فى مقال الأسبوع الماضى طرحت أسئلة أبناء بورسعيد عن أسباب عدم تشكيل اللجنة القضائية المستقلة التى طالبوا بها وتقدم مجموعة من محامى بورسعيد باسم أبناء المدينة بسرعة إعلان هذه اللجنة فى 28/1 عقب المجزرة الجديدة التى ارتُكبت فى المدينة وما تتابع من أحداث 26 و27 و28 يناير، أسقطت 41 شهيدا، ونحو ألف مصاب، ولتحديد المسؤولين عن ترك المدينة تحت طائلة الإرهاب والترويع الذى تعرضت له، وكشف هوية الجماعات الغريبة التى سُمح لها بدخول المدينة وشاركت فى جرائم القنص وإطلاق الرصاص والقتل، وتفسير ما انتشر فى شوارع بورسعيد من إطلاق للرصاص من سيارة تحمل مدفع جرينوف وحولها دراجات بخارية يركبها مقنَّعون أيضا يشاركون فى إطلاق الرصاص. لم تكن هذه مشاهد فى فيلم من أفلام الرعب والجريمة.. ولكن وقائع وجرائم حققية وقعت فى مدينة مصرية، وهو ما لا يحدث إلا فى غياب وجود الدولة أو بتواطؤ يجب الكشف عن جميع أبعاده! إن هذا الصمت المخجل والمخزى يزيد مشاعر الغضب التى تمتلئ بها صدور أبناء بورسعيد، ويفسر السماح بالتطاول على مدينتهم وعلى تاريخها النضالى والوطنى، ويثير عشرات من علامات الاستفهام والاتهامات والإدانة للنظام الذى كان يجب أن يسارع إلى اتخاذ جميع إجراءات التحقيق والكشف.. علامة استفهام كبرى.. هل الصمت والتجاهل جزء من الرغبة فى القبض على مدينة عنيدة فى مقاومتها وفى صلابة أبنائها بيد من حديد ليستسلموا للمخططات المرفوضة أو المشروعات الاستعمارية الجديدة فى تمليك وإدارة قناة السويس وشواطئها ومدنها الثلاث «بورسعيد - الإسماعيلية - السويس»، وهى المشروعات التى سارع أبناء بورسعيد وسائر مدن القناة وكذلك متحدثون عسكريون.. جميعا أعلنوا استحالة تنفيذها! وبشأن مذبحة يناير 2013 أذكر بعض ما جاء فى تقرير الطب الشرعى عن ضحايا الأحداث.. أكد د.إحسان كميل جورجى، كبير الأطباء الشرعيين، أن نتائج تشريح جثامين ضحايا مدن القناة الثلاث من المدنيين كشفت عن وفاة 31 منهم بالرصاص عيار 72/3937 ملى من بنادق آلية، وشخصٌ واحد لقى مصرعه من آثار الاختناق، موضحا عدم مقتل أى ضحية بطلقات الخرطوش، وأن الضابط والمجند اللذين لقيا مصرعهما فى مدن القناة تبين مقتلهما بالرصاص أيضا.. وأوضح د.عماد الدين أديب، مدير إدارة التشريح بالطب الشرعى، أنه ترأس عددا من الأطباء فى تشريح جثامين قتلى مدينة بورسعيد وعددهم 28 من المدنيين، من بينهم جثة مجهولة الهُويَّة، حيث كشفت عمليات التشريح عن مقتل الضحايا بالرصاص عيار 72/3937 ملى من بنادق آلية، وبعض الحالات لم تستقر فيها المقاذيف، حيث دخلت الرصاصات الغادرة وخرجت فى الحال، وبالتالى لا يمكن تحديد نوع العيار النارى المستخدم فى القتل، وأوضح أن بعض الطلقات استقر فى أجساد بعض الضحايا، حيث تركزت الإصابات فى البطن والرأس والعنق والصدر، ومعظم الإصابات فى المواجهة، أى أن إطلاق النار كان من الأمام وعلى مسافة بعيدة، وبعض الإصابات كان فى مستوى أفقى والبعض الآخر كان إطلاق الرصاص عليه من مكان مرتفع قليلا، وأوضح د.عماد أديب أنه لا توجد أى إصابات بطلقات من فرد خرطوش وأن الرصاص كله انطلق من بنادق آلية. نُشر هذا التقرير فى صحيفة «الأهرام» 30/1. أليس من حق أبناء بورسعيد أن يسألوا من أين أتى؟ ومن هؤلاء القتلة المحترفون الذين يصوبون ويصيبون فى مقتل، سواء الرأس أو البطن؟ وإذا كانوا من البلطجية فقط، الذين حاولوا إسقاط طائرة عسكرية ببنادقهم الآلية، كما قال رئيس الجمهورية للمصريين فى برلين.. أليس السؤال البديهى: لماذا لم تؤمِّنوا المدينة وأبناءها؟! تماما كما كان السؤال البديهى عندما دُبرت وخُططت المجزرة التى تمت فوق استاد مدينة بورسعيد.. هل إذا تم إحكام إجراءات التأمين للجميع كان يمكن أن يسقط قتيل واحد؟! وإذا كانت وزارة الداخلية تقسم ليلا ونهارا أن ضباطها وجنودها غير مسلحين إلا بقنابل الغاز والعصى، فمن المسلحون الذين يرتكبون مجزرة مثل مجزرة يناير 2013 فى بورسعيد، ويستطيعون الإفلات من العقاب.. ربما فى انتظار مهمات ترويع وقتل أخرى؟! يضحك على نفسه كل من يعتقد أنه كما أخفى ما جاء فى التقارير المبدئية لتقصى الحقائق عن مجزرة استاد بورسعيد فبراير 2012، سيتم مع مجزرة يناير 2013. لا تفتحوا بوابات جديدة