«الفساد للركب» جملة قالها أحد أهم رموز نظام مبارك الذى اتُّهم بالفساد عقب ثورة 25 يناير، لتمر الأيام ويتعاقب على حكم مصر 4 رؤساء و7 حكومات ولا يزال الفساد للرُّكب، وربما تخطى الرُّكب فى ظل مراحل انتقالية شهدتها مصر. وكعهد المصريين بالمسؤولين يتحدث كثير منهم عن الفساد، لكن لم يتحرك أحد لمواجهته، فعلى الرغم من تعدد الأجهزة الرقابية فى مصر، ووصلت إلى أكثر من 36 جهازا رقابيا تحولت مصر إلى بؤرة فساد، سواء إداريا أو ماليا، واقتصر عمل معظم الجهات الرقابية على كتابة التقارير دون تحويل هذه المخالفات إلى المحاكمات. فلم يعد الوضع يتحمل أكثر من ذلك فسادا بعد مرور ثورتين يأمل المصريون بعدهما فى مواجهة جادة وجدية للفساد، ويأمل أن يجد المواطن الفقير قوت يومه الذى يتسبب الفساد فى عدم الوصول إليه، وحصول الفاسدين عليه. تقارير محلية ودولية تتحدث عن أوضاع الفساد خطوات على الورق للمسؤولين. «التحرير» ترصد من خلال هذا الملف الأجهزة الرقابية فى مصر ودورها ومَن المسؤول عن المراقبة ومَن المسؤول عن المحاسبة. لغز 520 بلاغًا ل«المركزى للمحاسبات» فى أدراج النيابة الجهاز المركزى للمحاسبات يأتى فى مقدمة الأجهزة الرقابية المنوط بها مكافحة الفساد، ويعتبر «المركزى للمحاسبات» الأبرز فى مصر، ويقوم بثلاثة أعمال رئيسية هى الرقابة المالية، وتقويم الأداء، والرقابة القانونية على الإدارة المحلية والحكومة المركزية والهيئات العامة والاقتصادية والخدمية، كشف الجهاز عن كثير من قضايا المخالفات المالية والإدارية فى الدولة، فى الوقت الذى لم يبت فيه فى تلك المخالفات ويحاسب كل من وجهت إليه أصابع الاتهام بسرقة المال العام، وعلى الرغم من صدور تقارير دورية من قِبل الجهاز يتم رفعها طبقا للقانون إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء مع استمرار غياب البرلمان، فإن تلك التقارير التى ترصد كثيرا من المخالفات أصبح مكانها أدراج المسؤولين وليست منصة المحاسبة أمام القضاء. رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، كشف ل«التحرير» عن مجموعة من الإحصاءات المهمة التى أرسلها الجهاز بدوره إلى جهات التحقيق فى مخالفات جسيمة تتمثل فى سرقة وإهدار المال العام، موضحا أن إجمالى عدد البلاغات والقضايا التى تم إرسالها من الجهاز المركزى للمحاسبات إلى النيابة العامة منذ عام 2011، أى منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الآن، وصلت إلى 520 بلاغا، 25 بلاغا منها لم يُرد إلى الجهاز ما يفيد التحقيق فيها أو حفظها، و93 بلاغا منها تم فتح التحقيق فيها، و9 قضايا تم الحكم فيها بالإدانة، و28 بلاغا تم حفظها. جنينة أضاف أن هناك أيضا 227 بلاغا من «المركزى للمحاسبات» إلى النيابة الإدارية فى قضايا فساد، و65 بلاغا تم إرسالها إلى جهاز الكسب غير المشروع ولم يرد إلى الجهاز المركزى للمحاسبات أى رد من جهاز الكسب غير المشروع، وكان من أبرز القضايا التى تحمل مخالفات مالية كبيرة، وتم إرسالها إلى الكسب غير المشروع، ولم يرد إلى «المركزى للمحاسبات» أى رد بشأنها، كانت قضية «الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات» التى رصد الجهاز خلالها وجود فساد يُقدر ب100 مليون جنيه حصل عليها 89 مستشارا وعضوا بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات. وحول أبرز الملفات والقضايا والبلاغات التى كشفتها تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات