كتب: هاني ياسين - باهر القاضي - محمد البرمي - زكية هداية تبدو العلاقة بين المشايخ والسلطة متشابكة للغاية فى مصر، وما بين رئيس يتقرب وشيخ يسعى، أو رئيس متحفظ، وشيخ قلق، تظل ثنائية «الشيخ - الحاكم» غير قابلة للاختفاء، إلا بعد ترسيخ قواعد دولة مدنية حقيقية، لا يتدخل فى شؤونها أو شؤون مواطنيها رجال الدين، ولا يطبق فيها إلا القانون. فى السنوات السابقة لثورة يناير، اختفى رجل الدين المعارض للسلطة إلا قليلًا، وعقب الثورة، وبعدما أصبح هامش الحرية والحركة مفتوحًا، ظهر رجال دين، وقد أعلنوا انحيازهم لاختيار الشعب، إلا أن بعضهم عاد مرة أخرى واختار الانحياز للسلطة المتمثلة فى المجلس العسكرى الذى نصره ظالما ومظلوما، ولما وصل أول رئيس إخوانى إلى المنصب الأهم فى مصر، أدرك بعض محترفى العمل مع السلطة من الشيوخ، أن هذا هو زمنهم، فكان أن ارتموا فى حضن الإخوان إلا من رحم ربى. ولما قامت ثورة 30 يونيو، وبدا واضحا للجميع أن السنوات المقبلة سيكون فيها الدور الأبرز للفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع آنذاك، أصبح الرجل هدفهم من أجل البقاء فى دائرة السلطة والضوء، فلما انتخب رئيسا، وبدا واضحا تطلعه إلى تجديد الخطاب الدينى، عاد نفس الشيوخ ليمارسوا دورهم فى التقرب من السلطة، دون أن يسعوا إلى تجديد خطابهم الدينى. فى السطور المقبلة، رصد لعدد من الشيوخ الذين اقتربوا من السلطة - أى سلطة - فطالتهم الأضواء والنار، فمنهم من نجا بنفسه ومنهم من اختار مصيرًا آخر. أسامة الأزهرى.. الإخوانى المنشق الذى أصبح مستشارًا دينيًّا للرئيس بدأ نجمه يلمع عقب استضافته فى برنامج «ممكن» على قناة «cbc» رغم أنه لم يكن أحد يسمع عنه قبل ظهوره بالبرنامج، وبين لحظة وأخرى صار الأزهرى الذى قدم من محافظة سوهاج، محط الأنظار وبالقرب من دائرة صناع القرار فى مصر. لم يتخط أسامة السيد محمود محمد الأزهرى، الأربعين من عمره، إلا أنه فى سرعة البرق صار محط الأنظار وتم اختياره من قبل مؤسسة الرئاسة ليصبح المستشار الدينى للرئيس، كما خطب وصلى بالرئيس السيسى وكبار رجال الدولة فى صلاة عيد الفطر الماضية، وكان من بين الحضور شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتى الجمهورية، وهو ما يدل على مقدار المكانة التى تبوَّأها الأزهرى لدى الدولة. يتمتع الأزهرى بذكاء وذاكرة قوية تمكنه من الظهور فى الوقت المناسب والاختفاء أيضًا فى الوقت الملائم، كما أنه ينشط فى وقت االحاجة ويختفى أيضًا إذا كان ظهوره لن يضيف إليه شيئًا، ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو ظهوره عقب الضجة التى أثارها إسلام البحيرى، حيث انتظر الناس ظهور عالم يرد عليه ويبين خطأ أفكاره، وهنا ظهر الأزهرى، وعقد عددًا من المحاضرات للدفاع عن صحيح البخارى الذى تناوله البحيرى بالنقد. الأزهرى، رغم كونه بعيدًا عن جماعة الإخوان وعن فكرها، فإن الموسوعة التاريخية للإخوان «ويكى إخوان» على الإنترنت، كانت تنشر سيرته الذاتية ضمن أعلام الحركة الإسلامية، ومن المعلوم أن هذه