حالة الارتباك التى عليها الجميع الآن تعود بنا إلى نقطة الصفر، إلى قيام الثورة وخلع حسنى مبارك الذى أرادها فوضى ما دام «ماهوش فيها».. ونفذ عصابته سيناريو الانفلات الأمنى الذى ما زال قائما حتى الآن بما يبدو معه أن هناك قصدا فى استمراره مع عودة فلوله للظهور وبكل بجاحة لنشر الفوضى للحفاظ على مصالحهم الخاصة وتشويه الثورة التى فضحتهم. فالمجلس العسكرى مرتبك ويدير البلاد على مدى الشهور التى قاربت التسعة -وهو الذى أعلن أنه سيسلم الحكم وإدارة البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة فى فترة لا تتعدى ستة أشهر- بأداء ضعيف وببطء وتلكؤ يعيد بهما إنتاج طريقة النظام السابق وإصداره قوانين مسيئة وسيئة السمعة بما فى ذلك الخاصة بالحريات، فهذا قانون سيئ لمباشرة الحقوق السياسية، وذلك قانون أسوأ للانتخابات.. وإصراره على العمل بالطوارئ بل وتفعيله وهو مخالف لكل الوعود السابقة بل وللإعلان الدستورى الذى صدر عنه. والحكومة ضعيفة ومهترئة وليس لها سياسة واضحة فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهى فى واد والشعب فى واد، ولم تنجز أى شىء حقيقى على أى مستوى خلال الشهور الماضية، بل إنها سلمت إرادتها للمجلس العسكرى المرتبك أساسا فكانت النتيجة سياسات أكثر ارتباكا. ناهيك بوجود وزراء فلول يخدمون عن قصد أو جهل الثورة المضادة ويسيئون إلى الثورة وأصحابها.. فهذا وزير للتعليم كان ينتمى إلى لجنة سياسات جمال مبارك فى الحزب الوطنى المنحل للبحث عن منصب قيادى فى الجامعة (من أجل ذلك ينفى الآن نشاطه فى تلك اللجنة غير المأسوف عليها) وهو الآن يخبط فى الجامعات من خلال انتخابات «هزلية» تعيد الفلول ومرشحى الحزب الوطنى المنحل وجهاز أمن الدولة «المنحل» إلى صدارة الجامعة مرة أخرى، وليهبط مستوى الجامعات أكثر مما هى هابطة الآن، وبالطبع ليس له أفكار لإصلاح التعليم أو الجامعات.. فإذا كان فاشلا فى إصلاح الهيكل الذى وعدت الحكومة بتطهيره فهل ننتظر منه شيئا؟ وانتدبوا وزيرا للإعلام بعد أن ألغت الحكومة الوزارة ليلعب فى الإعلام على طريقة الجنرالات فى الوقت الضائع، ويتخيل نفسه جنرالا ما دام كان يجلس معهم فى السابق.. وها هو ذا يهين إعلام الثورة.. ويجعله تابعا للعسكرى! أما عن الأحزاب فحدّث ولا حرج.. فقد خرجت جميعا تبحث عن جنى ثمار الثورة التى لم يكن لها فيها لا ناقة ولا جمل، بل كانت تقف ضدها، وكانت قياداتها تعقد صفقات مع الحزب الوطنى «المنحل» وأمينه العام صفوت الشريف وضباط أمن الدولة المسؤولين عن الأحزاب وتصنيعها وإدارة سياساتها. والكل يعلم الآن ماذا كان يفعل السيد البدوى مع هؤلاء من أجل مصالح شركاته التى تضخمت بشكل غريب خلال سنوات حسنى مبارك الأخيرة ليأتى اليوم ليتحدث عن قائمة لحزبه الذى جعله صغيرا بعد فض تحالفه «الانتهازى» مع الإخوان ليطمع فى العشرات من المقاعد التى قد تصل إلى مئة، وهو الذى لم يكن يستطيع الحصول على عشرة مقاعد من قبل فى أى انتخابات حتى لو كان بالاتفاق مع النظام السابق، ولم يكن يستطيع الحصول على مئة مرشح من الأساس. وأيضا حزب الإخوان.. وهو حزب السمع والطاعة لا الحرية والعدالة.. وقد استعجلوا جنى الثمار وتركوا الثورة والثوار وخذلوهم من أجل الطمع فى وراثة الحزب الوطنى. ناهيك بأحزاب الأنابيب التى خرجت من رحم مباحث أمن الدولة والتى تحاول الآن الحصول على أى مكاسب بتكملة العدد فى التحالفات (العدد فى الليمون). ومرشحو الرئاسة الذين أحترمهم جميعا.. ولكنهم استعجلوا أيضا جنى الثمار -اللهم إلا قليلا- وتعامل البعض منهم كأنه أصبح رئيسا فعلا، فمرة تجده يناصر ويؤيد سياسات المجلس العسكرى، ومرة أخرى عكس ذلك، وها هم أولاء الآن متخبطون ومختلفون أيضا على رؤية الفترة الحالية، خصوصا بعد انطلاق بعضهم فى حملاته تاركا الميدان الذى جعلهم يتصفون بمرشحى الرئاسة، وهو كان بعيد المنال فى فترة حكم النظام السابق. إن إطالة الفترة الانتقالية دون اتخاذ أى إجراءات ضد الفاسدين وتطهير المؤسسات من بقايا النظام وأعمدته شجعت فلول النظام وفاسديه ورجال أعماله الذين نهبوا البلاد على الخروج من جحورهم التى وضعها فيهم ثوار 25 يناير، ليعود بعضهم وبكل بجاحة ويحاول أن يتصدر المشهد السياسى وبعضهم ينفق الأموال على أعمال البلطجة للإساءة إلى الثورة والثوار. كل هؤلاء السبب فى حالة الارتباك الحالية، فهم جميعا روجوا للترقيعات «التى جرت على الدستور» وشجعوا على «الانتخابات أولا» قبل «الدستور أولا» لتكون النتيجة ارتباكهم جميعا. ومع هذا علينا الآن أن نتجرع سم الانتخابات بقانونها المعقد وبقوائم أحزابها الانتهازية لننطلق انطلاقة جديدة بعيدا عن «العسكرى». فليس هناك حل إلا الديمقراطية.. بخريطة طريق واضحة لبناء مصر الجديدة.. مصر الثورة.