خلال الفترة الأخيرة، ولم يتم التحقيق فيها، كان تقرير المستشارين الذين يعملون داخل أجهزة الدولة المختلفة، وكشفت التقارير عن حصول 3 آلاف مستشار فقط على 515 مليون جنيه فى عامين، فضلا عن كشف الجهاز مخالفات مالية تقدر بنحو 26 مليارا فى منطقة الحزام الأخضر فى 6 أكتوبر، منها 30 مليارا تخص الهيئات القضائية، و5٫2 مليار تخص أمن الدولة، و4 مليارات جنيه مخالفات مالية فى تخصيص بعض الأراضى بمدينة الشيخ زايد. رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أضاف أن من بين أبرز قضايا الفساد التى كشفت عنها تقارير الجهاز أيضا، وجود مخالفات وزارة الداخلية تقدر بالمليارات، ورفضوا التعاون مع «المركزفى للمحاسبات» و«الكسب غير المشروع»، وهناك 57 مليون جنيه صادرة بشيك باسم وزير داخلية سابق، دون وجود مستند عن أوجه الصرف، و12 مليون جنيه سنويا «بدل حضور» لجان، لقيادة واحدة فقط من قيادات وزارة الداخلية، و84 مليون جنيه «بدلات» ل7 قيادات بوزارة الداخلية، وهم المسؤولون عن شؤون العاملين فى الوزارة. واستكمل جنينة حديثه كاشفا أن وجود فساد مالى فى توريد الأغذية للشرطة وقطاعات بالصحة وشركات قطاع الأعمال، وإهدار مال عام بمئات الملايين تنفقها شركات تابعة لوزارة البترول تحقق خسائر كبيرة، وحصول نادى القضاة على دعم 8 ملايين جنيه من المال العام دون رقابة، فضلا عن الكشف عن وجود مخالفات بالجملة فى ما يسمى «بطرح البحر» وهى الأراضى التى تنتج عن طرح نهر النيل، وما تم رصده يتجاوز ال18 مليار جنيه على المجرى المائى لنهر النيل، وما خفى كان أعظم، حسب وصفه، مضيفا أن تلك القضايا جزء من القضايا التى كشف عنها الجهاز المركزى للمحاسبات خلال الفترة الأخيرة، مؤكدا أن تلك القضايا سالفة الذكر أمام جهات التحقيق ولم تتم محاسبة المسؤولين عنها حتى الآن. هيئة الرقابة الإدارية: المهام كثيرة والنتائج قليلة هيئة الرقابة الإدارية التى تمثل رأس الحربة الثانى فى الأجهزة الرقابية فى مواجهة ومكافحة الفساد، عقب صدور القرار الجمهورى الأخير بتعيين محمد عرفان رئيسا للهيئة، خلفا للواء محمد عمر هيبة الذى عُين مستشارا لرئيس الجمهورية لمكافحة الفساد، شهدت الهيئة نشاطا يبدو ملحوظا للمواطنين من خلال الإعلان عن ضبط الهيئة لكثير من القضايا والمخالفات، وكانت قضية ضبط الهيئة لعضوين بالنيابة الإدارية وضباط شرطة بالتجارة فى الآثار أبرز تلك القضايا، فضلا عن الإعلان عن ضبط كثير من الموظفين بقضايا رشوة خاصة فى المحليات، ومن المقرر أن تلعب هيئة الرقابة الإدارية دورا ملحوظا فى تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التى يترأسها رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، وتضم فى عضويتها رؤساء الأجهزة الرقابية. ولم يتسن ل«التحرير» الحصول على إحصاءات من هيئة الرقابة الإدارية عن عدد من القضايا التى تم ضبطها بمعرفة الهيئة خلال الفترة الأخيرة، وتم إفادتها بأن هناك تقارير سنوية تعدها الهيئة والتى يتمثل عملها بالكثير من السرية، وتم الإعلان فقط عن بعض القضايا وليس الكل، ولم نجد عبر الموقع الرسمى للهيئة على الإنترنت أى إحصاءات صادرة عن نشاط الهيئة والاكتفاء بنشر مجموعة من الأخبار الصادرة عن الهيئة بضبط بعض القضايا تتمثل غالبيتها فى الرشوة والفساد بالمحليات. وتختص هيئة الرقابة الإدارية، طبقا لقانون إنشائها رقم 54 لسنة 1964، بالبحث والتحرى عن أسباب القصور فى العمل