الموسوعة خاصة بأعلام الدعوة من جماعة الإخوان فقط، ولا يمكن أن يوجد بها ترجمة أو سيرة ذاتية لأحد من العلماء خارج الجماعة، لكن من المهم أن نذكر أن موسوعة «ويكى إخوان» قامت بوضع السيرة الذاتية المختصرة للأزهرى، بعد أن حذفت صفحته الرسمية من الموسوعة فى تاريخ 1 أكتوبر 2011، أى عقب الثورة المصرية بثمانية أشهر لأسباب غير معلومة. والأمر الغريب هو أنه لم يحدث أى انتقاد من قبل الجماعة للأزهرى عكس ما تم قبل ذلك فى حق من خرج من التنظيم وهم كثيرون، طالتهم ألسنة الجماعة بالنقد والتجريح، على الرغم من توليه منصب مستشار الرئيس السيسى للشؤون الدينية. وعلى الرغم من محاولات الأزهرى الحثيثة فى أن يبعد شبهة إخوانيته السابقة، حيث دأب فى أحاديثه على ذلك، فإنه صرح بتاريخ 14/6/2013 لأحد المواقع بانضمامه للجماعة، قائلاً: «انضممت إلى جماعة الإخوان بهدف كشف مخططاتهم وحصلت على وثائق ومستندات كثيرة تؤكد زيفهم وادعاءاتهم، وعلى استعداد أن أحمل (جسدى) على يدى وأنا أهاجمهم»، لكن مع ذلك لم يُخرج أيًّا من هذه المستندات حتى هذه اللحظة أو يوجه انتقادات لهم أو لفكرهم. وأضاف الأزهرى فى تصريح لذات الموقع، أنه حين قام بالانضمام إلى جماعة الإخوان نصحه الشيخ أحمد عمر هاشم، بأن لا يقدم على تلك الخطوة، وقال له «هتلف تلف وترجع تانى يا أزهرى»، مشيرًا إلى أنه حينما انشق عن الجماعة رجع إلى عمر هاشم وهو يبدى امتعاضه من أشياء كثيرة داخل الإخوان لم يفصح عنها. تخرج الأزهرى فى جامعة الأزهر، واختير معيدًا فيها، وبدأ نجمه يظهر ليختاره بعدها الدكتور على جمعة ضمن 30 شابا فى مشروع أشبه بالحوزة العلمية فى إيران، وذلك لإعداد علماء من نوع خاص يُصنعون على يديه، وكان للأزهرى نصيب الأسد من اهتمام جمعة، فبدأ يوفر له السكن والإقامة بالقاهرة ويحوطه بالرعاية ويقدمه للأوساط العليا. لعب جمعة الدور الأهم فى اختيار الأزهرى وتلميعه وإظهاره للإعلام والفضائيات، على الرغم من كونه لا يملك مشروعًا مستقلا أو فكرًا أو رؤية مغايرة، يمكن من خلالها التعويل عليه فى إحداث طفرة دينية يمكن أن ينظر إليها بعين الإعجاب، وكانت بداية ظهوره عندما قدمه الدكتور على جمعة ليلقى خطبة الجمعة بجامع السلطان حسن بالقاهرة، نائبًا عنه لمدة 4 سنوات، منذ عام 2005 م إلى أوائل سنة 2009 م. حرص الأزهرى على أن يظهر فى زى الداعية العصرى الذى يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويكون لديه الحس المشوق فى العرض والاستدلال على الرغم من كونه لا يمتلك زمام الأمر بشكل جيد يؤهله لإحداث نقلة نوعية فى الخطاب الدينى. أسامة الأزهرى هو خطيب ومحاضر أزهرى، ولد فى الإسكندرية 1976، ونشأ فى سوهاج، وحصل على ليسانس أصول الدين - قسم الحديث 1999 ثم درجة الماجستير 2005 والدكتوراه 2011، وعمل معيدًا بقسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بأسيوط سنة 2000 م، ثم مدرسًا مساعدًا بنفس الكلية سنة 2005 م، كما عمل مدرسًا مساعدًا بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بالزقازيق، وخطيبا لمسجد السلطان حسن بالقاهرة، وحاضر فى رواق الأتراك بالأزهر. محمود الشريف نقيب الأشراف.. المقرب من الحزب الوطنى وداعم الإخوان يعد من أهم الشخصيات الدينية، خصوصًا فى الخارج مثل السعودية والكويت وغيرهما من البلدان العربية التى ترتفع نسبة الأشراف بها. نقيب الأشراف ينتمى لعائلة الأشراف بمركز أخميم بمحافظة سوهاج، وكان من أهم الأوراق التى يعتمد عليها الحزب الوطنى فى ماراثون الانتخابات البرلمانية طيلة عهد مبارك، حيث ينتمى إلى نقابة الأشراف أكثر من ثلاثة ملايين مصرى، الأمر الذى جعل للشيخ محمود الشريف ثقلا سياسيا، خصوصًا فى الانتخابات. الشريف تميز بقربه من الحزب الوطنى، حيث جاء نائبًا عنه فى مقعد مجلس الشعب دورة 2005، وتم تعيينه رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، ولأن نجله الأكبر متزوج من إحدى بنات خديجة أحمد كامل ياسين وبنت أحمد عز، فقد سهل له ذلك اختياره نقيبًا للأشراف خلفًا ل«حما أحمد عز»، الشريف كامل ياسين والذى كان يشغل ثلاثة مناصب فى آن واحد وهو شيخ الطريقة الرفاعية ونقيب الأشراف وشيخ مشايخ الطرق الصوفية. وظل الشريف الابن البار للحزب الوطنى حتى قيام ثورة 25 يناير، ودخل فى صدام مع الإخوان عندما أعلن رغبته القوية فى دخول سباق انتخابات الرئاسة عام 2012، وبدأ فى جمع التوكيلات اللازمة للترشح، غير أن اتفاقات سرية تمت بينه وبين الإخوان انتهت إلى اعتذاره، وتحولت العلاقة بينهما إلى محبة وود، حيث دعمت نقابة الأشراف الجماعة ومرسى فى الانتخابات الرئاسية، والدليل على ذلك هو حصول مرسى على نسب عالية من الأصوات فى محافظات الصعيد، خصوصًا فى المناطق التى تشهد تكتلات كبرى للأشراف والصوفية. محمود الشريف لم يبتعد كثيرًا عن سياسة كسب ومجاملة النظام الحاكم، حيث يتبنى سياسة التفاعل مع رئاسة الجمهورية فى عهد السيسى، كما أعلنت النقابة دعمها الشديد لمهمة تجديد الخطاب الدينى وتأييد خطة الرئيس فى دحر الإرهاب، وتم تكريمه ومنحه وسام الجمهورية ضمن الشخصيات الدينية التى تم تكريمها خلال احتفالات الأوقاف بذكرى المولد النبوى مؤخرًا. وفى إطار السعى السياسى لنقيب الأشراف، أكد فى تصريحات صحفية له رغبته الشديدة فى دخول الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث وقع عليه الاختيار كمرشح فى قائمة صحوة مصر عن الصعيد. "عبد الهادي القصبي" عابر للأنظمة.. عابر للأجهزة تربى ونشأ فى بيئة سياسية.. حيث كان والده رحمة الله عليه أحمد القصبى يشغل منصب محافظ الغربية فى عهد مبارك، ثم شيخا لمشايخ الطرق الصوفية، وعضوا بمجلس نقابة الأشراف فى عهد الشيخ أحمد كامل ياسين، وكان على علاقة جيدة بالحزب الوطنى، وبناء على ذلك وقع عليه الاختيار كمحافظ للغربية. علاقة الطريقة القصبية بالحزب الوطنى لم تختف بعد وفاة شيخها أحمد القصبى، بل سلك الشيخ عبد الهادى القصبى مسلك أبيه، وسار قريبًا من صنع القرار بنظام مبارك حتى تمكن من اختراق العادات الصوفية، حيث جرت العادة على أن يتم اختيار شيخ المشايخ من كبار المشايخ عمرا غير أن