أنا أحيِّى هذا الرجل الموحِّد الشجاع، اسمه «مهدى عاكف»، صرح لصحيفة «الوطن» فى 30 نوفمبر 2012 التصريح التالى «... والله سبحانه وتعالى سينصر هذا الدين، وسيأخذ به للخير، أما هذه الغوغاء والضوضاء فمرحبا بها…»، ولن أقارن بين هذا الترحيب الساخر، وبين تصريح الرئيس مبارك «خليهم يتسلوا»، علما بأن ما يصلنى من الرئيس مرسى من استهانات، وإهانات، أكبر وأخطر، غفر الله للجميع. لماذا أحيِّى هذا الرجل؟ لأنه شجاع، لم يخشَ لومة لائم، ورفض أن ينافق مثل الآخرين الذين يتداولون فى ما بينهم أن حب الوطن على أحسن الفروض هو نافلة أو مكروه، وعلى أسوئها «حرام»، الذى يعرف هذا الموقف المبدئى لا بد أن يحترم شجاعة هذا الرجل وهو يخاف من الشرك ولا يقتدى بالمنافقين الأخبث، فهو يخشى أن نقدس الوطن تقديسا شوفينيًّا أعمى حتى نكاد ننسى أنه «لا إله إلا الله»، وهذا يفسر تصريحه القديم فى حديث مسجل له مع الصحفى سعيد شعيب «روز اليوسف، 13 أبريل 2006» يقول فيه «طُظ فى مصر.. وأبو مصر.. واللى فى مصر.. الجنسية هى الإسلام ويا ريت مسلمو ماليزيا يحكمونا» ولن أناقش هذا التصريح الأشجع إلا بعد أن أحكى ما سوف أحكيه. لماذا أحترم شجاعة هذا الرجل هكذا مع أننى أحب مصر حبًّا جمًّا (انتظر قليلا)؟ أنا أحترمه لأنه يقول ما يعتقد، وأنه بذلك لا يشرك بربنا شيئا، ولن تضار مصر من أن يقول هذا الشيخ الشجاع ما يبرئ به نفسه من شركٍ أخفى من دبيب النملة، أنا أعرف أصول هذا الفكر ومبرراته لأننى عاصرته إخوانيًّا صبيًّا فى منتصف الأربعينيات، ذلك أننا حين كنا نذكر اسم مصر، أو نهتف به، أو ينسى أحدنا ويدندن ما كنا ننشده فى طابور الصباح فى مدرسة زفتى الابتدائية فى مصر الجديدة الثانوية، كانوا يفهموننا فى الإخوان أن هذا حرام قطعا حتى نصدق أنه نوع من الشرك، وأن علينا أن لا ننتمى إلا إلى هذا الدين الذى صوروه لنا فى ما يعتقدون ويفعلون لا أكثر ولا أقل، ولم أكن أعرف أن دينى الحنيف أعظم من ذلك ألف مرة. منذ هذا التاريخ القديم وأنا أتابع نفسى وحبى لمصر يزيد بإصرار، ومع هذا لم أتردد فى أن أتوقف أمام مقولة مصطفى كامل: «إننى لو لم أولد مصريا لوددت أن أكون مصريا»، بل إننى رحت أختبرها فى «موقعى»، وطلبت من زواره أن يكملوا العبارة، «إننى لو لم أولد مصريا لوددت أن أكون... (أكمل)، واختر أى جنسية أخرى»، وجاءتنى إجابات ساخرة، وطريفة، وصادقة، وحماسية. الصراع الذى كان وما زال قائما «بينى» و«بينى» كان بين مدى تعلقى بطين هذا البلد الذى وُلدت على أرضه، ونشأت فى رحابه، ورضعت من طيبته وكرمه، وبين حبى للإنسان فى كل مكان على أى أرض، ما دام هو هو زميلى فى البشرية «خِلْقةْ ربنا»، وما دام كل هؤلاء البشر هم الذين يشاركوننى المحنة المعاصرة بما يسهل طريق كدحى إلى ربى، لكننى حتى أصل إلى ذلك عانيت كثيرا، وظهر ذلك أول ما ظهر فى شِعرى بالفصحى منذ ثلاثين عاما، وأنا أصارع نفسى الناقدة قلت: -2- لمَّا تمايلَ جمعُهم مكبِّرا، مهللا، فى حب أرضنا