هذه أيام سيذكرها التاريخ كثيرا، ويتوقف عندها أكثر، وسيستغرق كُتَّابُه وقتا طويلا فى فهم ما حدث.. وهذا أيضا مقال لقراء عام 2100 بعد الميلاد! هنا مثلا وفى أحد الكتب تقرأ أنه فى يوم 11 مارس 2013، شاهد آلاف المصريين بعضهم البعض، وهم يركبون عربات الكارو والحنطور ويسيرون بها فى الطرقات وفوق الكبارى فى محاولة مستميتة منهم للوصول إلى أعمالهم، أو توصيل أبنائهم إلى المدارس، أو العودة إلى منازلهم، بينما كان آخرون عالقين فى الشوارع، وعلى جنبات مواقف السيارات فى انتظار أى مركبة تنقلهم إلى حيث يريدون، لكن هذه الأمنية لم تتحقق فى هذا اليوم، رغم أن مصر فى هذا الوقت كانت من الدول التى تستخدم السيارات من زمن وبها أول خط سكة حديد فى إفريقيا والشرق الأوسط، ويعمل بها مترو الأنفاق قبل هذا التاريخ بربع قرن كامل، فماذا حدث لهذا البلد الكبير؟! تقرأ أيضا فى هذا الكتاب أن هذا اليوم شهد على غير العادة ومرة واحدة توقفا تامًّا لحركة السير فى شوارع القاهرة والمحافظات ال28، وأن إضرابا كبيرا نظمه سائقو أحياء العاصمة، السيدة عائشة وأحمد حلمى وعين شمس والمعادى، لعدم قدرتهم على الحصول على السولار الذى تعمل به سياراتهم- السولار إحدى مواد الوقود التى كانت تستخدم لتسيير سيارات هذا الوقت، وسعره الأقل بين مواد الوقود الأخرى- وقام سائقون آخرون بقطع الطريق الدائرى وطريق - مصر أسيوط الزراعى والطرق الرئيسية المؤدية إلى المناطق الرئيسية بالعاصمة، مثل التجمع الخامس والمنيب وشبرا مصر والمؤسسة، وأشعل هؤلاء السائقون النيران فى الإطارات لقطع الطرق المتوقفة أساسا. وقد كانت الغربية شاهدة على سقوط أول شهيد فى سبيل الحصول على السولار، وقام سائقون آخرون بقطع السكة الحديد فى المنوفية، وهدد سائقو الإسكندرية بالإضراب التام لنفس السبب. بحث مؤرخ الكتاب السابق كثيرا ليفهم سبب ما حدث فى هذا اليوم العجيب، وسأل نفسه ألف سؤال وسؤالًا ليصل إلى حقيقة واضحة وصريحة تدخل الدماغ، «وقلب» كل ما كتب على شبكات التواصل الاجتماعى القديمة «فيسبوك» و«تويتر»، وكذلك قرأ كثيرا من الكتب والصحف التى صدرت فى هذا الوقت وتعليقات من هنا وهناك. وأخيرا وصل إلى أن التفسير الوحيد الذى يمكن أن يكتبه ويحترم به قرَّاءه ومتابعيه، هو أن مصر فى هذا الوقت، وقبل اليوم الذى يبحث عن أسراره بنحو 8 أشهر حكمها رجل يدعى محمد مرسى يتبع جماعة تسمى «الإخوان المسلمين»، هذا الرجل قال وقت ترشحه لرئاسة مصر إنه لا توجد مشكلة أو أزمة سولار فى الدولة، لأنه، وحسب ما صرح به «دى حنفية تفتحها تنزل، تقفلها تقفل»، لكنه للأسف عندما تولى هذا الإخوانى رئاسة الدولة بحث طويلا فى المليون كيلو متر مربع حصة مصر من مساحة كوكب الأرض عن هذه الحنفية فلم يجدها، ولأنه لم يكن ذكيا أو صاحب نمط تفكير معين سكت، ولم يحاول أن يعرف سر الأزمة التى قلبت عليه البلد أكثر ما كانت «مقلوبة»، وزادت من قسوة العصيان المدنى الذى استعصى عليه حلُّه. كما أن تفكيره هداه إلى أن المواطنين الذين رآهم يركبون الكارو والحنطور بكامل ملابسهم الرسمية كانوا فى نزهة بشوارع العاصمة. صاحب الكتاب وصل فى نهاية المطاف إلى أن «الحنطور أصبح نهضة شعب»، وأن الحل الوحيد الذى بحث عنه الشعب المصرى ونفذه كان أن يركب مرسى الحنطور.. و«يتحنطر». بعد أن وصل الكاتب إلى هذه الحقيقة، مات مباشرة، لكن والحمد لله نشر ابنه الكتاب الذى هو بين أيديكم الآن.