أمس كان يوم تحرير «التحرير» من جنود الأمن المركزى الغلابة، الذين صلبوا ولُطعوا فى الميدان العتيد أسابيع طويلة، لم تسترح خلالها أجسادهم النحيلة المنهكة من الوقفة «الزنهارية» ليلا ونهارا وعلى مدار الساعة، للذود والدفاع عن «كعكته الحجرية» المقدسة وحماية حياضها و«أحواض» نجيلتها البائسة المنحولة.. حمايتها من مَن ومن أى عدو؟! لم أعد أتذكر أو بالأحرى، مكسوف أقول. وأمس أيضا، كان عيد الفلاح الذى يوافق ذكرى وقفة فلاح مصر العظيم أحمد عرابى فى ساحة قصر عابدين «9 سبتمبر 1881» هاتفا فى وجه الخديو توفيق بمقولته الخالدة «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ولسنا تراثا ولا عقارا، ووالله لن نورث بعد اليوم»، وقد اختار الزعيم جمال عبد الناصر يوم هذه الذكرى ليكون تاريخ أول وأخطر إجراء اجتماعى ثورى «بعد أقل من شهرين على ثورة 23 يوليو 1952، التى قادها ورفاقه الأحرار» تنفيذا لخطة تحرير الفلاحين المصريين «أغلبية الشعب» من ربقة الاستغلال والاستعباد، فأعلن أول قوانين الإصلاح الزراعى ووزع بمقتضى هذا القانون لأول مرة فى تاريخنا المكتوب الدفعة الأولى من أراضى الوطن التى طال احتكارها ونهبها، على المعدمين الذين هم أصحابها الأصليون.. من يومها صار هناك عيد للفلاح، هو نفسه يوم ذكرى وقفة عرابى التى مر عليها أمس 120 عاما بالتمام والكمال. الذكريان «أى عيد الفلاح ووقفة عرابى» احتفلت بهما أطراف مختلفة كل بالطريقة التى تناسب حالته، فمثلا ما يسمى ائتلاف الخواجة «روكسى» الذى يتألف من بضعة مجاهيل وعدد 6 نظارات شمسية سوداء ماركة «بيرسول»، ومع ذلك يعتبر نفسه الممثل الشرعى الوحيد للأغلبية الصامتة الخرساء، هذا الائتلاف الأبكم أعلن على لسان متحدثه الرسمى «كيف يكون أبكم ومتحدثا؟!» أنه سيحتفل بذكرى عيد الفلاح من خلال تنظيم وقفة احتجاجية يحتشد فيها المجاهيل والنظارت «البيرسول» معا، لإعلان موقف تاريخى مناهض لمليونية «تصحيح مسار الثورة» فى ميدان التحرير، وتأكيد ضرورة بقاء هذا المسار معوجا ومنحرفا حتى يتحقق وهم عودة المخلوع أفندى ونجله من السجن إلى الحكم من جديد. كما لم يفت ائتلاف الخرس الروكساوى الإشارة بوضوح إلى أن وقفته الاحتفالية الاحتجاجية على عيد الفلاح، ستكون أصلا وأساسا رسالة تأييد قوية لاستمرار محاكمة المدنيين والناشطين وأصحاب «أى رأى به تجاوز أو خروج عن الأدب» أمام المحاكم العسكرية! بل أكثر من ذلك قال الناطق الأخرس إن ائتلافه يؤمن ويدعو بشدة وحماس إلى التوسع أكثر فى المحاكمات العسكرية للمدنيين «وتغليظ عقوباتها والوصول بها إلى الإعدام» شخصيا!! أما احتفال الحكومة والمجلس العسكرى بالفلاحين فى عيدهم فلم يكن بأى خطة أو برنامج واضح، لانتشالهم من حال البؤس والعدم التى يتردون فيها حاليا وإنقاذهم من أوضاع استغلالية مروعة، وتشريعات إجرامية جرى تمريرها من البرلمان المزور أيام المخلوع، فأنهت ما كان متبقيا من مكاسب وحقوق كفلتها قوانين الإصلاح الزراعى المتعاقبة، ومن ثم عاد الانحياز الفاجر إلى الملاك الغائبين القاعدين فى المدن والبنادر على حساب الفلاح الكادح المنتج.. لم يهتم إخوانا أهل الحكم بشىء من هذه الأوضاع المزرية، وإنما تركزت خطة احتفالهم الرسمى بعيد الفلاح على كيفية ملء وتعبئة مدرجات استاد القاهرة بخليط عشوائى من أجود أنواع «الفلول»، وعينات من القيادات المزمنة للاتحادات التعاونية الصفراء والزرقاء والسوداء، فضلا عن جيوش الموظفين العاملين فى ديوان وزارة الزراعة والإدارات التابعة لها، ثم بعد اكتمال حشو الاستاد «هذه السطور كتبت قبل الحفلة» سوف يكون هناك غالبا، متسع من الوقت يكفى لمدح الفلاح المصرى والإشادة بأصالته وعظمته وجماله وحلاوة عيشته وقعدته، كما قال المرحوم عبد الوهاب «مرتاح البال ومتهنى» فى انتظار دخول السجن بسبب ديون بنك التسليف الزراعى!!