الوطن، أفرغتُ وعيى من خبايا حكمتى، ورأيتُ نفسىَ هاتفا: «يحيا الوطن» (لستُ أنا!!) فأطلَّ من بين الضلوعِ، وقال لى مستهزئا أو ناقدًا: «لكلِّ من ولدته أمُّه وطن، مثل الوطنْ» -3- يا أرض ربّى قد وسعْتِِ الناسَ والسباعَ والطيورَ والحجارةْ، لكننى أرنو لشبْرٍ واحدٍ: أنَا، يضمُّ عظمِى يحتوينى رحِِمَا. -4- يا صاحبِى يا قدرى رُدَّ الجهالةَ، مِقْوَدى. هدَّمْتَ غارِى، معبدى وأنرتَ دربى: لم أعد أَرَى إلا الحقيقة عارية فقال واثقا وساخرًا: أنت الذى دعوتنى كيما أكونُكَ صادقا ............ يا صاحبى!! هلاّ تركت لحيتى؟ أنا لستُ أنتَ، وأنت لستَ المستقرْ. 7/7/1982 ويزيد حبى لمصر! ولم يمنعنى ذلك من انتمائى إلى «لا إله إلا الله» طول الوقت. ثم خُيِّل إلىّ أننى وجدت الحل أخيرا حين تذكرت أن أى صاروخ مهما كانت وجهته لا بد له من قاعدة ثابتة ومتينة وجاهزة ومنضبطة، سواء كان صاروخا عابرا للقارات، أو عابرا للأزمنة، أو عابرا للأفلاك، أو عابرا لطبقات الوعى. من هنا أحسست أن مصر هى قاعدة صاروخى إلى وجة ربى، وأن حبى لمصر/ الطين/ الناس/ الطيبة/ الخيبة/ التاريخ/ الوقفة، هو هو حبى للإنسان البشر/ الغيب/ الكون/ الله.. فى رحلة التكامل. فكتبت شعرا بالعامية لصديق كان مهاجرا، قلت فيه: «... دانا لما بابص جوَّا عيون الناس، الناس من أيها جنسْ، بالاقيها فْ كل بلاد الله لخلق اللهْ. وفْ كل كلام.. وفْ كل سكاتْ. وِاذَا شفت الألم، الحب، الرفض، الحزن، الفرحهْ فى عْيونهم.. يبقى باشوف مصر. وباشوفها أكتر لما بابصّ جوّايا. والناس الحلوين اللى عملوا حاجات للناس، كانوا مصريين: «كل واحد همُّه ناسُهْ، كل واحد ربّه واحدْ، كل واحد حُرّ بينا، حُر لينا يبقى مصرى» تبقى مصر بتاعتى هى ّالدنيا ديه كلها، هى وعد الغيب، وكل الخلق، والحركة اللى تبنى. وبعد: يا أيها الشيخ الشجاع، أمريكا التى تسوّق لنا الحرية الزائفة، والديمقراطية الملوّثة، سوف تظل أمريكا هى هى بكل غطرستها وتفوقها وغرورها، سوف تظل فى عيون أبنائها فوق الجميع، وسوف يظل أوباما الأسمر والسيدة كلينتون البيضاء يمنّون علينا بدين العولمة المالية وهم يلصِقون عليه لافتات الحرية والديمقراطية، وحين تقول «طظ فى مصر» لن يقولوا معنا «طظ فى أمريكا أو فى العولمة»، وستتكرر مأساة التحكيم بين علِىّ ومعاوية (رضى الله عنهما وغفر لهما). يا شيخنا الجليل: أنا أحترم حذرك، وأرجو أن تقول معى: طظ فى النفاق، والكذب، والاحتقار، والاستهتار، والتهميش، طظ فى كل من احتكر دين الله دون سائر خلقه، طظ فى كل من خدعنا ويخدعنا، واستعملنا، ويستعملنا، ليحقق أغراضه هو، لا أغراض ربنا، ولا حقوق ناسنا. علينا أن نسعى إلى وجه الله شاكرين كل نعمه ومن أهمها الأرض التى نشأنا على ترابها، وشربنا من مائها، وتآلفنا مع أهلها، وأن نحمل الأمانة انطلاقا منها إلى كل بقاع الدنيا نحو وجهه سبحانه وتعالى، نحول دون شراستهم واجتياحهم، «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ».