المستشار محمود مكى قاضٍ جليل كانت له مكانته فى القلوب ، ويتذكر الناس جميعاً موقفه الشجاع والمستشار هشام البسطويسى دفاعاً عن استقلال القضاء . هذه مقدمة لا بد منها قبل أن نناقش بعض ما طرحه من آراء فى حواره مع صحيفة الأهرام «الثلاثاء 5 ديسمبر»، لأن كثيراً مما طرحه مكى يمثل قفزاً على حقائق المشهد. عبارات كثيرة وردت فى الحوار يضطر القارىء لإعادة قراءتها أكثر من مرة فمن غير المعقول أن ينطق بها قاضٍ له تاريخه . تصوروا .. المستشار محمود مكى الذى دافع عن استقلال القضاء فى عهد مبارك يوافق الآن على رأى د. محمد مرسى الذى يرى أن هدف الإعلان الدستورى هو " الحفاظ على استقلال القضاء " .. تصوروا إنه يوافق على تعطيل أحكام القضاء ويوافق على حق الرئيس فى أن يكون أعلى من السلطة القضائية فإذا أصدر القضاء حكماً يخص مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية يكون مصيره سلة المهملات ثم يسمى ذلك " حفاظاً على استقلال القضاء" .. يا ميت خسارة !. ثم إن المستشار مكى يتجاهل السبب الحقيقى للأزمة الحالية " الإعلان غير الدستورى ومسودة الدستور الباطل " ويدعو كل القوى السياسية للالتقاء بالرئيس . علشان إيه ؟ ليس لمناقشة سبب الاحتقان ولكن للحديث فى أمر آخر أسماه سيادته " الحوار لإعداد وثيقة تحقق أهداف الثورة " رغم أن ذلك كان منطقياً عقب تولى مرسى للرئاسة أما الآن فإنه يتكلم بمنطق "عديها وسيبك من الإعلان والدستور" .. ورغم القفز على الحقائق فإنه يسترسل كما لو أن القوى السياسية " هطلة " ستجرى وراء اقتراحه !. إنه يتعمد مع سبق الإصرار والترصد تجاهل حقيقة الأزمة.. وإذا كان نائب الرئيس يريد حلاً وحريصاً على وحدة الوطن فإن بداية الحل هى تطبيق المثل الشعبى المعروف " اللى جاب العفريت يصرفه".. فهل يمكن أن يقول لمرسى : " إصرف العفريت ياريس" ؟!. لقد كان الأولى بالمستشار محمود مكى أن يدعو الرئيس للاستماع إلى صوت العقل والشعب والثورة وعدم الاستقواء بدلاً من دعوته للقوى السياسية للحوار مع الرئيس وهو الذى يعلم أن رئيسه ضرب الكرسى فى الكلوب وألقى بكل الآراء فى صفيحة الزبالة .. أمر غريب فعلاً. ألم يسمع المستشار مكى عن استقالة مساعد الرئيس د. سمير مرقس واستقالة العديد من مستشاريه ؟ حوار إيه وهو الذى فعل ما فعل دون اعتبار لأحد وهو الذى يفجر الموقف دون أى اعتبار لتداعياته على حاضر الوطن ومستقبله ؟! الوقت لا يسمح بأحاديث الخروج على النص فلسنا على مسرح يقدم مسرحية كوميدية قد تبيح لنجومها الخروج على النص إرضاءً لمزاج المشاهدين ، فالقضية تتعلق بمصير وطن يريد أن يذهب به مرسى إلى المجهول . وإذا كان المستشار مكى يرى أن "الثوريين فقط لهم حق علينا" ؛ فإن الرئاسة آخر جهة يحق لها تحديد من هو الثورى ومن هو غير الثورى .. ذلك أن أعضاء جماعة الرئيس ذاتهم والرئيس ذات نفسه لم يكونوا من قوى الثورة ولا أولئك الذين شاركوا من السلفيين فى وضع الدستور من قوى الثورة وإن شئنا الدقة فإنهم من قوى الثورة المضادة . أتعجب من قاضٍ جليل لا يرى كل هذا العوار الذى يراه القاصى والدانى فى منهج وأسس تشكيل الجمعية التأسيسية وفى الإعلان غير الدستورى ويدافع عن دستورهم كما لو كان أبو دساتير العالم . بقيت نقطة أخيرة .. لا يحق للمستشار محمود مكى أو لغيره أن يقول إن "الأموال المنهوبة يعاد ضخها لإحداث فوضى" ، فمن الناحية القانونية إذا كنت تملك دليلاً تقدم به لجهات التحقيق ولا تلقى الكلام على عواهنه . ومن الناحية السياسية فإن كلامك لعله يستهدف إحداث بلبلة فى البلاد فضلاً عن إنه يمثل إهانة وإساءة للثوار الذين يحتشدون فى ميادين التحرير وأمام الاتحادية لحماية الثورة وأهدافها بعد أن سرقها أعداء الثورة ، وهو الاحتشاد الذى يؤكد أن للثورة شعباً يحميها من منهج مرسى ومن يسير على دربه وهو المنهج الذى أحدث الفوضى فعلاً فى البلاد . استقيموا يرحمكم الله .. خسارة على الناس لما تتغير !