قانون المشيخة رقم 118 لسنة 1976 لم ينص على ذلك، فبعد وفاة الشيخ أحمد كامل ياسين، الذى ترأس مشيخة الصوفية ونقابة الأشراف معا بكونه حما أحمد عز، اجتمع أعضاء المجلس الأعلى للصوفية فى عام 2008، وتم الاتفاق على أن يكون الشيخ علاء أبو العزائم شيخا للمشايخ، ونتيجة لعلاقة القصبى الصغير بالدولة آنذاك طلب جهاز سيادى عدم إعلان النتيجة، والاختيار حتى الانتهاء من عزاء الشيخ أحمد كامل ياسين، وبعدها فؤجئ أعضاء المجلس بوجود أحد الضباط فى إعلان النتيجة وطلبوا من المشايخ اختيار القصبى، ونتيجة لخوف بعض المشايخ من البطش قاموا بالاقتراع مرة ثانية والتصويت لصالح الشيخ عبد الهادى القصبى شيخا للمشايخ. العلاقة الوطيدة بالدولة التى جمعت عبد الهادى القصبى لم تكتف باختياره شيخا للمشايخ، بل قام القصبى بترشيح نفسه عن الحزب الوطنى بطنطا فى مجلس الشورى دورة 2007- 2012 وفاز بالمقعد، كما شغل منصب أمين لجنة الشباب بالحزب الوطنى عن محافظة الغربية وعضو لجنة السياسات بالمحافظة. حب عائلة القصبى للسلطة ومجاملة النظام الحاكم، لم ترحل برحيل الوطنى بنشوب ثورة 25 يناير، والإطاحة بمبارك ونظامه وحزبه الوطنى، بل قام شيخ مشايخ الصوفية بمغازلة الإخوان وأبدى ترحيبه بمساندة الجماعة سواء فى انتخابات مجلس الشورى أو الرئاسة، لأنه يملك من أصوات الصوفية الكثير، وفى محاباة للإخوان حصل على مقعد بمجلس الشورى المنحل، وذلك بطريق التعيين من قبل مرسى وأصبح عضوًا بالجمعية العمومية لوضع الدستور وقتئذٍ. هذا الرجل الذى يحمل بكالوريس تجارة وكان رئيسا لبنك الائتمان الأمريكى فرع طنطا، لم ير سوى مصلحته، فبعد 30 يونيو واستبعاد الإخوان من الحكم، تبنى نفس السيناريو فأخذ يتقرب ويسعى بشكل جاد للتقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسى، وعندما طالب الرئيس بتجديد الخطاب الدينى سارع وما زال يدلى بالكثير من التصريحات حول أهمية التجديد كسلاح لدحر الإرهاب.
علي جمعة.. مفتى الديار الذى وصف ثورة يناير ب«الفتنة» والمعارضين بالخوارج على جمعة محمد عبد الوهّاب، ولد فى 3 مارس 1952، بمحافظة بنى سويف، وشغل منصب مفتى الديار المصرية ما بين عامى 2003 و2013، ويعد أحد أهم المتحولين سياسيا خلال السنوات الماضية. اشتهر على جمعة بعديد من الفتاوى الدينية والآراء المثيرة للجدل، واختير عام 2009 ضمن أكثر من خمسين شخصية مسلمة مؤثرة فى العالم، حسب تقييم المركز الملكى للبحوث والدراسات الإسلامية بعمّان فى الأردن، وحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس عام 1973، ثم التحق بعدها بجامعة الأزهر الشريف وتخرَّج فيها سنة 1979. له عديد من الفتاوى التى أثارت جدلا، ومنها تصريحه بأن ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية من آل البيت، موضحا أن شخصا يدعى الهاشمى هو جد إليزابيث، وأنها لم تُسلم، لأن الإنجليز أرغموا جدها عنوة على التنصر، كما أفتى بأن غرقى الهجرة غير الشرعية ليسوا شهداء، وكان بمثابة بوق للسلطة خلال حكم مبارك، ومن أشهر مقولاته إن «حسنى