قامت القوات التابعة لحركة حماس بسيطرة على قطاع غزة فى يونيو 2007، وطردت القوات التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية من القطاع، كما قامت بالسيطرة على معبر رفح الحدودى مع مصر، وطردت قوات حرس الرئاسة الفلسطينية، فانسحب المراقبون الأوروبيون، ومن ثم توقف المعبر عن العمل. وعندما حاولت مصر فتح معبر رفح استثنائيًّا ولأسباب إنسانية، احتجت السلطة الوطنية على ذلك ورأت أن فتح المعبر يؤدى إلى إدامة الانقسام الفلسطينى، فهو يؤدى إلى حصول القطاع على احتياجاته المختلفة عبر الحدود مع مصر، ومن ثم تتعطل عملية المصالحة الوطنية من ناحية، ويتهدد تماسك الأراضى الفلسطينية من ناحية ثانية من خلال استمرار الانقسام ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. لهذه الاعتبارات وأخرى تتعلق بالرغبة فى عدم إغضاب إسرائيل، ورضوخا للضغوط الأمريكية الرامية إلى تشديد الحصار على حركة حماس، قرر مبارك إغلاق المعبر مع فتحه من حين إلى آخر ولاعتبارات إنسانية مثل عبور المرضى والطلبة فى الاتجاهين، ومرور الحجاج والمعتمرين وغير ذلك من الحالات الإنسانية التى تقتضى فتح المعبر. هنا بدأت حركة حماس فى التغلب على عملية إغلاق المعبر عبر حفر سلسلة من الأنفاق بين القطاع وشبه جزيرة سيناء، وذلك على طول الحدود البالغة أربعة عشر كليومترا. وأنشأت حماس لهذا الغرض إدارة حكومية تسمى إدارة الأنفاق وهى الإدارة المسؤولة عن منح تصاريح حفر الأنفاق وتحصيل الرسوم على المواد والسلع المارة عبر الأنفاق. جرى التركيز فى البداية على المنطقة السكنية على جانبى الحدود، بحيث يبدأ النفق من داخل منزل فى مدينة رفح المصرية على الحدود مباشرة، وينتهى فى منزل آخر على الجانب المقابل من الحدود فى مدينة رفح الفلسطينية، وبمرور الوقت انتشرت الأنفاق فى مناطق أخرى بعيدة عن الكتلة السكانية، أى فى مناطق مكشوفة. تطوّر العمل فى الأنفاق حتى باتت ظاهرة حيوية لأطراف عديدة، فهى مفيدة لحركة حماس التى تحصّل رسوما ضخمة على تصاريح حفر الأنفاق ورسوما يومية على كل شىء مارٍّ عبر هذه الأنفاق، كما تزايدت أعداد الأنفاق فوصلت إلى نحو 1200 نفق يمر عبرها كل شىء، ومن ثم باتت مفيدة لأصحابها الذين يجنون أرباحًا هائلة من وراء المرور عبر الأنفاق، أيضا باتت الأنفاق مهمة لمواطنين مصريين على الجانب المصرى من الحدود، والذين يحصلون على جزء من عوائد الأنفاق التى تعمل من داخل بيوتهم. كذلك تمكنت حركة حماس عبر الأنفاق من تأمين السلع والمواد الغذائية التى يحتاج إليها أهل القطاع البالغ عددهم مليونًا وستمئة ألف نسمة، جرى تأمين هذه السلع والمواد الغذائية وغير الغذائية بأسعار منخفضة للغاية مقارنة بأسعار هذه السلع والمواد فى إسرائيل. وبمرور الوقت بدأت عملية تهريب مواد مدعومة مثل الطاقة من بنزين وسولار وأيضا مواد غذائية، واستفاد المهرّبون وأصحاب الأنفاق من فروق الأسعار، وجاء التطور الأبرز والأخطر فى ظاهرة الأنفاق عندما بدأت عمليات تهريب المخدرات والسلاح، والمجرمين والمطلوبين أمنيًّا، وأيضا أعضاء الجماعات الإرهابية. وقد حاولت مصر خلال النظام السابق السيطرة على هذه الظاهرة بشتى الطرق ومن بينها الاستعانة بتكنولوجيا أمريكية لإغلاق الأنفاق، إلا أنها فشلت. وفى أعقاب الثورة المصرية وموجة التعاطف الشعبى المصرى مع الشعب الفلسطينى، ونتيجة انشغال القوات المسلحة المصرية فى الشأن الداخلى، والقيود المفروضة على وجود القوات المصرية فى هذه المنطقة التى تقع ضمن المنقطة (ج)، فقد نشطت الأنفاق سريعًا، وتزايد عددها، وجرى استغلال حالة الانفلات الأمنى فى أعقاب الثورة فى تهريب المسروقات بما فيها السيارات إلى قطاع غزة عبر الأنفاق. الأكثر خطورة من كل ذلك هو استغلال الجماعات المتطرفة لمجمل الأوضاع فى مصر وشبه جزيرة سيناء وعلى جانبى الحدود فى إقامة ملاذٍ آمن لها فى شبه جزيرة سيناء، وهو الأمر الذى جعل هذه الجماعات تسيطر سيطرة تامة على مناطق كاملة فى شمال سيناء فى العريش والشيخ زويد ورفح، وتجاهلنا الظاهرة وتركناها تستفحل إلى أن وقعت جريمة رفح الإرهابية التى راح ضحيتها ستة عشر ضابطًا وجنديًّا من أبناء مصر، فانتبهنا مجددًا إلى حدودنا مع قطاع غزة وإلى شبه جزيرة سيناء