يحدث أحيانًا أن يخلو البيت لفترة ما خلال اليوم، الزوجة فى عملها أو فى مهمة عائلية، والطفلة برفقتها أو عند الجدة، ما إن تغلق زوجتى الباب خلفها حتى يدبّ الأدرينالين فى كل أركان الجسد وتنادينى المحرمات العائلية من كل أركان الشقة، البداية من الحمام حيث يطول الوقوف تحت الدش الساخن لفترة تجعل البخار لا يغطى فقط مرآة الحمام بل يغطى زجاج ترابيزة الصالون، متعة لا يؤرّقها اضطرارك إلى تنشيف أرضية الحمام خلفك، يعقبها البحث فى الدولاب عن ملابس مبهجة تليق بمستجمّ فى أحد وديان سيناء غير مهتم بالفوضى التى خلّفها البحث داخل حدود الغرفة، بعدها يتم توصيل اللابتوب بالسماعات الكبيرة لاعبًا بلاى ليست من أحقر الأغانى التى لا تشبه أبدًا السجادة الشينواه التى تقدّسها الزوجة، وعلى أنغام أغنية «البطاطا بتسخن.. حلوة وبتتخن» تبدأ فى ممارسة الرياضة العشوائية القائمة على القفز فى المكان كفرس نهر منتشٍ، ثم أتسلل إلى المطبخ لعمل القهوة، تحرص الزوجة دائما على أن تعِدّ لى القهوة بنفسها، بعض من هذا الحرص ينبع من المحبة بلا شك لكن البعض الأكبر ينبع من مشكلات قديمة عندى فى الإدراك تجعل القهوة تفور منى عند إعدادها بشكل يجعل البوتاجاز يتّسخ فى كل مرة ينادينى فيها الكافيين. نظافة سطح البوتاجاز أمر يتماسّ مع كرامة كل زوجة مصرية، ولكى تتخيل المأساة كرجل افترِضْ أنك تمتلك جهاز لابتوب ولديك طفل رضيع كل نصف ساعة (ييجى يقشّط لك) على الكيبورد، فى غياب الزوجة فوران القهوة مرة مثل عشر مرات يمكنك الانتظار حتى ترتوى تماما من الكافيين ثم تسحب عشوائيا قطعة ملابس من باسكت الغسيل و(تليّط) بها سطح البوتاجاز تلييط السنين، ثم ترمى قطعة الغسيل فى الزبالة. فنجان القهوة لا يحلو من دون سيجارة طبعا، وكلاهما لا يحلو من دون التنقل بين قنوات التليفزيون، المهم أن لا تنسكب قطرات على السجادة وهذا أمر سهل، الصعب أن يستعيد الواحد قدرته القديمة على النيشان بحيث يقع رماد السيجارة بالضبط داخل الطفاية، ولكن إذا كان الواحد لا يقوى على رفع الكنكة التى يمسكها بيده عندما تقترب القهوة من فوهتها، فما بالك بالطفاية التى تبعد ما لا يقل عن عشرة سنتيمترات؟، أضف إلى ذلك أن تسرح مع ما يبثه التليفزيون (إحم.. بالمناسبة موضوع إنك شغّلت التليفزيون لا يعنى أبدا أنك طفيت حفلة المزيكا اللى شغلتها من كام سطر)، الرجل العازب خارق للعادة، يشغّل المزيكا والتليفزيون فى نفس الوقت ويتركهما ويصطحب الموبايل ليدخل الحمام يسلّى نفسه بالتقليب فى «تويتر» بلا أى شعور بالمسؤولية لدرجة أن جرس الباب لا يحرك ضميره مطلقا، باب الشقة أصلا لا وجود له حتى موعد وصول الزوجة، غير ذلك هو مجرد فاصل خشبى بين العالم الخارجى وعالم avatar الذى يعيشه فى هذه اللحظة. المدخن المتزوج -عافاك الله وعافانا- (قصدى من التدخين