تعقيباً على مقالى الذى نشرته فى هذا المكان الأسبوع الماضى حول تأجير جزيرة شدوان، اتصل بى السيد محافظ البحر الأحمر مؤكداً أن الجزيرة ليست للإيجار، وأن المقصود بالإعلان هو قرية شدوان السياحية فى الغردقة، وليس أرض الجزيرة، والتى ستطرح للإيجار بالمزاد العلنى كما ينص القانون.. وأكد لى المحافظ مشكوراً أن شدوان جزيرة تحت السيطرة العسكرية وليس للمحافظة أن تؤجرها أو تقيم بها أى نشاط. تنفست الصعداء.. وحمدت الله أن اللبس جاء منى وليس من الدولة.. وإلا لكانت مصيبة.. ما أثلج صدرى أيضاً أن معظم هذه الجزر تحت السيطرة العسكرية.. وهو ما يعنى أن الحكومة لن تفكر أو تحلم حتى بتأجيرها أو بيعها فى أى عصر من العصور، حتى لو تغيرت القوانين أو صدرت قرارات إدارية وهى كثيرة. وقد طالبنى العديد من القراء فى ردودهم - التى أعتز بها كثيراً - على مقالى السابق بتوضيح موقفى الاقتصادى من فكرة استثمار القطاع الخاص لمنشآت الدولة وأملاكها، وتعجب البعض من هجومى على فكرة تأجير جزيرة شدوان وأنا التى أتبنى كثيراً من أفكار الاقتصاد الحر واقتصاد السوق. والحقيقة أننى لست ضد الاستثمار الخاص.. بل وأرفض استمرار الدولة فى إدارة الكثير من الأنشطة الخدمية التى فشلت فيها.. لكن لكل شىء قواعد وحدود، فلا يمكن أن تتخلى الدولة تماماً عن دورها ويحل محلها فى كل الأنشطة القطاع الخاص فجأة.. خاصة فى اقتصاد نامٍ يحتاج فيه المواطن محدود الدخل لدور الدولة فى إحداث التوازن، طالما أن القوانين لا تمنع الاحتكارات أو التحكم فى السوق. وبنفس المنطق لا يمكن للدولة أن تقرر فجأة تأجير كل ما تملك بحجة العائد السياحى والمادى وفشلها فى إدارته، ومن هنا جاء غضبى على فكرة تأجير جزيرة شدوان.. فلا يمكن أن نؤجر الهرم مثلاً لعشرين سنة أو أبوالهول، أو برج الجزيرة، أو أياً من الجزر التى نمتلكها فى النيل أو المياه الإقليمية المصرية.. لأن تلك الأصول يجب أن تبقى للدولة ملكية وإدارة، تدر عائداً للدولة وليس لمستثمر خاص.. كما أن القواعد الهشة تجعل حكاية الإيجار يشوبها الكثير من الخلط والمحسوبية التى نكتشفها فى كل حين بعد فوات الأوان. ومن أمثلة ذلك، مثلاً، ما تردد من أن قرية شدوان، المعروضة للإيجار الآن، كانت مؤجرة لعشرين سنة ماضية بسعر زهيد لمستثمر مصرى، صحيح بزيادة سنوية 5% لكن فى النهاية هناك تساؤلات حول السعر.. ونتمنى ألا يحدث ذلك الآن خاصة أن عائد ذلك الإيجار كان مخصصاً لفترة طويلة لرعاية طلبة البحر الأحمر فى الجامعات المصرية. ومن القواعد الهشة أيضاً تلك الموافقات التى يمنحها رئيس الوزراء لعدد من المستثمرين فى بعض الجزر السياحية بإقامة مشروعات خفيفة كى لا تضر بالبيئة والوضع الطبيعى للجزيرة.. تلك الموافقات والمشروعات عليها أن تبقى تحت رقابة لصيقة كى لا تتحول فجأة من مشروعات خفيفة إلى مشروعات ثقيلة تدمر الجزيرة وشعابها المرجانية ويصبح الأمر واقعاً لا يمكن تغييره. من كل ما سبق، يتضح لنا أمر مهم.. أعترف به.. أن الشك والريبة يكتنفان أى شىء يتعلق بقرارات الحكومة.. لماذا؟! أظن أن سنوات من الفساد والعبث والعشوائية وتطويع القوانين لرغبات البعض تجيب عن كل ذلك.