التطهير.. من مطالب الثورة وأهدافها التى نادى بها الثوار.. وكانت هناك مليونية للتطهير ومعها المحاكمات، واستجاب الذين يديرون شؤون البلاد لمبدأ المحاكمات.. وقدموا مبارك وأبناءه إلى المحاكمة.. لكن فى شأن التطهير.. جرى كلام كثير.. ولف ودوران وتعهدات.. بعدما اتفق الجميع بمن فيهم الذين يديرون شؤون البلاد على أن حجم الفساد كبير جدا خلال فترة حكم مبارك وأن شبكة الفساد كانت عريضة ومتشابكة. أى نعم جرى حل الحزب الوطنى والمجالس المحلية الفاسدة.. فى الوقت نفسه تم الوعد بإنشاء مؤسسة قومية لمحاربة الفساد وتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين الذين سيطروا عليها وأشاعوا فيها الفساد بخلاف محاكمة السياسيين، فهل يُعقل أن تقوم ثورة عظيمة كثورة 25 يناير ضد الاستبداد والفساد ولا يُسأل أحد من السياسيين الذين أفسدوا الحياة السياسية.. وشاركوا فى وضع قوانين استثنائية وزوروا الانتخابات.. وروجوا لتوريث الحكم وشكلوا لجنة سياسات كانت حكومة موازية، بل استطاعوا السيطرة على الحكومة ووسائل الإعلام.. كل ذلك بمساعدة جهاز الداخلية القمعى وبرعايته؟ أى نعم تمت محاسبة أحمد عز، أحد المقربين جدا إلى جمال مبارك والمروج للجنة السياسات وممولها فى مقابل حصوله على خدمات حكومية والسماح له باحتكار تجارة الحديد، لكن تلك المحاسبة كانت على تلاعبه فى شراء مصنع الحديد الذى كان ملكا للدولة.. لكن لم يتم محاسبته على الفساد السياسى.. كذلك هناك شخصيات مثل مفيد شهاب الذى كان محامى الشيطان.. وعلى الدين هلال الذى كان الراعى الرسمى لتوريث جمال مبارك.. ومحمد كمال صديق جمال مبارك الرجل الذى كان نافذا فى لجنة السياسات. هذا بخلاف المسؤولين فى الإعلام الذين روجوا لنظام مستبد وفاسد، بل وصل الأمر بهم فى أيام الثورة الأولى إلى نشر الأكاذيب وترويع المواطنين وسب الثوار والشعب لصالح النظام الفاسد. لم تتم مساءلة أى من هؤلاء حتى الآن.. بل إن بعضهم حصل على شهادة براءة ذمة من الكسب غير المشروع.. واعتبر نفسه طاهرا وبريئا.. وخرج بعضهم ليسب الثورة ويشارك فى إشعال الفوضى بالتحريض والمشاركة مع عصابات البلطجية وفلول الحزب الوطنى ونظام مبارك وهم على استعداد لدفع الكثير من أجل استمرار حالة الفوضى. وعلى الرغم من محاكمة فتحى سرور وصفوت الشريف وغيرهم من قيادات الوطنى فى اتهامهم بموقعة الجمل فإن أحدا لم يسألهم عن فسادهم السياسى خلال فترة عملهم فى خدمة الرئيس السابق حسنى مبارك. وفى الجامعات لم يتم أى تطهير.. وإن الحكومة وعدت بتطهير الجامعات من القيادات الفاسدة التى تنتمى إلى الحزب الوطنى «المنحل» والتى جاءت بمساعدة أمن الدولة.. وصادرت فى الجامعات الحريات العلمية والنشاط الطلابى اللهم إلا إذا كان لصالح الحزب الوطنى وجمال مبارك.. وقد وعد عصام شرف بتطهير الجامعات وأن مناصب رؤساء الجامعات ستكون شاغرة مع بداية شهر أغسطس، إلا أنه لم يف بوعده على غرار حكومات مبارك.. وبدأ العك والعجن فى الجامعات بما ينذر بموقف ربما لا يستطيع أحد السيطرة عليه.. من هنا.. تحدثت الحكومة عن قانون الغدر لمحاكمة الذين شاركوا فى إفساد الحياة السياسية.. وجرى تعديل القانون ومناقشته فى وزارة العدل واللجنة التشريعية بالحكومة.. ووعدت الحكومة بإصداره فى مرسوم عن المجلس العسكرى لبدء محاسبة الفاسدين. لكن هناك صمتا رهيبا.. ولم يعد وزير العدل يشير إليه.. بل أسكتوه بعد أن كثر كلامه عن فساد حسنى مبارك وعصابته من أبنائه ورئيس ديوانه زكريا عزمى.. وعن الذين أفسدوا الحياة السياسية لنفاجأ بعد ذلك بتفعيل قانون الطوارئ وإدخال تعديلات عليه تتيح مصادرة الحريات أكثر.. وذلك بعد اجتماع مهم بين الحكومة ممثلة فى لجنة الأزمات، والمجلس العسكرى.. وذلك بعد أن صدّعوا أدمغتنا من أنه لن يقترب أحد من العمل بقانون الطوارئ.. بل إنهم قالوا إنه سيكون فى حكم الإسقاط مع بداية الانتخابات إلى أن يتم إلغاؤه تماما.. لنجد تصريحات مغايرة تماما الآن ويخرج علينا رجل القانون العسكرى اللواء الدكتور ممدوح شاهين ليقول إن العمل بالطوارئ سيستمر حتى يونيو 2012 وإن العمل به من أجل مصلحة الدولة.. هو نفس الكلام الذى أفسدوا به الحياة السياسية فى عصر مبارك. يا أيها السادة، لقد قامت ثورة 25 يناير.. وباركها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان من مطالبها الرئيسية إلغاء الطوارئ. واللهِ عيب!