لا تتوقع منى اليوم مقالا به قدر من الولولة واللطم وجلد الذات، يمكنك مراجعة بعض الصحف القومية التى أصبحت ضليعة فى هذا النوع من الكتابة، تلك الصحف التى كانت تجامل النظام السابق بإطلاق الزغاريد البلدى تهنئة بإنجازات وهمية.. أصبحت تجامل النظام الحالى بالبكاء على المستقبل المظلم الذى تقودنا إليه الثورة، يمكنك مراجعة تليفزيون أسامة هيكل وتستمتع بالمذيعين الذين كانوا يقدمون وصلة بكائيات على هامش تغطية مسجلة للأحداث مصحوبة باتصالات تتجاوز اللطم إلى السب والقذف. يمكنك الاستمتاع بمذيع يتلقى بالصدفة اتصالات هاتفية من هذا النوع فقط ثم يعلنها صراحة قائلا: المشاهد هو الوحيد المخوّل له الحكم على ما يجرى.. فى هذه اللحظة كان أحد الأصدقاء يتصل بى قائلا: ده أنا أبقى «مخول» فعلا لو اتفرجت على التليفزيون ده تانى. لا تتوقع أيضا أن تقرأ مقالا به لغة العقل والاتزان والحكمة، يمكنك مراجعة كتاب كثيرين يقدمون أشهى ساندوتشات المخ، فى مواقع ساحرة تتميز بإطلالة تهدئ الأعصاب على نيل القاهرة، لكنهم سيطفحونك اللقمة دون أن تدرى، فمع كل قضمة سيقولون لك: مش قلت لك؟ مش أنا حذرتك؟ والله العظيم كنت عارف وماحدش سمع كلامى؟ شوفت بقى دماغى المستنيرة؟ شوفت حلاوتى؟ إيه رأيك فى مخى؟ هناك ستستمع بالعقل كأنه حبة مخدرة، لكنك لن تلاحظ أن الجرعة أكبر مما ينبغى، وأنك وقعت فى يد بائع ساندوتشات مخ متطرف فى استخدام عقله لدرجة أن يصنع منه ساندوتشات. لا تتوقع أن تقرأ مقالا به فصول من كتالوج الثورة تقول لك إيه الصح وإيه الغلط، لأنه بصراحة لا يوجد شخص يعرف الصح والغلط، لأن الثورة نفسها ليس لها كتالوج، ومن يخبرك بغير ذلك فهو رجل هجّاص. منذ يوم 25 يناير وكل ما نتخيل أنه خطأ ثورى يتضح لنا بعد مرور وقت قصير أنه كان صح جدا، وكل ما كنا نتخيل أنه ثوريا صح جدا، يتضح بعد مرور الوقت أنه كان خطأ عظيما، وأنا من هنا أتوجه بنداء لأى شخص يمتلك نسخة من كتالوج الثورة إنه مايخبيش حاجة علينا والنبى، يا إما يقولنا ما يجب وما لا يجب، يا إما يرحمنا من الأسْتذة علينا والدب فى الجناب والتقطيم. لا تتوقع أن تقرأ مقالا عن مميزات وإيجابيات يوم الجمعة، فالحال كما هى عليه والوضع لم يتغير أبدا. الداخلية ستظل لفترة طويلة تسدد فاتورة عن الكراهية التى زرعتها فى نفوس كثيرين فى العهد البائد، وسندفع نحن معها جزءا من هذه الفاتورة للأسف، لأن نوع الناس الذى ناصبته الداخلية العداء لا يقرأ الصحف ولا يتابع تليفزيونات، ولا يفهم حضرتك قصدك إيه من الكلام الكبير اللى بتقوله عن هيبة الدولة، لم يتغير أن أى خطوة للأمام أو للخلف أو حتى بالعرض قادرة على أن «توقع الناس فى بعضها بسهولة». المتطرفون على الجانبين مرهقون.. وإن كنت أرى أن التطرف الثورى يمكن علاجه بمنتهى السهولة، بزرع شريحة المعرفة والتوجيه، بينما التطرف الفلولى لا يمكن علاجه حيث إنه من المستحيل زرع شريحة الثورة فى جسم رافض لها. كان مثيرا يوم الجمعة أن تجد المتهمين بإشعال الثورة والمحرضين عليها فى حالة حزن على ما يجرى، وفى خجل من أن يكونوا ساعدوا عليه بينما دعاة الاستقرار ونهدّى بقى يا جماعة هيطيروا من الفرحة من كتر الخراب اللى شايفينه، النوع الأول مشغول بالبلد أكثر من نفسه والنوع الثانى هو بتاع «مش قلت لكم» هو المشغول بأنه يطلع صح حتى لو اتحرقت البلد.لا تتوقع منى مقالا أضع فيه الثورة فى قفص الاتهام، مع العلم أن الثورة لديها من الشجاعة ما يكفى لأن تعترف بالأخطاء، فهى ليست من النوع بتاع «تلك الاتهامات أنكرها كلها»، الثورة بحداثة عمرها تتعلم المشى منفردة فى بيت كله ألغام، بينما صاحب البيت يستمتع بوقته فى بنها ويطلب منها فقط أن لا تقترب من منشأة أوضة النوم. صديقى.. لا تتوقع منى شيئا سوى أننى لم أفقد تفاؤلى بعد، وما زلت واثقا فى قدرة الله على أن يقود هذا البلد إلى المستقبل الذى يستحقه وأن يتم نعمته علينا، ثقتى فى الله تتعاظم يوما بعد يوم وفى أنه يختص هذا البلد بمحبة فريدة.. فى سنة من السنين كانت مصر موشكة على مجاعة قارسة ستستمر سبع سنوات.. لم يرسل الله إليها طعاما وأمطارا لينقذها.. لأ.. أرسل إليها نبيا ليأخذ بيدها.