والإنتاج، واقتراح وسائل تلافيها، والكشف عن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية التى تعرقل السير المنتظم للأجهزة العامة، واقتراح وسائل تلافيها ومتابعة تنفيذ القوانين، والتأكد من أن القرارات واللوائح والأنظمة السارية وافية لتحقيق الغرض منها، والكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والفنية التى تقع من العاملين فى أثناء مباشرتهم واجبات وظائفهم أو بسببها، وكشف وضبط الجرائم الجنائية التى تقع من غير العاملين والتى تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة أو الخدمة العامة، فضلا عن بحث الشكاوى التى يقدمها المواطنون عن مخالفة القوانين أو الإهمال فى آداء واجبات الوظيفة ومقترحاتهم فى ما يتراءى لهم أو يلمسونه بقصد تحسين الخدمات وانتظام سير العمل وسرعة إنجازه وبحث ودراسة ما تنشره الصحافة من شكاوى أو تحقيقات صحفية تتناول نواحى الإهمال أو الاستهتار أو سوء الإدارة أو الاستغلال، وكذلك ما تتعرض له وسائل الإعلام المختلفة فى هذه النواحى، ومد رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين بأى بيانات أو معلومات أو دراسات يطلبونها منها، ذلك بالإضافة إلى معاونة الجهاز الحكومى والهيئات العامة وقطاع الأعمال العام فى التحرى عن شاغلى وظائف الإدارة العليا والمرشحين لنيل الأوسمة والنياشين والتحرى عن حالات الكسب غير المشروع، تنفيذا لقانون الكسب غير المشروع، وبناء على ما تقرره هيئات الفحص والتحقيق بإدارة الكسب غير المشروع والتحرى عن العمليات المالية التى يشتبه فى أنها تتضمن غسل أموال بالتنسيق وتبادل المعلومات مع وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزى. رئيس المركز المصري للشفافية: الدولة ليست لديها خطة للمواجهة «الفساد يهدر 200 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة كل عام بما يعادل ربع الموازنة» هكذا بدأ رئيس المركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد والوكيل السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، عاصم عبد المعطى، حديثه مع «التحرير» حول انتشار الفساد فى مصر، مضيفا أن دور الأجهزة الرقابية الرسمية فى مصر غير فاعل، لأنها تفتقر بشكل كبير إلى الاستقلالية فى ظل تبعيتها المباشرة للسلطة التنفيذية التى تخضع قانونا لرقابة تلك الأجهزة، وبطبيعة الحال لن يستقيم دورها الرقابى ما دام تم تعيين رؤساء هذه الأجهزة من قِبل رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، مضيفا أن كثيرا من تقارير كشف المخالفات المالية الصادرة عن الجهاز المركزى للمحاسبات الذى يُفترض أن يكون أحد أضلع مكافحة الفساد فى مصر لا تُفعل ولا يتم الأخذ بتوصياتها ونتائجها، مؤكدا أهمية تعزيز دور الأجهزة الرقابية وفى مقدمتها الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية. رئيس المركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد أضاف أن عكس أسباب الفساد فى مصر يمثل آليات مكافحة الفساد، موضحا أن أهم أسباب الفساد فى مصر عدم الفصل بين السلطات الثلاث «القضائية والتنفيذية والتشريعية»، مما يؤدى إلى توغل السلطة التنفيذية على التشريعية والقضائية، ولذا لا بد من ضرورة الفصل الجاد بين السلطات الثلاث ووقف توغل السلطة التنفذية على السلطات القضائية والتشريعية، مشيرا إلى أن استمرار غياب البرلمان وامتلاك السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية جزء من الفساد مقارنة بالدول الديمقراطية، مضيفا أن من أسباب الفساد أيضا محاولة بعض الجهات خلال السنوات الأخيرة ترسيخ أنها جهات سيادة، فأصبحت جهات فوق سلطة القانون، مشيرا إلى أنه من آليات مواجهة الفساد أن لا تكون «الرئاسة» أو «الداخلية» أو القضاء أو أى جهة فوق القانون، والكل يخضع للرقابة والمحاسبة ما دام يدعم من أموال الشعب، وأن السيادة لله ثم للشعب، وليس لشخص أو لسلطة، لافتا إلى أنه قبل ذلك الأسباب وبعدها لا بد من وجود إرادة سياسية جادة من قِبل الدولة فى مواجهة ومكافحة الفساد، والإرادة السياسية لا تقتصر على شخص رئيس الجمهورية فقط إنما تتسع إلا كل المسؤولين فى الدولة. عبد المعطى أشار، فى الوقت نفسه، إلى أن الدولة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن ليست لديها خطة واضحة لمكافحة الفساد وتعمل بطريقة موسمية، أى تكون رد فعل للتقارير الدولية التى تشير إلى الفساد فى مصر، مؤكدا أن مصر بحاجة إلى خطة عاجلة لمحاربة الفساد، وتلك الخطة تتطلب أولا تحديد أسباب الفساد، تمهيدا لاتخاذ إجراءات لمعالجته. وحول إعلان الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد «2014- 2018» برئاسة رئيس الوزراء إبراهيم محلب، قال عبد المعطى إن تلك الاستراتيجية ليست الأولى من نوعها، كما زعم البعض، ولكن تلك البنود مع إجراء بعض التعديلات تشبه تماما استراتيجية مكافحة الفساد التى صدرت فى عام 2007 برئاسة وزير التنمية الإدارية، ثم تطورت وأصبحت استراتيجية برئاسة وزير العدل فى عام 2010، وأصبحت فى عام 2014 برئاسة رئيس الوزراء، مضيفا أن ما جاء فى هذه الاستراتيجيات كان ولا يزال «حبرا على ورق»، وننتظر ما هو عكس ذلك على أرض الواقع، وليس فقط خلال الإعلان عنه فى المؤتمرات الصحفية والتصريحات الإعلامية. وفى ما يخص تعيين رئيس الجمهورية مستشارا له لمكافحة الفساد وهو اللواء محمد عمر هيبة الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية الأمر الذى يعد الأول من نوعه فى تاريخ مصر، قال رئيس المركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد إن هذا التعيين يأتى كنوع من التكريم بعد انتهاء عمله من رئاسة الرقابة الإدارية، مضيفا أن فى مصر من تتنتهى مدته أو تتم إقالته من منصب قيادى يتم تعيينه مستشارا سواء للرئيس أو رئيس الوزراء أو الوزير. منظمة الشفافية الدولية: مصر تحتل المركز 94 من بين 175 دولة في مؤشر الفساد لعام 2014 احتلت مصر فى العام الماضى 2014، طبقا لآخر تقرير صادر من منظمة الشفافية الدولية، المركز 94 من بين 175 دولة شملها المؤشر، مقابل المركز 114 العام قبل الماضى، فبحسب الشفافية الدولية، المعنية بمكافحة الفساد، تحسن وضع مصر على مؤشر الفساد 5 درجات فى 2014، حيث سجلت 37 درجة، مقابل 32 العام الماضى، فكلما اقتربت درجة الدولة على المؤشر، الذى يقيس مستويات النزاهة سنويا فى مختلف دول العالم، من صفر كلما دل ذلك على أن تلك الدولة أكثر فسادا، وكلما اقتربت من 100 عكس ذلك زيادة نزاهتها. ورغم أن مصر «من كبرى الدول التى أحرزت تحسنا فى مكافحة الفساد خلال العام الحالى»، بحسب تعبير المنظمة، فإنها ما زالت أقل من المعدل العالمى البالغ 43 درجة ومن معدل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغ 38. «مؤشر الفساد يقيس فقط مستوى الشفافية فى القطاع العام، ولا يعكس منظومة النزاهة فى الدولة بشكل كامل»، هكذا