مبارك هو ربّ الأسرة المصرية ومبارك هو القائد الفارس النبيل - علاء مبارك وزوجته وابنُهما سيَدخُلون الجنة - التصوف هو الدين رغم أنف المنكرين - الشيعة طائفة متطورة ولا حرج من التعبد على مذهبها - طلاق المصريين لا يقع لأنهم يقولون «طالئ» وليس طالق - كما قال إن النقاب ثقافة عفنة». وفى يوم 3 مارس 2009 احتفل على جمعة بعيد ميلاده ال57 فى ضيافة نادى ليونز مصر الدولى بحضور عدد من الفنانين، إلى جانب عدد من رجال الأعمال، ومنهم هانى عزيز المتهم بالفساد، الذى صدر فى حقه أكثر من 27 حكما قضائيًّا غيابيًّا بالسجن. وأفتى المفتى الأسبق ليلة الجمعة 3 فبراير 2011، أى قبل سقوط مبارك بأيام، بضرورة إسقاط فرض صلاة الجمعة درءا للفتنة، وحتى لا يسقط مبارك، كما أفتى فى أثناء حكم مبارك بعدم جواز الخروج على الحاكم، مؤكدا أن الداعين إلى ثورة يناير وقتها يوقظون الفتنة فى المجتمع، ثم تراجع عن فتواه بضرورة التظاهر لخلع حكم الإخوان. وبعد إسقاط حكم مبارك وإقالته من منصبه وصعود الإخوان إلى سدة الحكم، ابتعد جمعة عن الأضواء، ولم يعد إلا بعد ظهور حركة تمرد، التى دعت إلى خلع مرسى باستمارات سحب الثقة، ومن فتاواه المثيرة ضرورة قتل كل من ينزل للتظاهر فى أثناء حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى، واصفا إياهم بالخوارج الذين يجب قتلهم. جمعة قال إن الزواج العرفى يسبب بعض المآسى الاجتماعية، ولكن الزواج العرفى «اللى فى النور»، واستوفى أركانه بأن كان به قبول وإيجاب وخالٍ من الموانع الشرعية وبه إشهار وشاهدان وبمعرفة الولى هو زواج «حلال»، موضحا أن هناك من تتزوج من غير وثيقة، لأنها تريد أن تبتعد عن الفاحشة، وليس لديها نفقات ولا تريد أن ينقطع معاشها مثلا، قائلا: «يمكنها أن تتزوج دون مأذون أو وثيقة لعدم قطع المعاش». وأفتى جمعة بأن الزواج بكل صوره لو استوفى الأركان والشروط فهو حلال، قائلا: «ممكن الحاجة تبقى صحيحة ولكنها حرام»، لأنه يرتكب شيئا يترتب عليه الضرر، وصحيح، لأنه استوفى أركانه، فهناك مثلا شاب يتزوج فتاة «عرفى» ثم يتركها بحجة أن هذا الزواج حرام عندما تحمل، ولكن ما تحمله البنت فى بطنها هو ابنه الذى سيرثه، ولا يمكن أن نقول إنه زنى، حتى لا يتم إيقاع البنات فى مشكلة.
"سعد الدين الهلالي" معارضة السلطان الجائر بأوان.. وحساب الدكتور سعد الدين مسعد أحمد حسن هلالى، مواليد 195، أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، يعد أحد أهم المتحولين فى مصر، الذين تغيرت مواقفهم عبر مراحل مختلفة، بدءا من حكم الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك وخلال عهد الإخوان، وفى أثناء تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مهام رئاسة الجمهورية. اشتهر الهلالى بفتاواه الغريبة، وأهمها الفتوى التى اعتبر فيها الراقصة لو ماتت فى أثناء ذهابها للعمل شهيدة، مستندا إلى أن كل من مات فى الدين بوجه حق ولم تكن موتته طبيعية يعد شهيدا، وفتوى إباحة شرب البيرة، التى قال إنها ليست متخذة من العنب، بل من الشعير، وهذا