تابع كثيرون ممن هم خارج الدائرة الأكاديمية والجامعية إشكالية انتخابات القيادات الجامعية. وقد ثارت المسألة منذ فترة طويلة، حيث قامت كلية الآداب بجامعة القاهرة بعقد عدة اجتماعات موسعة، لتحديد آليات انتخاب القيادات الجامعية، خصوصا أن قانون 49 لتنظيم الجامعات لا يحدد هذه الآليات. وبناء على ذلك أجريت انتخابات نزيهة للعمادة، وفازت الدكتورة رندة أبو بكر. وهنا كانت الإشكالية التى واجهت كل أعمدة المؤسسة القديمة، فالفائزة بمنصب العمادة عضو بمجموعة العمل على استقلال الجامعات، وهى المعروفة باسم «9 مارس». لم يتم تعيين الدكتورة رندة أبو بكر، وما كان من وزارة التربية والتعليم إلا أن أعلنت أنه لا بد من وضع آليات لانتخاب القيادات الجامعية، وذلك فى تكرار لفعل حدث ووقع وأجريت على أساسه انتخابات (وهو ما حدث فى جامعة عين شمس حرفيا، وتم تعيين المرشح الفائز بالعمادة). وعلى الرغم من تقديم طلب موقع من 164 عضو هيئة تدريس ومن الهيئة المعاونة، لتعيين الدكتورة رندة أبو بكر، تم تجاهل هذا الطلب، كما لم تتم إقالة القيادات الجامعية (أحال الوزير المسألة إلى المجلس العسكرى الذى أعاد إحالتها إلى الوزير وهكذا). أى أن الانتخابات التى ستجرى فى كل جامعات مصر لن تكون إلا على المناصب التى خلت بشكل طبيعى، أو تلك التى قدم أصحابها استقالتهم وهو ما يعنى أن التغيير المنشود سيكون ضئيلا. وفى نهاية شهر يوليو الماضى أرسلت الوزارة مقترحين لآليات الانتخاب، وطلبت من كل مجالس أقسام الجامعات الانعقاد من أجل اختيار أحد المقترحين. وقد أعربت بعض الأقسام عن موقفها من المسألة برمتها بشكل مبدئى، (لأن الانتخابات قد جرت بالفعل وظهرت نتيجتها)، ولكن فى الأغلب الأعم اختارت مجالس الأقسام -التى عقدت بشكل استثنائى فى شهر أغسطس- واحدا من المقترحين اللذين أرسلتهما الوزارة، وقد وصلت المشاركة إلى نسبة 83%. كانت المفاجأة المدهشة التى تطيح بإرادة كل من شارك فى مجالس الأقسام على عملية التصويت، أن أدخل المجلس الأعلى للجامعات تغييرات وإضافات على الآليات والضوابط التى توافق عليها 83% من أعضاء هيئة التدريس. وللتوضيح أكثر سأذكر هذه التغييرات تفصيلا. أولا: تحولت اللجنة المشرفة على الانتخابات من اثنين إلى ثلاثة أعضاء منتخبين من كل قسم إلى ثلاثة أعضاء منتخبين من الكلية كلها (مما يثقل العبء على اللجنة، ويقلل من فاعلية قدرتها على مراقبة الانتخابات). ثانيا: تحول مبدأ التمثيل للكليات فى المجمع الانتخابى لانتخاب رئيس الجامعة من التمثيل النسبى (حسب أعضاء هيئة التدريس فى كل كلية) إلى تحديد عدد المشاركين (بغض النظر عن حجم الكلية). ثالثا: حول تصنيف العمداء فى المجمع الانتخابى لانتخاب رئيس الجامعة من العمداء المنتخبين فقط إلى العمداء المنتخبين والمعينين (وحين نأخذ فى الاعتبار أن المجلس العسكرى ما زال يرفض حتى الآن إقالة القيادات المعينة، وبما أن نسبة القيادات المعينة التى لم تنته مدتها تقارب 75% من عمداء الكليات، فسوف ينتهى الأمر برؤساء جامعة منتخبين من قِبَل مجمع انتخابى أغلبه من العمداء المعينين). رابعا: أضيف مبدأ النصاب القانونى، بحيث أصبح من المطلوب وجود 60% ممن لهم حق التصويت فى انتخابات العمادة خلال الساعة الأولى من فتح باب التصويت يوم إجراء الانتخابات، فإن لم يكتمل النصاب، فيتحتم وجود 40% خلال الساعة الثانية، وإلا أصبح من حق رئيس الجامعة تعيين عميد بمعرفته (وهو شرط تعجيزى، حيث من الصعب وجود ما لا يقل عن 350 من الناخبين خلال الساعة الأولى، كما أنه من الصعوبة بمكان حصر هذا العدد. وعليه تتحول الآليات إلى أداة للتعيين باسم الانتخاب)، نفس القاعدة فى انتخاب رئيس الجامعة، إلا أن النسبة 80% خلال الساعة الأولى، ثم 60% خلال الساعة الثانية، وإلا أصبح من حق الوزير تعيين رئيس الجامعة. أما النقطة الأخيرة التى لا بد من أخذها فى الحسبان، فهو أن هذه الآليات ظلت تتغير طوال الفترة التى فتح فيها باب الترشح للعمادة، وذلك أيضا دون استفتاء رأى أعضاء هيئة التدريس. فعلى سبيل المثال، صدر يوم (13-3) قرار بخفض النصاب فى انتخابات العمادة إلى 30% فى الساعة الثانية (وهو ما قد يأت بعميد منتخب فى عملية انتخابية شارك فيها 30% فقط ممن لهم حق التصويت، وفى هذه الحالة لو فاز العميد بالأغلبية المطلقة، أى 50%+1، فسيكون منتخبا بنسبة لا تتجاوز 15% من أصوات من لهم حق التصويت). فى ظل هذا الارتباك والإهدار الكامل لإرادة أعضاء هيئة التدريس، وفى ظل انتخابات تجرى على «بعض» المناصب، يبدو من العبث المشاركة فى هذه الانتخابات، وهو ما حدا بالدكتورة رندة أبو بكر أن لا تترشح مرة أخرى، وتعلن موقفها فى بيان قوى، يشرح المسألة تفصيلا. وقد بدأ التصعيد فعليا، إذ قامت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس برفع قضية ضد هذه الانتخابات برمتها، وهى منظورة الآن أمام القضاء. المشاركة لا تعنى إلا قبول إهدار رأى كل مجالس الأقسام بالكليات، والمقاطعة لا تعنى مجرد التغيب، بل تستدعى مزيدا من المراقبة وتعريفا بأسباب المقاطعة.