يبدو أن لبنان لا تلبث أن تخرج من أزمة فراغ سياسي حتى تدخل في أخرى؛ فمنذ سنوات كانت الساحة السياسية في بيروت تشهد تعثرا في تشكيل حكومة لإدارة البلاد وواجه سعدالحرير رئيس الوزراء المكلف بتشكيل تلك الحكومة صعوبات كبرى للقيام بهذا الأمر، والآن تعود نفس الأزمة مع استقالة رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي مؤخرا. ميقاتي استقال بعد رفض الأغلبية البرلمانية مطلبه بتأسيس هيئة للإشراف على الانتخابات المقبلة التي من المتوقع أن تشهدها البلاد قريبا، بل وبسبب رفض نفس الأغلبية دعوته للتمديد للواء أشرف ريفي مدير عام الأمن الداخلي. استقالة ميقاتي، دق ناقوس الخطر وفقا للأوساط الإعلامية اللبنانية ففي دولة تشهد يوميا صدامات بين السنة والشيعة في منطقة طرابلس على خليفة الوضع في سوريا، ولا يوجد بها حكومة، فغن دولة من هذا النوع تكون معرض لتصعيدات خطيرة، هذا في وقت يزداد فيه الوضع الاجتماعي غضبا ومطاليتها بتحسين الرواتب، والخلافات حول الانتخابات النيابية القادمة، ومحاولة الاتفاق على قانون يرضى مختلف القوى السياسية في لبنان. سوريا أيضا مكون من مكونات الازمة لا يمكن إنكاره؛ فخلال عامين في المنصب سعى ميقاتي لإبعاد لبنان عن الحرب الأهلية في سوريا التي عمقت التوتر الطائفي في لبنان، هذا في الوقت الذي أدت فيه تلك الحرب وتدفق لاجئيها على لبنان إلى تباطؤ اقتصادي حاد في بيروت وزيادة عجز الميزانية. أما الآن فقد استقال ميقاتي وسياسة النأي بالنفس التي كان يتبعها قد ترحل برحيله ما يضع بيروت في مهب رياح الازمة السورية، ما دفع برلماني لبناني هو محمد علوش، إلى التأكيد أمس أن ميقاتي كان يبحث عن مخرج للخروج من المركب الذي بدأ يغرق، وأنه أخذ قرار الاستقالة لقناعته بأن المعسكر الذي استند إليه لدخول الحكومة قد أصبح في موقع المنهار، متهما النظام السوري بالسعي إلى إحداث ثغرات تدخل لبنان في الفوضى. ويفترض الآن أن يستأنف القصر الجمهوري دعوة الكتل السياسية للتشاور بشأن تسمية رئيس جديد وتكليفه بالعمل على تشكيل حكومة جديدة، ويبقى الخيار محصوراً بين فرضيتين؛ إما حكومة إنقاذ مؤلفة من كافة القوى السياسية، وهنا تواجهها مشكلة من سيرأسها، وإما حكومة تكنوقراط، بحسب ما ترجح العديد من تلك الأوساط اللبنانية.