الشراب قال عنه أبو حنيفة إن القدر القليل منه لا يُسكر وليس حراما، وفتاوى أخرى أجازت تأخير الصلاة وجمعها دون عذر. وطالب الهلالى، أيضا بتطبيق حد الحرابة على «المخربين والإرهابيين» بسبب أفعالهم ضد الوطن، قائلا: «كل شىء بالقانون، والقانون مأخوذ من الفقه، والفقه به حد الحرابة، ونطالب بتطبيق أقصى عقوبة على المجرمين والقصاص العادل، وكل ذلك بالقانون، ووفقا لما جاء فى القرآن الكريم، موضحا أن الحكومة تسير بقول الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله…)»، وأفتى الهلالى أيضا بأن المصريين جميعهم «مسلمون»، وليس شرطا الإيمان بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم. وأصدر أبو قتادة القيادى بتنظيم داعش فتوى تؤكد أن الهلالى عدو الله وتبيح إهدار دمه. وقد تم تعيين الهلالى بالأمر المباشر بأكثر من عشر وظائف فى الأماكن الحيوية داخل وخارج جامعة الأزهر الشريف، من أهمها: أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، عضو بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضو اللجنة الدينية باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعضو لجنة المساعى الحميدة بوزارة العدل، وعضو اللجنة الدائمة لترقيات الأساتذة فى جامعة الأزهر، وكذلك عضو مجلس إدارة مجلة دار الإفتاء، بالإضافة إلى رئاسة هيئه الرقابة الشرعية فى المصرف المتحد. كما يكتب الهلالي مقالًا أسبوعيًا بعنوان فقه المصريين بجريدة «أخبار اليوم»، وتمت مكافأته بأكثر من جائزة، منها جائزة الدولة التشجيعية فى مصر، وجائزة النيل (مبارك سابقا) عام 2010. ثم أيد ثورة 25 يناير، حينما نزلت الجماهير للمطالبة بخلع مبارك من الحكم، قائلا إنه حاكم فاسد يجوز الخروج عليه، وصمت خلال فترة حكم الإخوان ولم يعارض مرسى إلا بعد المطالبات بخلعه، ودعم حركة تمرد وأفتى بأنه لا يوجد نظام حكم إسلامى ولا ما يسمى بالدولة الإسلامية. وقال عن الرئيس السيسى واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق، إنهم أنبياء ورسل جاؤوا لتخليص المصريين من الحكم الإخوانى ثم تراجع عن هذه الفتوى. وتولى رئاسة مجلس إدارة مجمع الإيمان بالمنصورة، ومن مؤسسيه، وهو مجمع تابع لوزارة التضامن الاجتماعى. حصل الهلالى على درجة الأستاذية عام 1996، وأشرف وناقش العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه فى جامعة الأزهر وعديد من الجامعات المصرية والعربية. مظهر شاهين.. أبيض وأسود وكل الألوان عرف مظهر شاهين منذ بدايته الطريق الصحيح لتحقيق الشهرة، فتارة بلحية وجبة وقفطان، وأخرى بملابس كاجوال. الرجل الذى منحته ثورة يناير قفزة لم يكن يتخيلها، فأسماه الثوار «خطيب الثورة»، وحظى بما لم يحظ به من هم فى سنه الصغيرة وقتها بتعيينه إماما لمسجد عمر مكرم. طريقه للدعوة بدأه منذ دراسته فى كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، وتدرج إلى قمته بحصوله على ماجستير فى البلاغة القرآنية من نفس الجامعة، ليصير شاهين إلى جانب كونه خطيبا وإماما لمسجد عمر مكرم