اتهامات تلقى الأموال تفتح نيرانًا صديقة على الجيش وأزمة ثقة بين أهالى القرصاية والجيش «التحرير» تسأل: لماذا انتزع الجيش الأرض بالقوة ولماذا لم يلجأ إلى القضاء؟ فجأة وفى انتظار الحكم الذى تأجل إلى الثامن والعشرين من يناير الحالى تحركت وحدات عسكرية «معنوية» لتشد الخيام على أرض جزيرة القرصاية وسط نهر النيل العظيم. داخل الخيمة (التى للغرابة أخذت لونين الأبيض والأزرق بدلا من ألوان علم مصر أو ألوان الجيش المصرى أو زيه العسكرى) عقد المتحدث العسكرى للجيش المصرى العقيد أ.ح/ أحمد على، مؤتمرا صحفيا دعا إليه وسائل الإعلام ليكشف حقائق ومعلومات خفية يزاح عنها الستار للمرة الأولى -كما أكد- وقدم عرضا أو ورقة بحثية عن جزيرة القرصاية (التاريخ والمشكلة والأمر الواقع)، أما الحل فنتركه للنهاية. التاريخ الذى لم يذكره العقيد على أن القرصاية هبة السد العالى أو أنها ظهرت بعد بنائه وانخفاض مستوى المياه أمام السد فظهرت القرصاية كما ظهرت جزر أخرى على امتداد النيل، بعد أن كانت مجرد صخور ناتئة على صفحة المياه فى المسح الذى أشار إليه عام 1956، وكما أن الأهالى ليست لهم حقوق تاريخية فيها، فليس لغيرهم أى حقوق سابقة عليهم. ومع ذلك فإن الأهالى سكنوا الجزيرة عقودا قبل أن يفطن الجيش «إذ فجأة» لأهميتها فى التعبئة الاستراتيجية للقوات ولحماية العاصمة عام 2007، عندما تحرك بسرعة لوضع يديه على خُمس مساحة الجزيرة، وحسنا فعل لأنه سبق بخطواته خطوات أفاعى شلة جمال وأحمد عز التى كانت على وشك الانقضاض عليها، لتلحق بجزر النوبيين فى أسوان التى ابتلعها جرانة وساويرس والمغربى وغيرهم. اللافت أن المتحدث لجأ إلى التلاعب بالأرقام كما فعل الرئيس مرسى فى خطابه الأخير فى القول بأن القوات المسلحة لا تمتلك سوى 4 قطع فقط، بإجمالى مساحة 25 فدانا تمثل نحو 18% من أرض الجزيرة التى تبلغ مساحتها نحو 139 فدانا، لأنه فى المقابل توزع نحو 114 فدانا على 93 قطعة بمتوسط فدان وربع لكل قطعة أى أن الأربع قطع فقط تمثل خُمس مساحة الجزيرة. اللافت أن القرصاية عملت كمسرح عسكرى لاستعراض القوة بشكل ربما عوض اهتزاز الصورة فى سيناء، وكما شهدت عمليات الإخلاء استعمال القوة مع الأهالى المعتدين على أراضى الجيش، منحت الجزيرة أيضا فرصة لم تمنحها سيناء للمتحدث العسكرى فى الخروج والمرور على الأراضى التى تم تحريرها من الأهالى ومنح الإعلام أيضا فرصة للصور أو «photo session»، وهو ما لم يستطع أن يفعله حتى الآن لا الرئيس مرسى فى زياراته إلى سيناء مع المشير ومن بعده مع الفريق السيسى، ولا أى قائد عسكرى سواء بالجيش الثانى أو المخابرات الحربية. ومن داخل الخيمة كشف المتحدث معلومات تعتمد على تحقيقات النيابة العسكرية مع المتهمين الخمسة والعشرين الذين يحاكمون حاليا عسكريا للتعدى على أملاك الجيش ومقاومة عناصره بالعنف، لكن عملية القرصاية تعرضت للنيران الصديقة عندما ألقى المتحدث العسكرى بقنبلة الاعترافات بتلقى الأموال بحق المتهمين لمهاجمة الجيش، لكنه لم يوضح هل أضيفت تهم جديدة للمتهمين الذين تأجل النطق بالحكم عليهم إلى 28 يناير؟ وإن صحت الاعترافات تكون انتصارا ثانيا للجيش الذى فشل طوال الفتره الانتقالية فى الوصول إلى اعترافات بتلقى أموال. ذلك الاتهام الذى ظل معلقا طوال عام ونصف العام بعد الثورة. محامو المتهمين هاجموا المتحدث العسكرى واتهاماته الجديدة، وطالبوا قيادة القوات المسلحة بالتحقيق فى ما ذكره عن اعتراف عشرين متهما بتلقى أموال للهجوم على الجيش؟ ووصف سيد فتحى، أحد محامى المتهمين، هذه التصريحات بأنها تضليل للرأى العام ومحاولة لإنقاذ ماء وجه الذين هاجموا أهالى الجزيرة بهذه العدوانية. وأعرب عن اعتقاده بتوريط جهات للمتحدث وإحراجه بمده بمعلومات مغلوطة. المتحدث كشف أن 20 من المتهمين من خارج الجزيرة اعترفوا خلال التحقيقات بأنهم تلقوا أموالا من شخص محرض هارب حاليا خارج البلاد، وهو ما نفاه المحامون وطلبوا إثباته. أما الحل فقد لخصه المتحدث العسكرى باقتدار بأن يلجأ من لديه أوراق ثبوت للأرض إلى القضاء وهذا مربط الفرس الجامح ومعقله، إلا أن السؤال الملح لماذا لم تعمل القوات المسلحة بالنصيحة وتلجأ إلى القضاء علما بأنها تملك الأوراق القانونية ولا شك فى سلامتها ولم تكن لتعلن عنها لو لم تكن سليمة، لكن لماذا كان خيار الجيش بعد استنفاد سبل التفاهم كما أوضح لماذا كان الخيار اللجوء إلى القوة فى إخلاء الأرض من الأهالى المعتدين عليها؟ ولماذا لم يلجأ إلى القضاء للحصول على حكم مستحق تنفذه مصلحة تنفيذ الأحكام؟ شدوان:ملحمة جيش وشعب لم يفرِّطا فى الأرض مهما صغرت إسرائيل حاولت احتلال شدوان وفشلت أكبر الجزر الحاكمة فى البحر الأحمر حاولت إسرائيل احتلالها فى يناير عام 1970 وشملها قرار السيسى بمنع التملك ست وثلاثون ساعة فى الجحيم هو العنوان الذى يذكره الإسرائيليون للعملية البحرية التى نفذوها على جزيرة مصرية فى مدخل خليجَى العقبة والسويس إبان حرب الاستنزاف المجيدة وخرجوا بخسائر فادحة على المستويين المادى فى الأرواح والمعدات، والمعنوى فى الانهزام فى معركة سريعة أرادوا حسمها على غرار معارك مماثلة احتفلوا فيها بانتصارات خاطفة على الجيش المصرى فى نفس المنطقة «البحر الأحمر». شدوان ليست مجرد جزيرة صخرية منعزلة فى البحر الأحمر تزيد مساحتها على 70 كيلومترا مربعا، وليست اسما فقط للعيد القومى لمحافظة البحر الأحمر الذى يوافق 22 يناير والذى يقوم فيه المحافظ، أىُّ محافظ، بافتتاحات محلية، لكنها إحدى أهم «الجزر الحاكمة» فى البحر الأحمر التى يتهدد الأمن القومى للدولة بأى تهديد أو سيطرة خارجية عليها. ويوجد فى البحر الأحمر أكثر من 350 جزيرة موزَّعة بين الدول المطلة عليه تملك مصر منها 40 جزيرة، والسعودية 180، والسودان 59، واليمن 40، و13 لإثيوبيا ومن تصنيف هذه الدول يتضح بسهولة كيف أن غالبية هذه الجزر غير مستثمَرة بأى شكل رغم أهميتها الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية. شدوان جزيرة صخرية يتراوح عرضها بين 16 و35 كيلومترا وبها فنار لإرشاد السفن ورادار بحرى لكنها سطرت اسمها فى التاريخ المصرى الحديث منذ فجر الخميس 22 يناير 1970، عندما قامت القوات الإسرائيلية بهجوم ضخم