لاشتعال مزيد من نيران الغضب! من أهم التصريحات الرسمية التى ارتبطت بما حدث فى بورسعيد فى يناير 2013 ما نشرته صحيفة «التحرير» 30/1 نقلا عن اللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى الميدانى، الذى التقطت المدينة أنفاسها واستردت قدرا كبيرا من أمنها تواصُلا مع تاريخ طويل من علاقة المدينة عبر تاريخها النضالى مع قواته.. لذلك احتفوا بهم وبتاريخ الاحترام والتقدير المتبادَل بين أبناء مدن القناة والجيش، وتجدد الهتاف الذى كان من أجمل الهتافات فى الأيام الأولى للثورة «الجيش والشعب إيد واحدة».. أعود إلى تصريح اللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى، الذى أكد فيه أنه خلال ثلاثة أيام سيكون الوضع تحت السيطرة فى بورسعيد، وكشف أنه تم رصد عناصر إجرامية تستقل سيارة جيب وأخرى بى إم دبليو وتروسكيل، يقومون بتوزيع أسلحة على بعض الخارجين عن القانون القادمين عبر بحيرة المنزلة، مؤكدا أنهم ليسوا من أبناء بورسعيد، وأن الأيام والسنوات القادمة ستظهر حقائق جديدة كما ستوضح أشياء ستبهر الجميع. انتهى تصريح القائد العسكرى.. ولا تنتهى الدلالات والإشارات التى يمتلئ بها تصريحه عن الغرباء الذين أكد أنهم ليسوا من أبناء بورسعيد، ويركبون سيارة جيب وأخرى بى إم دبليو، ويقومون بتوزيع الأسلحة على بعض الخارجين عن القانون القادمين عبر بحيرة المنزلة.. مَنْ هؤلاء؟ وما أهدافهم؟! يجب أن نعرف قبل أن تتوه وتغيب الوقائع.. فحصيلة جريمتهم قتل 41 من أبناء المدينة وإصابة ما يقارب الألف.. هل عدم تشكيل اللجنة القضائية المستقلة سببه الخوف من حقائق ستُتكشف؟! أؤكد لكم أن الخوف يجب أن يكون أكبر من أن لا تُتكشف هذه الحقائق.. وأؤكد أيضا أن صبر أبناء بورسعيد على ما حدث وعلى الصمت والتسويف عن تشكيل لجنة قضائية مستقلة لتقصى حقائق ما حدث، هذا الصبر رصيده ينفد.. لا تنسوا أن مارس وموعد إعلان الأحكام فى مجزرة الاستاد يقترب! وأن أبناء بورسعيد مع القصاص العادل لشهداء الأهلى ولجميع شهداء الثورة، ومن المؤكد أنهم يريدون هذا القصاص العادل لأبنائهم ولمصابيهم، وأنهم يثقون بعدالة القضاء، ولكن لا يثقون بمدى أمانة الكشف عن المحركين والمسؤولين والأهداف والنيات الشيطانية التى دُبرت وأُديرَت، ومن أجلها ارتُكبت مجازر 2012 ثم 2013! وأرجو أن لا أكون مخطئة فى أن الوصول إليها والكشف عنها هو من أهم المعانى التى تقف وراء ما جاء فى تصريح القائد العسكرى الكبير. إن الأيام والسنوات القادمة ستظهر حقائق جديدة كما ستوضح أشياء ستبهر الجميع! ومن قبل ومن بعد احذروا أن تظنوا أنكم تستطيعون المخادعة أو الاستهانة بمطالب وحقوق وكرامة كل من فى كل بيت من بيوتهم شهيد من حروب 56 أو 67 أو حرب الاستنزاف أو نصر 73، أو شهيد من سلالة من حفروا قناة السويس وجرت دماؤهم فى أرضها قبل أن تجرى فيها مياه البحرين، وأؤكد لكم أنه مهما كانت قسوة وسفالة التآمر الذى تعرض لها أبناء بورسعيد، وحجم الظلم الذى وقع عليهم مع النظام السابق ولا يزال مستمرا حتى الآن.. ومهما كانت سلطة ونفوذ كل من شاركوا ولو بالصمت على ما حدث.. ونرجو أن لا يكون التسويف فى تشكيل لجان التحقيق القضائية المستقلة جزءا منه.. أقول: لقد وقعوا كلهم فى أيدى من لا يرحمون ولا يسامحون ولا يتهاونون فى كرامتهم وفى اعتزازهم بأنفسهم وبميراث البطولة والنضال والوطنية الذى يجرى فى عروقهم وعلى استعداد لأن يقدموا فداء لبلدهم أضعاف ما قدموا لمن يهدد أمن واستقرار وكرامة وسيادة هذا الوطن لصالح مصالح خاصة لأى تيار أو فصيل سياسى، وكما كانوا الصخرة الصلبة التى تحطمت عليها خطة عدوان 56 لاحتلال مصر كلها، سيهزمون ويصدون أى مخطط لاستعمار جديد للقناة وشواطئها ومدنها تحت شعارات رنانة للإنعاش والاستثمار. اللهم اكشف خفايا ما يدبَّر ويخطَّط، ولماذا الصمت على الجرائم والمجرمين والقتلة والرؤوس الكبيرة وكل من شارك فى تدبير وتمويل ما أُهدِرَ من دماء آلاف الشهداء والمصابين ونشر كل هذا الرعب والفوضى والترويع الذى كان ما جرى فى بورسعيد من مجازر 2012 و2013 ذروةً له، ولا تجعلنا ننتظر طويلا حتى نبتهج، فقد طالت أشواق المصريين إلى الأمان والاستقرار والبهجة. ومرة ثالثة وألف مرة، احذروا غضب أبناء بورسعيد.