لا يعبأ الإخوان المسلمون بكافة الاحتمالات المتصاعدة لعدم اتمام المرحلة الثانية من الاستفتاء، رغم تواصل انسحابات القضاة وأعضاء الهيئات القضائية، من الإشراف على يوم التصويت وعمليات الفرز، السبت المقبل، الجماعة وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، ومن خلفهما الرئيس، ماضون في طريقهم دون رجعة، إقرار الدستور أصبح معركة حياة أو موت. ولما لا وقد تم ذبح المعارضين والمناوئين لمشروع الإخوان في الحكم، والإجهاز عليهم، بجرهم لمعركة الصندوق فوراً ومن دون استعدادات حقيقية وجادة من جانبهم، وعليه تبقى أي مقاومة لهم في الشارع «المليونيات» أو في الفضائيات، ما هي إلا «تشنجات الأنفاس الأخيرة»، بحسب تعبير قيادة إخوانية شابة ل«التحرير». تمرير الاستفتاء واقرار الدستور، بأي ثمن، ولو حتى في ظل وجود قاض واحد فقط، يضرب للإخوان ألف عصفور بحجر واحد. فإلى جانب اتمام السيطرة على مؤسسات الدولة ومراكزها القانونية، وتحييد أو احتواء أو اقصاء أو هدم الكيانات المضادة لمشروعات الهيمنة، مثل الجيش والأزهر والمحكمة الدستورية العليا، وكذا فتح الباب على مصرعيه لإقرار قوانين تنفيذية، تثبت من حكم الجماعة عقوداً، استغلالاً لنافذة «وفق ما ينظمه القانون»، التي ذيلت بها غالبية مواد مسودة مشروع الدستور، فإن الجائزة الأخطر التي يسعى مكتب الإرشاد لاقتناصها، تتمثل في اكساب الرئيس والحكومة والبرلمان وأجهزة الدولة السيادية، وقبل جميعاً الجماعة، المشروعية الدستورية المؤيدة بأصوات الشعب، للعصف بكل مناهضي التغول الإخواني، والضرب على يدهم بقبضة من حديد. ومن ثم تكتسب مطاردتهم والتنكيل بهم، وبطبيعة الحال ملاحقتهم بقيود سالبة للحرية مشروعية لا جدل فيها، أمام الرأي العام في الداخل والخارج. «فساعتها لا كلمة تعلو فوق كلمة القانون والدستور»، كما تقطع قيادات إخوانية لقواعد الجماعة وشبابها، في اجتماعات «توضيح الرؤية»، التي تعقد بشكل دوري في أسر وشعب الجماعة، من أجل «تثبيت الهمة والعقيدة في مواجهة العلمانيين والليبراليين». الرئيس الدكتور محمد مرسي، كشف عن الرؤية نفسها، في حديثه التلفزيوني الأخير، عقب أزمة إعلانه الدستوري «المحصن»، بالإشارة إلى أن الشرعية الثورية انتهت، بينما الشرعية الوحيدة الآن هي الشرعية الدستورية والشعبية. إذن ستكون الجولة الثانية من الاستفتاء على مسودة الدستور، هي المعركة الفاصلة في حلم الإخوان الاستبدادي. ذلك الحلم الذي بدا محاطاً بمخاطر كبرى جراء النتائج الصدمة في الجولة الأولى. «حجم الرفض الشعبي للإخوان والحرية والعدالة بات مفزعاً»هكذا تهمس قيادات مكتب الإرشاد، بعيداً عن أذن نائب المرشد العام، ورجلها الحديدي، خيرت الشاطر، المحرك الرئيسي للأحداث داخل وخارج الجماعة. قيادي إخواني سابق يقول ل«التحرير»، بوضوح «الرجل إذا غضب، أو شعر بأن من حوله يريدون مراجعته، فلن يتحمل أحد رد فعله». ولا يبدو أن الشاطر يغفل حقيقة تراجع الشعبية، حتى ولو أبدى غير ذلك. ومن ثم يسعى بكل الطرق لإحيائها مجدداً من بوابة اقرار الدستور، وليس أدل على ذلك من الخطة التي أقرتها الجماعة لاقتناص أصوات الناخبين في جولة الاستفتاء الثانية، والتي تعتمد على تجاهل المدن والأماكن الحضارية المسيطر عليها نوعاً ما من قبل القوى السياسية والثورية المعارضة للإخوان، غير أن كتلتها التصويتية ضعيفة. بينما سيتم التركيز على حشد المناطق الريفية، ذات الكثافة السكانية الضخمة، في محافظات الصعيد: المنيا وبني سويف وقنا والأقصر والفيوم، اعتماداً على نفوذ حلفاء الإخوان، من أعضاء وقيادات الجماعات الإسلامية هناك، وبعضهم خرج مؤخراً من السجن بعفو رئاسي. في حين تراهن الجماعة على قنص أصوات مرسى مطروح والبحر الأحمر، استناداً للنفوذ السلفي الطاغي فيهما. كما سيتم الاستعانة بالسلفيين أيضاً، وخاصة سلفيو الإسكندرية، لتأمين أصوات البحيرة. محافظات القناة، بورسعيد والإسماعيلية والسويس، إضافة لدمياط، سيكون اللاعب الأساسي فيها بالنسبة للإخوان، الرصيد الخدمي لأعضاء مجلس الشعب المنتمين للجماعة منذ عام 2000 وحتى الآن، إضافة لمغازلة الحرية والعدالة لأسر الشهداء والمصابين هناك، وبالأخص في بلد الغريب، من باب الإيحاء بالالتصاق بالثورة والثوار. وذلك في مواجهة قوى وحركات شبابية وثورية متصاعدة مناهضة لحكم المرشد، ومن ثم سيكون فارق الأصوات في تلك المحافظات ليس كبيراً. غير أن المشكلة الأضخم بالنسبة للشاطر ورفاقه تظل في محافظتي المنوفية وكفر الشيخ. وجود قياديين كبيرين على رأس المحافظتين «محمد على بشر وسعد الحسيني، على الترتيب» طيلة الشهور الخمسة الماضية، لم يشفع للإخوان هناك. وعليه كان القرار باستخدام كافة ألاعيب تعطيل عمليات التصويت، ومنع المتظاهرين من الوصول للصندوق، بحشد إخوان محافظات الجولة الأولى من الاستفتاء، لشغل طوابير لجان الاقتراع، والدعاية خارجها، وطرق الأبواب، فيما بدا أن الجماعة ستعتمد على «محترفي المعارك الانتخابية»، في المحافظتين، والذين طالما اعتمد عليهم النظام السابق، في افساد اليوم الانتخابي، وتفويت الفرصة على المعارضين في المنافسة الحقيقية، بإثارة أعمال عنف وبلطجة وترهيب.