أشارت لمياء كلاوى، المنسقة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى منظمة الشفافية الدولية، فى تصريحات لوكالة «رويترز»، تعليقا على ترتيب مصر فى تقرير المنظمة الدولية، مشيرة إلى أن مصر ما زالت «محتاجة إلى شغل كتير وجاد». كلاوى أشارت إلى التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد فى مصر ما زالت فى حاجة إلى إعادة نظر، فهى قاصرة وغير متوافقة مع الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها، وحتى القوانين الموجودة لمكافحة الفاسدة فإنها غير مفعلة، مثل قانون الذمة المالية «هل لدى مصر آلية يستطيع من خلالها المواطن التأكد من أن المسؤول الذى أعلن عن بيع حصص له فى شركات بعد توليه منصب عام قام بذلك فعلا؟ ونستمع إلى كلام مرسل ولا توجد آلية لمتابعة تنفيذه». مستشار الرئيس غياب فى أوائل أبريل الماضى أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى قرارا بتعيين اللواء محمد عمر هيبة مستشارا لرئيس الجمهورية لمكافحة الفساد، بعد انتهاء فترة عمله رئيسا لهيئة الرقابة الإدارية. وحسب البيان الرئاسى آنذاك فقد أوضح أن منصب مستشار الرئيس لمكافحة الفساد سيكون متابعة وضمان تحقيق التعاون والتنسيق بين هيئة الرقابة الإدارية ومختلف الأجهزة الأمنية إحدى المهام الأساسية التى سيضطلع بها محمد عمر هيبة، فضلا عن تقديم مقترحات وأفكار عملية لتطوير منظومة مكافحة الفساد بوجهٍ عام. وينتظر المجتمع كثيرا من رئيس الجمهورية فى اتخاذ خطوات جادة فى مكافحة ومواجهة الفساد والتى قد تتوقف على وجود إرادة سياسية للدولة ووجود استشارات واضحة من مستشار الرئيس لوضع آليات جديدة فى مواجهة الفساد. وفى الوقت الذى تعانى فيه الدولة من غياب التنسيق بين الأجهزة الرقابية وأجهزة التحقيق، فمن المنتظر أن يكون للواء محمد عمر هيبة دور فى عملية التنسيق بين كل الأجهزة المنوط لها الرقابة والتحقيق، فضلا عن التنسيق مع الأجهزة الأمنية حسبما أوضحت رئاسة الجمهورية، وكان الرئيس السيسى قد أكد خلال زيارته لهيئة الرقابة الإدارية واجتماعه بأعضاء الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الدعم الكامل للأجهزة الرقابية، والتى يحتاج المجتمع المصرى إلى دورها اليوم أكثر من أى وقت مضى، منوها بأهمية التنسيق بين الأجهزة الرقابية، إعمالا لمواد الدستور المصرى فى هذا الصدد، وموجها المزيد من التعاون والتنسيق فى ما بين مؤسسات الدولة لما فى ذلك من مصلحة لمصر، وصالح الدولة ومالها العام، وكذا صالح المواطن المصرى. الدستور ينتصر والتفعيل في الثلاجة حدد دستور 2014 الذى وافق عليه ما يقرب من 97% من الشعب المصرى صلاحيات الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، ونصت المادة «215» على أن يحدد القانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية. وتتمتع تلك الهيئات والأجهزة بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها. وتعد من تلك الهيئات والأجهزة البنك المركزى والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزى للمحاسبات، هيئة الرقابة الإدارية، بينما نصت المادة «216» على أن يصدر بتشكيل كل هيئة مستقلة أو جهاز رقابى قانون، يحدد اختصاصاتها، ونظام عملها، وضمانات استقلالها، والحماية اللازمة لأعضائها، وسائر أوضاعهم الوظيفية، بما يكفل لهم الحياد والاستقلال. يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أى منهم