مذيعا لأحد البرامج فى قناة «الناس» المملوكة للإخوانى عاطف عبد الرشيد، وقناة «الرحمة» لصاحبها محمد حسان، ثم خرج فى أكثر من مرة معلنا فخره بأنه تلميذ لدى محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحوينى، ثم بعد ثورة 30 يونيو وصفهم بأفظع ما يمكن أن يصف به الداعية، وحتى رجل الشارع العادى، رجلا آخر. نجاح ثورة يناير منح مظهر شاهين فرصة ليعيد حساباته الخاطئة، التى وضحت فى دفاعه المستميت عن مبارك يوم موقعة الجمل، وخروجه للمطالبة ببقائه، حتى لا تدخل البلاد فى فوضى. كان ضيفا وقتها على قناة «الفراعين» المملوكة لتوفيق عكاشة، لكن كل ذلك نساه الناس بعد سيره على درب الثورة. انتقل من القنوات الإسلامية التى أغلقت إلى فضائيات أخرى. تقرب أكثر من الإخوان والسلفيين وتحولت برامجه إلى منابر للدفاع عنهم والهجوم على غيرهم، بل كان يعد بنفسه ويشرف على منصة الجماعة فى ميدان التحرير، ممسكًا «بالمايك» لصفوت حجازى الداعية الإخوانى، ومقبلا ليد الشيخ يوسف القرضاوى، ومستقبلا لرجال الجماعة، وضيفا دائما على موائدهم ومكتب إرشادهم حتى تم لهم الأمر ووصلوا إلى كرسى الرئاسة. وقف الرجل على منبر مسجد عمر مكرم معلنا بصراحة أن أخونة الدولة أفضل من عكشنتها وفلفلتها «نسبة للفلول»، مؤكدا أن الإخوان خيار جيد، وطالب بتفعيل القانون ضد الخارجين عن الشرعية وضد مَن يحاول أن يحرق أو يهدم هذا الوطن. انتظر الرجل كثيرا ليكون واحدًا ممن يتولون منصبا وزاريا «كوزير للأوقاف» أو غيره، إلا أن الرجل سرعان ما طُرد من جنة الجماعة، فبدأ موسم الحرب بالهجوم عليهم فى برامجه، ودخل فى صفوف المعارضين والمهاجمين، وفتحت قنوات أخرى الباب أمامه، فكان ضيفا مستمرا عليها، لكن يبقى السر الأول فى انقلابه حين أصدر طلعت عفيفى، وزير أوقاف الإخوان، قرارًا بمنعه من صعود منبر مسجد عمر مكرم، لكنه تحدى الوزارة وحشد بعض مؤيديه وصعد المنبر بالقوة واعتدى على الإمام الموجود. وهكذا يمضى الرجل المؤمن والداعية والمذيع والسياسى وخطيب الثورتين يناير ويونيو طريقه الدينى ودعمه الكبير للرئيس عبد الفتاح السيسى والجيش المصرى فى حربه ضد الإرهاب، ولا يزال حتى اليوم محتفظا بمنبره فى عمر مكرم كل جمعة رغم أضواء الشهرة والإعلام والبرامج الفضائية. تحول الرجل من صفوف ثورة يناير إلى صفوف ثورة يونيو ومن مدافعى ثورة يناير إلى مهاجميها ومتهمى بعض شبابها بتلقى التمويلات من الخارج، كما حاول أكثر من مرة الدخول فى زمرة الرئيس السيسى وشكل جمعية أسسها تحت رئاسته باسم «ضد الإخوان والدفاع عن مصر»، وحتى الآن لم يستقر الداعية على أى وجهة يمكن أن يولى وجهه إليها. أسامة القوصى.. العائد من التكفير إلى التبجيل ظهر إعلاميا عقب ثورة 25 يناير، ولم يكن وجها جديدا، ولكنه لم يكن معروفا إلا فى وسط الدعاة. اشتهر القوصى بفتاواه التى وصفت بال«الشاذة»، ومنها فتوى إجازة عمل المرأة راقصة وإباحة مشاهدة الأفلام الإباحية. درس القوصى فى كلية الطب وانضم إلى جماعة «التكفير والهجرة»، التى أنشأها شكرى مصطفى، وتعتمد