طبعا)، يعيش لحظات ساحرة، كتنّين هائج يبثّ دخانه الممنوع فى كل مكان، يبدأ من البلكونة كالعادة، ثم يتجول فى الشقة، يطفى مرة فى حوض الحمام، مرة فى حوض المطبخ، مرة فى كوب الشاى الفارغ، لا مانع من أن يقف على حدود غرفة النوم يفتح النور ثم ياخذ نفس ويخرجه فى الغرفة ثم يغلق النور ويخرج وفى النهاية يستقر من جديد أمام التليفزيون الذى أصبح ملكه تماما، يستطيع أن يشاهد ما يحلو له كاملا دون تنغيص، لكنه يلف يلف ويتوقف عند قناة الأهلى لأنها الوحيدة التى تبثّ مباريات فى هذا الوقت وإن كانت قديمة، الماتش القديم يذكّرك بصديقك الذى شاركك مشاهدته أول مرة فتهاتفه. أنت الآن تتحرك فى سنترال حيث الأصوات كلها متداخلة، لحظة يحلو فيها البحث تحت كرسى الصالون عن كرة الطفلة، تنقلها من قدم لقدم فى أثناء تحركك بالموبايل متحدثا إلى صديقك إلى أن تصل إلى أعرض حائط فى الشقة فتبدأ فى الشوط المتدرج.. فى البداية تشوط الكرة بهدوء لتضمن أنها ستخبط فى الحائط وترتد إلى قدمك بالضبط، تؤلمك أصابع قدمك خصوصا بعد أن طار الشبشب من تانى شوطة فترتدى الفوتبول دون أن تعقد رباطه، ثم تُفْرِط فى الثقة بموهبتك فتبدأ فى مرحلة الشوط الأهطل الذى ينتهى أحيانا بمأساة. تفكر أن تحلق ذقنك، فى منتصف الحلاقة تقف عند شنبك الذى لم تقترب منه بعد فتقرر أن تتركه بطفولة تامة لدقائق بعد حنتفة تجعله نسخة من شنب اللمبى، تروح وتجىء أمام المرآة كل دقيقتين، تتأمل منظرك وتضحك وتؤجل حلاقته لتعود طبيعيا بعد أن (تاكل لك لقمة)، فكل المجهود السابق يفتح الشهية، وسواء اكتفيت بعلبة تونة وبصلة أو قلى بيضتين، فستترك فى المطبخ الآثار نفسها التى تركها التتار عند دخول بغداد، وستترك على السجادة ما يدل على أن هناك قطًّا مَرّ من هنا وفى فمه رغيف ناشف، ثم تعود لتجلس أمام التليفزيون تحبس اللقمة بالشاى والدخان متأملا الماتش والنعيم الذى تحياه سائلا نفسك: هل تخبئ هذه الحياة السرية خوفًا من زوجتك أم احتراما لها؟، تقول لنفسك لا خوف فأنا رئيس جمهورية هنا، وبعد ثوانٍ تحاول أن تتّسق مع الواقع ومع حقيقة مكانة زوجتك فتقول لنفسك بشفافية نادرة صحيح أنا رئيس الجمهورية لكننى أعيش فى دولة المرشد. يسرقك الوقت ثم يرنّ جرس الباب، تطنش أول مرة، ولا تلقى بالًا فى الثانية، الثالثة تكون رنة متوترة، فتتذكر أن زوجتك تحاول أن تفتح بمفتاحها لكنك (متربس الباب)، تجرى لتفتح لها.. هى الآن أمام شخص بشنب اللمبى الإجرامى يرتدى تيشيرتا مكتوبا عليه (I love sharm) وبنطلونا قصيرا مشمشى اللون، وفوتبول من غير شراب ورباطه مفكوك، والبيت كله يهتز بفعل إيقاع الأغانى الرخيصة (دوم تك تتك تتك تتك) بينما دخان كثيف يهلّ من صالة الشقة باتجاه الباب وصوت المعلق الرياضى قادم من قناة الأهلى يصف المشهد بالضبط (بيبو و بشير بيبو و بشير .. بيبو و الجون).