامية طبقًا للدستور قبل 1 سبتمبر القادم، وسنعقد مؤتمرا صحفيا قريبًا للكشف عن أبرز نتائج تلك الحسابات، كما سنعلن فيه سنة حكم المستشار عدلى منصور والعام الأول من حكم السيسى، وتلك سُنة اتبعتها داخل الجهاز وقتما أعلنا نتائج الحسابات الختامية الخاصة بالسنة التى حكم فيها مرسى. والحساب الختامى، كى نوضح للقراء، يكشف الإيرادات والمصروفات وهل هناك مخالفات أم لا، أما طوال العام إذا تم الكشف عن قضايا فساد فنحيلها بدورنا إلى جهات التحقيق. ■ مر أكثر من عام على الحد الأقصى فما نتائج مراقبة الجهاز لهذا الملف؟ - هناك تفريغ حدث للقانون، لما نجده من جهات تحظى بمعاملة مالية متميزة أو بكوادر خاصة، منها اللى أخد فتاوى ومنها اللى استصدر أحكاما بعدم خضوعها للقانون، طالبنا من رئيس الوزراء أن يعيد النظر فى المرسوم بقانون وقدمنا له مقترحات بإدخال تعديلات على قانون الحد الأقصى بما يؤدى إلى سد الثغرات التى ظهرت فى التطبيق. وسنعلن عن النتائج التى وصلنا إليها ضمن المؤتمر الصحفى المرتقب. ■ وماذا عن علاقة الجهاز بوزارة الداخلية؟ وهل تم السماح لأعضاء الجهاز بالمراقبة المالية؟ - الوزير مجدى عبد الغفار سمح بعد لقائى به لأعضاء الجهاز بالمراقبة المالية وأصدر تعليمات لمساعده للشؤون المالية بالتعاون مع أعضاء الجهاز.