على الجزيرة جوًّا وبحرا، وهاجموا مساكن المدنيين الذين يقومون بإدارة الفنار. الجزيرة والفنار كانا فى حماية مجموعة صغيرة من الصاعقة المصرية البحرية والبرية لحراسة الرادار البحرى الذى يقع جنوب الجزيرة، ورغم كثافة الهجوم الجوى فقد سجلت قوات الدفاع الجوى بطولات بإسقاطها طائرتين للعدو، من طرازَى «ميراج» و«سكاى هوك» حتى قبل اكتمال حائط الصواريخ فى يونيو 1970. قامت القوات الإسرائيلية بالإبرار الجوى والبحرى والقصف الجوى فى الفجر لعدة ساعات على الجزيرة وضد بعض موانى البحر الأحمر المرجح مساعدتها للقوات المصرية واستمر القتال لمدة 6 ساعات كاملة بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وسرية الصاعقة المصرية. وبشكل محموم حاولت القوات الإسرائيلية اقتحام مواقع قوة الحراسة فى جنوب الجزيرة، لتحقيق نصر سريع وطالبت القوة المصرية بالاستسلام، ورغم القصف الجوى العنيف، فإن القوات المصرية رفضت الاستسلام وقاتلت ببسالة وشجاعة. فلجأ إلى السيطرة على الجزيرة لمنع الإمدادات عن القوة المصرية لكن الأهالى قاموا تحت القصف بنقل الإمدادات فى قوارب الصيد للجنود المصريين. وفى الثامنة والربع من صباح 23 يناير صدر بيان عسكرى مصرى ذكر أن «العدو بدأ فى الساعة الخامسة صباحا هجوما جويا مركزا على جزيرة شدوان.. وقد تصدت وسائل دفاعنا الجوى لطائراته وأسقطت طائرة منها شوهد قائدها يهبط بالمظلة فى البحر وما زال الاشتباك مستمرا حتى ساعة صدور هذا البيان». وبعد قتال عنيف استمر 36 ساعة كاملة تصدت له قوة مصرية صغيرة اضطرت كتيبة المظليين الإسرائيلية إلى الانسحاب من الأجزاء التى احتلتها فى الجزيرة وبعد أن أعلنت مساء ليلة القتال أنها «لا تجد مقاومة على الجزيرة» فإنها عادت واعترفت فى الثالثة من بعد ظهر اليوم التالى أن القتال لا يزال مستمرا على الجزيرة. وفى اليوم التالى للقتال (الجمعة) اشتركت القوات الجوية فى المعركة وقصفت المواقع التى تمكن العدو من النزول عليها فى شدوان وألقت فوقها 10 أطنان من المتفجرات. واعترف رئيس الأركان الإسرائيلى، حاييم بارليف، أن الجنود المصريين يتصدون بقوة للقوات الإسرائيلية ويقاتلون بضراوة شبرًا فشبرًا للاحتفاظ بالجزيرة بأى ثمن. ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من الاقتراب من القطاع الذى يتركز فيه الرادار البحرى على الجزيرة. وبعد أن فشلت فى احتلال جزر البحر الأحمر لجأت إسرائيل إلى تأجير بعضها تحت غطاء الاستثمار مع دول البحر الأحمر، وبالفعل قامت بتأجير بعض جزر إريتريا وحوَّلتها إلى مراعٍ لإنتاج اللحوم وموانٍ تجارية، كما أسست هناك عدة شركات لكل المنتجات الزراعية والصناعية وتصدير الأسماك، أما الجزر المصرية فالمستخدَم منها يستخدم لأغراض سياحية، بينما قام وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى مؤخرا بفرض مظلة قانونية لمنع تملك أراضيها تحت أى مسمى فى القرار 203 الذى حظر تملك أى أراضٍ بجزر البحر الأحمر للمصريين والأجانب كما حظر تملك الأراضى بامتداد خمسة كيلومترات من الحدود الشرقية فى سيناء لدواعى الأمن القومى.