هذه الجماعة على تكفير مرتكب الكبيرة، كما هو مذهب الخوارج قديما وطعنهم فى الصحابة وردهم لأقوالهم، ويتعاملون مع الإسلام باعتباره يتمثل فى جملة من الفرائض التى يجب أداؤها، فمن لم يؤدها أو قصَّر فيها أو ترك بعضا منها فلا يعتبر مسلما، ولا شك أن هذا الفهم للإسلام فهم غريب شاذ لا أساس له ولا سند. كان أسامة القوصى مؤمنا بتلك المبادئ والأصول التى قامت عليها جماعة التكفير والهجرة، ويذكر أن أسامة القوصى فى هذا الوقت قام بتكفير أبيه وأمه؛ ثم تم اعتقاله من قبل جهاز أمن الدولة، وبعد الإفراج عنه سافر إلى اليمن وقابل الشيخ مقبل بن هادى الوادعى، وكان فى بداية الأمر منكرا تماما لمنهج الشيخ ورفض فكره، ولكن تحول بعدها إلى فكر الشيخ وأصبح خلال ست سنوات قضاها فى اليمن تلميذا نجيبا للشيخ مقبل ومدرسته، التى تقوم على الموالاة التامة لولاة الأمور، وهذا بالطبع فكر مغاير ومناقض تماما لفكر التكفير والهجرة، الذى كان يقوم على تكفير ولى الأمر «الرئيس». عاد إلى مصر فى أوائل الثمانينات وعقد مصالحة مع الدولة، خصوصا بعدما تعرفوا على منهجه الجديدة، الذى بالطبع يخالف تماما منهجه الذى سافر به؛ وشارك أسامة القوصى كلا من إبراهيم عبد العزيز وأحمد أبو زيد ويسرى لبيب ومحمد المعروف باسم محمد الليبى، لأنه كان من ليبيا فى مشروع مطبعة الحرمين الموجودة بجوار مسجد الشيخ كشك «عين الحياة» بحدائق القبة، تلك المطبعة التى عمل بها أسامة القوصى فى الإدارة وعمل على تأليف بعض الكتيبات الصغيرة، ثم تطور الأمر وقاموا بشراء مطبعة كبيرة فى شارع الوطنية بعزبة الصعايدة؛ لم يستمر هذا المشروع طويلا، وانفصل أسامة القوصى عن الشركاء وافتتح لنفسه مكتبا لتقسيم الأراضى بجوار مسجد «سبيل المقربين» بعين شمس الغربية؛ لم يستمر المشروع طويلا بسبب إنكار المقربين منه العمل فى هذا المجال. كان مسجد «سبيل المقربين» هذا هو أول مسجد يخطب فيه أسامة القوصى قبل سفره إلى الخارج لكى يعمل على تفسير القرآن الكريم، وإعطاء دروس باللغة الإنجليزية فى إحدى الدول الأجنبية؛ وهذا يفسر وجود طلاب علم من دول أجنبية فى دروس أسامة القوصى، ويمتلك القوصى شاليها بالساحل الشمالى وشقة بمكرم عبيد. عاد أسامة القوصى وتحول فكره للمرة الثانية قبل سفره للخارج، حيث رأى ضرورة موالاة أولى الأمر فى كل الأمور، وعلى سبيل المثال قوله «إذا كان المفتى وشيخ الأزهر يحللان فوائد البنوك ولا يعتبرانها ربا فهذا أمر مقبول، لأنهما من ولاة الأمور»، وكذلك فتواه بأن إبلاغ مباحث أمن الدولة عن معارضى مبارك فريضة دينية وواجب شرعى؛ وكان يدعو على المنابر لوزير الداخلية حبيب العادلى، معقبا على اسمه بقوله «حفظه الله»، ومدحه الغريب فى وزير المالية الأسبق الهارب بطرس غالى، وقال إنه لولا هذا الرجل لغرقت مصر فى الديون. ولا تجمع القوصى علاقة مباشرة بالرئيس السيسى، لكنه كان من أول الداعين لانتخابه رئيسا عقب 30 يونيو، وقال إن الله أرسله لإنقاذ مصر، وإن السيسى قائد المرحلة الحالية الذى اختاره الله لمصر، كما اختار طالوت ليحارب جالوت.