بلا مناسبة خطر الملك على بالى. الملك الذى أقصده هو فريد شوقى الذى اكتسب اللقب عبر صالات العرض وشاشات القطر العربى كله ووصل إلى قلوب العامة بدءا بأدوار الشر إلى الرجل الطيب المظلوم أو الأب المناضل من أجل لقمة العيش، فتحول من «ملك الترسو» إلى «ملك» لكل الناس والعصور. وهو فى نظرى ملك لولائه وحبه للسينما، صناعة وفنا. أتذكر فى إحدى دورات مهرجان الإسكندرية رأيته فجأة مارا أمامى بقامته الطويلة وخطواته القصيرة وضحكته الرنانة، بينما الصحفيون يطاردونه من أجل خبر أو تعليق، والفنانون يحيطون به لاجئين إلى دفء الجوار معه. فى أيامه الأخيرة حينما أعلنت وفاته خطأ، واجه عدسات التليفزيون من على فراشه مازحا، أن ما حدث لم يكن إلا مجرد «بروفة»، فحتى مزحه مرتبط به كممثل الذى يقوم ببروفات على خشبة المسرح أو أمام كاميرات السينما، فالمصطلحات السينمائية كانت دائما جزءا من لغته اليومية. فى أحد أيام صيف عام 1981 بينما أجلس على الرخام الرطب فى مدخل استوديو النيل (نحاس سابقا)، ربّت على كتفى منتج أتعرف عليه لأول مرة ليسألنى بعفوية مطلقة: ماعندكش فيلم؟ وكان ردى الفورى هو «طائر على الطريق»، الذى تم إنتاجه بالفعل بعد أن رجانى هذا المنتج الصغير والمغامر -نفتقدهم هذه الأيام- حسين ياقوت أن أستعين بممثل كبير إلى جوار الجدد أحمد زكى وآثار الحكيم وفردوس عبد الحميد، وقد كان اختيارى لفريد شوقى الملك الذى أثبت وجوده بالفعل مدعما للفيلم إنتاجا وتوزيعا. تجربتى الثانية مع الملك كانت فى فيلم «خرج ولم يعد» 1984، ومرة أخرى وجوده كان إنقاذا لموقف بعد رفض كل من عادل أدهم ومحمود مرسى وحسن عابدين الدور أمام بطولة مجهول بالنسبة لهم، يحيى الفخرانى الذى كان فى أوائل خطواته السينمائية، ما عدا الملك الذى تفهم الوضع ولم يتردد قبول دور الإقطاعى المتقاعد والمفلس، لأن والد المنتج الشاب كان منتجا أيضا، وشعر أن من واجبه مساندة الابن فى تجربته الأولى، على الرغم من انشغاله بتصوير فيلم آخر من إنتاجه. ولا يمكن أن أنسى أنه حينما رأس مجلس إدارة إحدى الشركات السينمائية الاستثمارية كان هدفه الأساسى تشجيع حركة الإنتاج بكل الطرق المتاحة لديه. هذا هو فريد شوقى «الملك» (1920 - 1998) عاش سينما ومات سينما وسيظل سينما معنا دائما.