من منصبه إلا فى الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء. أما المادة «217» فقد نصت على أن تقدم الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية تقارير سنوية إلى كل من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، فور صدورها. وعلى مجلس النواب أن ينظرها، ويتخذ الإجراء المناسب حيالها فى مدة لا تجاوز 4 أشهر من تاريخ ورودها إليه، وتنشر هذه التقارير على الرأى العام، وتبلغ الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات، أو جرائم، وعليها أن تتخذ اللازم حيال تلك التقارير خلال مدة محددة، وذلك كله وفقا لأحكام القانون. المتحدث باسم اللجنة الفرعية لمكافحة الفساد: المجتمع تعايش مع الفساد 30 سنة.. والأمل في البرلمان فى نهايات عام 2014 اجتمع الرئيس السيسى بأعضاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد، وبعدها بأشهر قليلة أعلن رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التى انبثقت عنها اللجنة الفرعية التنسيقة لمكافحة الفساد، وتعمل تلك اللجان لتحقيق أهداف محددة لمكافحة الفساد بالتعاون مع الأجهزة الرقابية وممثلى أجهزة الدولة. وبعد ما يقرب من 5 أشهر من العمل على تحقيق تلك الأهداف، «التحرير» تجرى حوارًا مع المتحدث باسم اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد جيلان عباس، للوقوف حول ما تم إنجازه من أعمال تلك اللجنة، التى تكشف عن وجود حصر للتعديات على أراضى الدولة، فضلا عن البدء فى إعداد مؤشر وطنى عن الفساد فى كل مؤسسات الدولة وإلى نص الحوار.. ■ فى البداية.. ماذا تحقق من أهداف عمل اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد حتى الآن؟ - أولا، لا بد أن نوضح أن عمل «مكافحة الفساد» ينقسم إلى شقين، الأول هو منع الفساد، والثانى التحريات حول وقائع الفساد، وفى آخر 30 عاما فى مصر ساءت الأوضاع للغاية فى ما يخص الفساد، إلا أن المجتمع تقبل الفساد فى بعض الأوقات، أما الآن فقد تكون الظروف مواتية لمكافحة الفساد، ونحن فى اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد منذ إعلان الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد قبل خمسة أشهر وحتى الآن، انتهينا من إعداد تقييم شامل لحجم التعديات على أراضى الدولة، التى تعتبر مالا عاما مهدرا، حيث أصبح لدينا حصر كامل بهذه التعديات، ووضعنا 5 مراحل لتنفيذ إزالة تلك التعديات، وتم تنفيذ المرحلة الأولى، وسنبدأ قريبًا فى المرحلة الثانية من التنفيذ. ■ وما نتائج الحصر على التعديات على أراضى الدولة.. نريد توضيحًا عما تم تنفيذه خلال المرحلة الأولى؟ - الحصر الذى أعدته اللجنة بمشاركة الأجهزة الرقابية وبالتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة، كشف أن التعديات على أراضى أملاك الدولة التى يتم إزالتها بلغت مساحتها نحو 515 ألف فدان بمتوسط قيمة تقديرية 206 مليارات جنيه، إضافة إلى وجود مساحة 63 ألف فدان أراض تملكها الدولة، وتم بيعها من خلال هيئة التنمية الزراعية ووزارة الإسكان وهيئة الإصلاح الزراعى، وتبين وجود مخالفات بتلك الأراضى. المرحلة الأولى من عملية التنفيذ أسفرت أخيرًا عن إزالة التعديات عن 134 ألف فدان، إضافة إلى تحرير 106 محاضر، بإجمالى قيمة تقديرية 150 مليارا، وتلك المرحلة تمت فى مدينة السادات و16 محافظة، وتمت منذ بداية فبراير الماضى، حيث تمت إزالة مساحة 56 ألف فدان بمدينة السادات، وقيمة تلك الأراضى وصلت إلى نحو 140 مليار جنيه، ووافق رئيس الوزراء على إسناد الأعمال فى هذه الأراضى إلى شركة «المقاولون العرب» حتى لا يمكن إعادة الاستيلاء عليها، بينما تمت إزالة 2228 فدانا فى 16 محافظة، وبلغت قيمتها 2. 