تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة بعد خلع الرئيس السابق حسنى مبارك، فى ثورة 25 يناير العظيمة.. لم يكن ذلك حيادا بل كان انحيازا للشعب وشرعية ثورة 25 يناير، تلك الثورة التى قامت من أجل الحرية والعدالة والكرامة.. تلك الثورة ضد الاستبداد والطغيان والفساد، تلك الثورة ضد القهر والتعذيب والتجويع والترويع، تلك الثورة ضد الفساد السياسى، الذى تمثل فى عصابة ابن الرئيس التى اخترقت كل شىء فى البلد، وكانت تعمل على توريث الحكم لجمال مبارك فى مقابل الاستيلاء على المال العام وممارسة الفساد وتزوير الانتخابات وممارسة الاحتكار من الحديد إلى السياسة.. .. من ثم أعلن الجيش انحيازه إلى الشعب بعد خلع مبارك وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد وحكمها بديلا عن مبارك، وبعد أن وثق الشعب به باعتباره القوة الوحيدة المنظمة التى تستطيع أن تعبر عن آماله فى بناء مصر الجديدة وأعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى بياناته انحيازه الواضح للثورة وتفهمه لمطالب الثوار. وبدأ فى تنفيذ تلك المطالب، وقرر حل مجلسى الشعب والشورى «المزورين».. ووقف العمل بالدستور والدعوة إلى استفتاء على تعديلات دستورية هى فى الواقع ترقيعات «للدستور».. واستجاب لحكم قضائى من أول درجة بحل الحزب الوطنى وكذلك المحليات.. فلم يكن بذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة محايدا، بل كان منحازا.. ولعل ما فعل بترويجه استفتاء مارس لم يكن فيه حياد.. ولكنه كان انحيازا كاملا بدعوته للتصويت بنعم، وهو ما جعل بعض جنرالاته يخرجون علينا بعد ذلك بأن هذا الاستفتاء كان على شرعية المجلس العسكرى فى حكم البلاد.. مع أن نتيجة الاستفتاء رغم أنها كانت بنعم كانت على ترقيعات دستورية، وكان يجب أن لا يتولى المجلس العسكرى الحكم ويسلم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية ليتولى الحكم بشكل مؤقت ويدعو إلى انتخابات عامة خلال 60 يوما.. وفقا للتعديلات أو الترقيعات التى أجريت على الدستور وهو ما أوقع المجلس العسكرى وترزية قوانينه الذين استعان بهم على غرار النظام القديم ليولفوا إعلانا دستوريا يضمن لهم البقاء فى الحكم وإدارة شؤون البلاد.. فلم يكن ذلك «حياد». .. ولم يفعل الجيش عندنا كما فعل الجيش فى تونس، فهو الذى حمى الثورة أيضا هناك.. وكان السبب المساعد فى خلع زين العابدين بن على وهروبه إلى السعودية، لكنه أى الجيش التونسى، لم يتول شؤون البلاد وترك المدنيين يديرون شؤون السلطة مع حمايتهم وبدؤوا فى وضع خريطة طريق لبناء تونسالجديدة، ورغم بعض الانفلات، بما فى ذلك الأمنى، فإن الأمور مستمرة، ويبدؤون بانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور أولا.. ورغم ما جرى من خلافات واستقطابات فإن الجميع هناك اتفقوا على الجمعية التأسيسية أولا.. لكن ما حدث عندنا شىء آخر، فلم يكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حياديا فى ما طرح من الدستور أولا.. بل ساعد على الاستقطابات والمزيد من الخلافات بين القوى السياسية (ربما عن عدم وعى)، وعلى تعطيل مسيرة بناء الديمقراطية فى إطار سياسته الواضحة لتبرير الثورة والتباطؤ «العظيم» فى القرارات، فى ظل ثورة عظيمة قامت ضد 30 سنة من الاستبداد والطغيان والتباطؤ والعند.. واليوم يأتى الفريق سامى عنان رئيس الأركان نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليقول إن المجلس الأعلى ليس طرفا فى العملية الانتخابية القادمة (يعنى على الحياد)، بالطبع هو يقصد أنه سيكون على الحياد فى لجان الانتخابات، لكن من قال إن العملية الانتخابية تقتصر على التصويت فقط؟ فتلك العملية تعتمد على المناخ العام وبيئة التشريعات المتعلقة بالانتخابات.. فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يكن محايدا فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولم يكن محايدا فى قوانين مباشرة الحقوق السياسية ومجلسى الشعب والشورى والإبقاء على 50٪ نسبة عمال وفلاحين والإبقاء على مجلس الشورى أيضا.. ولم يكن محايدا فى الإبقاء على أحزاب الأنابيب وصنيعة صفوت الشريف وأمن الدولة، وإنما يجلس معها ويستمع إليها.. ولا يستبعد أن يكون عدد من مستشاريه منهم.. لم يكن محايدا فى رفضه تنفيذ العزل السياسى على قيادات رموز النظام السابق الذين أفسدوا الحياة السياسية. لم يكن محايدا فى قراره تفعيل قانون الطوارئ.. لم يكن محايدا فى سياساته لتبرير الثورة وقراراته البطيئة.. يا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. الشعب يريد الديمقراطية.. وليس الحياد سواء كان إيجابيا أو سلبيا.. وطريق الديمقراطية معروف.