بالتأكيد نعيش كابوسًا طال وجثم وأنهكنا.. لكن لم ولن يهزمنا.. لأن الشباب والستات نزلوا الميدان، ورعبوا الكذَّابين سارقى الحياة.. والدليل هو شراسة العنف الجسدى والمعنوى، من قتل وقنص وسحل وتعرية وتحرّش وشتائم بذيئة وإقصاء.. وكلها أساليب الضعيف الجبان المذعور.. ولم يدهشنى شعار مسيرتهم «نبذ العنف».. بل فكَّرنى باليهودى الذى أعلن عن تجارته، وهو ينعى ولده «كوهين ينعى ولده ويبيع ساعات».. فحشدوا لترويج بضاعتهم، وهى الكلام والبلح!! ورقصوا وغنّوا بالجلاليب وأكلوا بطاطا وغزل البنات.. وأدانونا بما يقترفون هم من ذنوب تفتح جسرًا إلى جهنم.. وأدعوكم لقراءة مذكرات فرح ديبا زوجة آخر أباطرة إيران، اقرؤوا تفاصيل خطة الملالى لسلب ثروات الإمبراطورية العظيمة وتدمير حضارتها لصالح روسيا ومصالحهم الشخصية.. نفس السيناريو الدائر فى مصر بكل تفاصيله، لكن لصالح أمريكا وإسرائيل وقطر التى تحلم بإمارة إسلامية تبدأ من قطر وتمتد إلى الجزائر.. وخلافة وأمير مؤمنين وجوارى وعبيد، أمير بفلوسه يجذب الزمن للخلف، وهذا مستحيل ومضحك، لأنه جنون أفرز كابوسًا، ستشرق عليه الشمس وتمحيه من الذاكرة. كتاب الإمبراطورة الشجاعة التى تغلَّبت على كابوسها بفضح العصابة، كتاب لشاعرة تنزف وهى تتذكر تفاصيل الأماكن والأيام والرجال.. لا تبكى، إنما تفضح وتوثّق، وتشجّع الشباب وتدعم إيمانهم باسترداد وطنهم إيران وتجبير كسوره وإنهاضه.. أهدت الطبعة العربية لشعب مصر الذى احتضن أسرتها المنفية المطاردة، وأرض مصر التى رقد فيها زوجها محمد رضا بهلوى، الإمبراطور الشجاع الذى أعد ونفَّذ مشروع نهضة لتحديث إيران، بخيراتها وليس بالقروض والشحاتة.. فأخرجها من ظلام العصور الوسطى الذى حبسها فيه الاستعمار الأوروبى وروسيا القيصرية بعد الحرب العالمية الأولى قرنًا، لسلب خيراتها.. ونهض بها وطنًا عصريًّا يفتخر بحضارته. المدهش أن سيناريو تخريب وتفتيت ونهب إيران هو نفسه الذى تعيشه مصر.. كانت إيران بلدًا بلا قيادة سوى طهران التى يحكمها الشاه أحمد والد رضا بهلوى.. وبقية البلاد فى أيدى زعماء القبائل وكبار الملاك والقانون الوحيد الحاكم هو قانون الأقوى.. استعمار بريطانى يتحكّم فى البترول، جيش يأخذ أوامره من الروس، بلجيك يتحكمون فى الموانى والدوائر الجمركية، سويديون يديرون الشرطة.. بلد ممزقة جاهلة فقيرة، متعلّم واحد كل مئة مواطن، العمر الافتراضى لشعبها 30 سنة، أعلى نسبة وفيات فى العالم.. نساء بلا أدنى حقوق ولا حتى الذهاب للمدرسة.. لا توجد سكك حديد ولا مستشفيات ولا مدارس ولا جامعات. تمرّد الشاه الأب على الظلم والنهب وعيشة الكلاب.. وأخرج المرأة من خلف الشادور -حجاب الإيرانيات- بمرسوم، وبدأ بالملكة، وأشرك المرأة فى الثورة البيضاء.. نجح وأكمل ابنه مشوار الثورة والحرية والتقدم، وبعد خمسين عامًا، فى بداية الستينيات، أصبحت إيران نموذجًا بعد تأميم البترول، وتحديد الملكية الزراعية بقرية واحدة لكل مالك.. وقوانين الإصلاح الزراعى وتمويله وإدخال العمال والإداريين شركاء بالأسهم فى مصانعهم وشركاتهم تحفيزًا على بذل الجهد بإخلاص.. كما فعل عبد الناصر بعد تأميم قناة السويس التى أهداها حكامنا لقطر!! واقتحم القرى بفيالق من الشباب فى كل ميدان، مجموعات خريجى الثانوى للتعليم، محوا نسبة الأمية التى كانت 80%.. وفيالق طلبة الطب لنشر الوعى الصحى، وفيالق التنمية والبناء لتحديث الزراعة والمزارعين. بالشباب تبدّل وجه وقلب إيران، مصانع ومدارس وجامعات ومستشفيات ودور سينما ومهرجانات فنية وثقافية وصعود إلى أول صف فى العالم.. ولما منح المرأة حق التصويت والترشح فى الانتخابات انفجرت حرب رجال الدين الظلاميين، لأن السلطة والجاه والثروة تنتزع منهم نتيجة انتشار التعليم والوعى وحقوق المرأة.. تحالفوا مع الملاك الذين أُمّمت أراضيهم، وظهر روح الله خومينى كزعيم للملالى الذين كانوا يتحكّمون فى مصائر وثروات شعب جاهل، يخاف الله، لكنه لا يعرفه.. يخطب ضد التقدّم باعتباره تغريبًا للبلاد.. وبدأ التخريب بحرق المكتبات وأكشاك بيع الصحف والحرب على الإعلام الفاسد فى رأيه.. وبدأت حوادث النهب والسرقة والتخوين والتشكيك.. وكانت غلطة الشاه أنه لم يقضِ عليهم كما اعترف متأخِّرًا، بل اكتفى بنفى الخومينى إلى تركيا ثم العراق كطلبة.. ومن هناك واصل التخريب وحشد الشباب النقى الذى خدعه باسم الدين وباسم الديمقراطية.. ونجحت الثورة الإسلامية فى الإطاحة بالحكم الملكى، لأنهم كانوا منظَّمين ومموَّلين ومسلَّحين.. وتمكن الخومينى، فبدأت اغتيالات المعارضين، ميليشيات وقناصة فلسطينيون فوق الأسطح.. تعذيب وسحل وجلد بوحشية، وإعدامات جماعية، سرقوا جثث الموتى وتاجروا بهم إعلاميًّا مدعين أنهم ثوارهم قتلهم الأمن.. وضربت الفوضى، وحرقت 400 دور للسينما ونهبوا ثروات البترول والمناصب العليا فى الدولة.. وأُهملت الضواحى وارتفع معدل البطالة، والتضخم، وصل الدولار إلى 800 ألف ريال بعد أن كان 70 ريالًا فقط عام 79 قبل الثورة.. تحوَّلت الفتيات للدعارة، والأطفال للتسوّل وانتشرت المخدرات من الاكتئاب وفقدان الأمل، وهاجر خيرة العقول.. وسلبوا حقوق المرأة وجعلوها مواطنًا «درجة تانية».. هذا السيناريو الذى وصفته الشهبانو المنفية، نعيشه فى مصر الآن.. ولكن لن ينتصروا لأننا شعب عنيد، ولأن أرض مصر مباركة ومحروسة من الله.