8 مليار جنيه، وانتهت المرحلة الأولى، وفى انتظار تنفيذ المرحلة الثانية وحتى المرحلة الخامسة. ■ نستكمل ما تم تحقيقه من قبل اللجنة منذ بداية عملها حتى الآن. - نعمل داخل اللجنة على إعداد مؤشر قومى لمعدلات ونسب الفساد، لكى نعمل فى طريق صحيح فى مكافحة الفساد، وتم التنسيق مؤخرًا بين اللجنة الفرعية لمكافحة الفساد برئاسة اللواء محمد عرفان، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، ومركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء لإعداد مؤشر قومى للفساد فى مصر على أن يتم إعلان هذا المؤشر قريبًا، وهذا المؤشر سيسلط الضوء على نسب الفساد فى كل هيئة أو مصلحة حكومية وفى ضوء ذلك سيتم إعادة ترتيب أولويات عمل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، ومن بين الملفات التى تم الانتهاء منها تمت مكينة نيابات المرور فى الدولة كبداية لتطوير وحدات الجهاز الإدارى للدولة، إضافة إلى أن صدور القانون الجديد للعاملين فى الدولة جاء من عمل لجنة مكافحة الفساد. ■ لكن كيف يثق المواطن فى مؤشر فساد صادر من مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فى حين أن من مهام اللجنة مكافحة الفساد فى كل أجهزة الدولة وعلى رأسها السلطة التنفيذية؟ - لا يوجد فى مصر حتى هذه اللحظة مؤشر وطنى عن الفساد، وأى عمل قد يقبل الصواب والخطأ، والزملاء فى مركز دعم واتخاذ القرار التابع مجلس الوزراء لديهم قيمة علمية تجعلهم قادرين على وضع مؤشر الفساد، لأنهم يعملون وفقا لآليات محددة، ولن نستطيع أن نتأخر عن العالم أكثر من هذا، والأصل فى الأشياء حسن النية، وهناك دور الإعلام الذى سيراقب نتائج هذا المؤشر، ونتائج التحرك فى مكافحة الفساد. ■ وما مدى التعاون بين أجهزة الدولة وبين اللجنة لرصد الفساد؟ - إذا ضربنا مثالا بما سبق ذكره حول حصر التعديات على أراضى الدولة، فهذا الحصر تم بمشاركة كل الأجهزة الرقابية بالتنسيق مع أجهزة الدولة، وبعد التأكد من تلك الإحصائيات تم بدء التنفيذ، ومن إحدى مزايا اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الوزراء شخصيا أنها تبدأ فى التنفيذ المباشر مع وجود إرادة سياسية حقيقية فى الدولة لمحاربة ظاهرة الفساد، التى استشرت فى الفترة الماضية، ولدينا إصرار على التنفيذ على أرض الواقع، ولدينا يقين أنه إذا لم نصوب أخطاءنا فلن نحقق التنمية المطلوبة. ■ من بين أهداف الاستراتيجية سن وتحديث التشريعات الداعمة لمكافحة الفساد وتطوير الإجراءات القضائية لتحقيق العدالة الناجزة.. هل تم تحقيق تلك الأهداف لتفادى أخطاء الماضى؟ - الحكم القضائى دائما عنوان الحقيقة، والقاضى يحكم بما لديه من أوراق، وتأتى البراءة أوالإدانة فى ضوء ذلك، ونحن فى حاجة إلى سن تشريعات تعزز وتدعم مكافحة الفساد، وهناك بعض التشريعات تم تعديلها لتحقيق ردع أكبر للجرائم المتعلقة بالفساد، وفى ما يخص بطء إجراءات التقاضى نعمل على هذا الملف، ويأتى ضمن أولوياتنا، ونحن فى انتظار البرلمان لتفعيل أكبر قدر من سن التشريعات. ■ تحدثت عن وجود إرادة سياسية فى الدولة لمكافحة الفساد.. ما ترجمة هذا الأمر على أرض الواقع؟ - فى عام 2010 كانت لجنة مكافحة الفسادة برئاسة وزير العدل، والآن أصبحت برئاسة رئيس الوزراء، وهذا يدل على وجود إرادة سياسية، لأن شخص رئيس الوزراء يمتلك الكثير من الصلاحيات التى تجعله قادرا على مكافحة الفساد، وكل أعمال اللجنة الفرعية تعرض على رئيس مجلس الوزراء، ويلتقى بأعضاء اللجنة بصورة دورية سواء للتوجيه أو لمناقشة الملفات التى يتم العمل عليها، ويطرح رؤيته، ورئيس الوزراء يعرض على رئيس الجمهورية تلك الملفات، والدولة لديها نية حقيقية فى أن تجذع الفساد من جذوره، والعمل على تحديث التشريعات، وتعزيز دور الرقابة دلائل تثبت ذلك. ■ لكن دائما البعض يرى أن هناك أشخاصا فى مصر فوق القانون.. كيف ترى ذلك؟ - لا يوجد أحد فوق القانون، ولا يوجد أحد تحته خط أحمر، والخط الأحمر هو القانون، وأى مواطن يجب أن يعامل بطريقة قانونية، البعض فى الماضى كان يفلت من العدالة بسبب أخطاء وقعت فى الماضى، أما الآن فالكل أمام القانون سواء، ولا حصانة ولا حماية لفاسد، والأجهزة الرقابية تعلن دوريا عن ضبط قضايا الفساد، ويتم محاسبة هؤلاء، ونحن نعمل على زيادة الردع فى القوانين التى تخص الفساد. ■ منظمة الشفافية أظهرت أن مصر فى المركز 94 من بين 175 دولة فى مؤشر الفساد لعام 2014.. كيف ترون هذا المؤشر؟ - مؤشر الشفافية والنزاهة أظهر تحسنا فى مؤشر الفساد فى تقرير عام 2014 مقارنة بعام 2013، وقد يكون هذا مقاربا للصواب فى بعض النقاط، ونضع كل هذه الأمور فى طاولة النقاشات، وفى المقابل لدينا إصرار على ضرورة وجود مؤشر وطنى، خصوصا أن المعايير الدولية لقياس الفساد تكون متقاربة. ■ متى يشعر المواطن بأن مصر تواجه الفساد؟ - نأمل أن يكون المواطن الآن لديه شعور بأن الدولة تكافح الفساد، ونأمل على المدى الزمنى القريب تحقيق بعض الأهداف الرئيسية للاستراتيجية وأن يشعر المواطن بأن الدولة حققت إنجازا كبيرا فى بعض القطاعات الملموسة لديه فى الشارع. نظريات تواجه صعوبة التطبيق فى الواقع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتى وضعتها الحكومة بالتعاون مع الأجهزة الرقابية فى مصر وأعلنها رئيس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، فى نهاية العام الماضى، وتسرى خلال الفترة من نهاية 2014 حتى عام 2018، تهدف إلى التعاون والتنسيق بين الحكومة والأجهزة الرقابية فى مصر لمكافحة الفساد وفق آليات محددة تتضمنها الاستراتيجية، ورغم مرور عدة أشهر فإن المصريين ينتظرون تغيرات على أرض الواقع والتى لم يروها حتى الآن. وتقسم الاستراتيجية ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول منها يتضمن مشكلة الفساد فى مصر وتعريفه وقياسه وأسبابه، والقسم الثانى يتضمن الإطار العام لاستراتيجية مكافحة الفساد «المبادئ التى استندت إليها ومدة الاستراتيجية والجهات المشاركة فى التنفيذ»، بينما يتضمن الجزء الثالث والأخير من هذه الاستراتيجية الرؤية والرسالة والأهداف الرئيسية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والخطة الرئيسة التنفيذية للاستراتيجية. وتضم اللجنة التنسيقية العليا لمكافحة الفساد، التى يترأسها رئيس الوزراء، فى عضويتها وزير العدل ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية والنيابة الإدارية وجهاز الكسب غير المشروع والنيابة العامة والمخابرات العامة. وجاء الهدف من الاستراتيجية وضع الأهداف والسياسات والبرامج والآليات التى تكفل محاصرة الفساد وتفعيل ثقافة مجتمعية رافضة للفساد.