بمناسبة الاحتفال بأعياد أكتوبر، نشر إعلان نصف صفحة فى جريدة «الأهرام» يوم الأحد الماضى: «تعلن محافظة البحر الأحمر عن تأجير جزيرة شدوان السياحية بمدينة الغردقة بالمزاد العلنى العام.. جلسة المزاد يوم 18/10 والتأمين الابتدائى مائة ألف جنيه». شدوان؟! لا أصدق ما قرأت!! مررت بها منذ أيام قلائل فى إجازة عيد الفطر، وفى عرض البحر أشرت إليها وأخذت أنا وزوجى نتحدث لابننا الصغير عن شدوان.. الجزيرة التاريخية.. الملحمة الجسور، قلنا له: هذه الجزيرة حاول الإسرائيليون أن يستولوا عليها فى حرب الاستنزاف، لكن قواتنا المسلحة الباسلة قاتلت بشراسة.. ولم يتمكن العدو من احتلال شبر واحد من شدوان. الآن ماذا أقول له؟! شدوان للإيجار.. فى مزاد!!.. ومين يزود؟! ضغطة زر على الإنترنت تذكرك بالتاريخ والجغرافيا.. شدوان الجزيرة الصخرية المنعزلة التى لا تزيد مساحتها على 70 كم عند مدخل خليج السويس والعقبة، يعتبرونها فى قانون العسكرية صمام الأمان لمنطقة الغردقة وخليج السويس. أما التاريخ فيحكى فى كتبه عن المعركة الباسلة فى 22 يناير 1970 (حرب الاستنزاف)، حين قام العدو بهجوم ضخم عن الجزيرة بحراً وجواً.. قصف جوى 6 ساعات على شدوان وعدد من موانئ البحر الأحمر القريبة التى يمكن أن تقدم لها المساعدة. المعركه دامت 36 ساعة.. بيانات العدو أعلنت فى البداية أنه لا توجد مقاومة على الجزيرة.. لكنها أمام مقاومة سرية الصاعقة المصرية الباسلة ثم القوات الجوية.. بدأت تتراجع، وقال رئيس الأركان الإسرائيلى حاييم بارليف فى اليوم التالى، إن الجنود المصريين يتصدون بقوة للقوات الإسرائيلية، ويقاتلون بضراوة شبرا شبرا للاحتفاظ بالجزيرة بأى ثمن. مراسل أمريكى صاحب القوات الإسرائيلية، قال فى برقية لوكالة أنباء «يونيتد برس»: إن الإسرائيليين حاولوا تثبيط عزيمة المصريين بنداءات متكررة بالاستسلام.. وكان الرد - كما قال المراسل جاى بوشينسكى –: جندى مصرى يقفز من خندقه، يحصد بمدفعه الرشاش قوة من الإسرائيليين، يضرب حتى آخر طلقة ثم يستشهد بعد أن قتل عدداً كبيراً من جنود العدو. النتيجة فشل الهجوم: 50 من القتلى والجرحى الإسرائيليين و80 ما بين شهيد وجريح مصرى، سواء من رجالنا البواسل أو من المدنيين الذين ساعدوا فى إدارة الفنار وإرشاد السفن. وبعد كل ذلك.. شدوان فى المزاد. أستطيع أن أفهم البعد الاقتصادى.. أستطيع أن أدرك البعد التنموى.. لكنى لا ولن أقتنع بإفساد التاريخ بالتخلى عما تبقى لنا من ذكريات البطولة.. بتأجير الوطن.. بالتأكيد تأجير «شدوان» سيدر دخلا على المحافظة.. ستكون مثل جزر البحر الأحمر الصغيرة المجاورة التى يزورها «القادرون» من السياح أو من المصريين.. «القادرون فقط». لكن أحداً لن يتذكر المعركة.. الأطفال ومنهم ابنى لن يعرفوا شيئاً عن الشهيد حسنى حماد، الذى استشهد عن 26 عاماً مدافعاً عن شدوان.. لن يعرف أى من أبناء الجيل الجديد ماذا يعنى الموت من أجل شبر واحد من الوطن.. من أجل حفنة تراب من الوطن.. من أجل جزيرة لا تعدو 70 كم فى مساحتها. هؤلاء سيتعلمون فقط أن مصر لديها معاهدة سلام مع إسرائيل، بينما سيحذف وصف «العدو» من كتبهم.. بل ربما يصل الجزيرة وفد من السياح الإسرائيليين لزيارتها.. طالما هم يدفعون الثمن. المضحك المبكى أن 22 يناير هو عيد محافظة البحر الأحمر القومى.. وهو التاريخ الموافق لذكرى معركة شدوان. أظن أن المحافظة عليها إما أن تلغى العيد أو تغير اسم الجزيرة.. أو الأفضل أن تنسف ذاكرتها. شدوان فى المزاد.. ألاأونا.. ألادوى.. مين يزود.. ومين يبيع تاريخ بلده من أجل حفنة أموال.. وباسم التنمية السياحية. [email protected]