كتب- فايزة هنداوي وأمل نبيل ومهند الصباغ: كان لا بد من الخسارة كى تتحرك الدولة لتعيد إدارة أصول السينما (23 دار عرض و4 استوديوهات) إلى صاحبتها، وهى وزارة الثقافة. 60 مليون جنيه تكبدتها شركة مصر للصوت والضوء والسينما، التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما، خلال إدارتها أصول السينما وموظفيها (700 عامل)، قبل أن تتجاوب الحكومة مع محاولات أهل السينما لإبعاد الأصول عن شركة صوت مصر، وآخرها جهد مذكور فى هذا الصدد لوزير الثقافة السابق جابر عصفور، ورغم الفرحة وحالة التفاؤل التى عمت صناع السينما بقرار النقل فإنه ما زالت هناك بعض المخاوف لدى البعض من سوء إدارة وزارة الثقافة للأصول. المخاوف هنا تنبع من «تسرّب» الفساد إلى أى إدارة جديدة من داخل وزارة الثقافة، قد تسند إليها إدارة السينما، ليستمر مسلسل الخسائر الذى تضخم فى عهد شركة مصر للصوت والضوء. مخاوف أخرى، منبعها عودة هيمنة الدولة على السينما، عبر وزارة الثقاقة، لتتكرر مأساة السينما الموجهة والإقصاءات التى مورست على صناع السينما فى الستينيات. مثقفون: قرار عودة أصول السينما غامض بعد سنوات طويلة من مطالبات السينمائيين، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بالموافقة على نقل أصول الاستوديوهات والسينما والأفلام من شركة «مصر للصوت والضوء والسينما» التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما «قطاع أعمال عام»، إلى المجلس الأعلى للثقافة التابع لوزارة الثقافة، فكيف يرى السينمائيون هذا القرار وكيف يمكن الاستفادة من هذه الأصول لدعم صناعة السينما؟ فى البداية قال المنتج محمد العدل، عضو لجنة السينما المسؤولة عن هذا الملف، إنهم يقاتلون من أجل عودة الأصول منذ ما يزيد على ثمانى سنوات، وكلما قطعوا شوطا طويلا يتم تغيير الوزير أو رئيس الوزراء فيبدؤون معركتهم من جديد، إلى أن صدر القرار مؤخرا، واصفا إياه بالانتصار، مشيرا إلى أن شركة الصوت والضوء لم تحافظ على أصول السينما، بل قامت بتأجيرها إلى شركات بأسعار رخيصة، أو إهمالها حتى تحول كثير منها إلى خرابات كما بيعت الأفلام بأسعار زهيدة، ولم تستفد السينما من هذه الأصول بأى شكل، لذلك عودتها إلى وزارة الثقافة وإدارتها بشكل جيد سيتيح للدولة أن تدعم صناعة السينما، سواء من خلال الاستوديوهات أو السينمات التى تتيح عرض الأفلام مما يزيد من الإنتاج. وحول ضمان إدارتها بشكل جيد مختلف عن الطريقة التى كانت تدار بها فى شركة الصوت والضوء، أوضح العدل أنهم تقدموا بتصور إلى وزارة الثقافة، بحيث يتم جمع هذه الأصول فى شركة قابضة تابعة لوزير الثقافة مباشرة، كما وضعوا تصورا لطريقة إدارتها بما يخدم صناعة السينما فى مصر. وبدوره قال المخرج داوود عبد السيد، إن عودة أصول السينما إلى وزارة الثقافة قرار جيد، لكن يبقى الأمر الأهم هو كيفية تنفيذه، من خلال إدارة تعمل بشكل سليم، لتستطيع تحقيق أرباح تعود بالنفع على صناعة السينما. بينما أشار المخرج محمد كامل القليوبى، رئيس المركز القومى للسينما الأسبق، إلى أن تبعية أصول السينما لوزارة الاستثمار كان أمرا غريبا، لأنها يجب أن تكون تابعة لوزارة الثقافة، إذ إن الشركة القابضة للصوت والضوء التى أسسوها لإدارة هذه الأصول ادارتها بطريقة خاطئة، لذا لم تعد هذه الأصول من استوديوهات ومعامل وسينمات على صناعة السينما بأى فائدة، لافتا إلى أنه أصدر توصية سنة 2001 عندما كان رئيسا للمركز القومى للسينما بإعادة هذه الأصول إلى وزارة الثقافة وتبعيتها للمركز القومى للسينما، كما صدر قرار وزارى بالفعل بذلك، إلا أنه عندما ترك المركز لم ينفذ هذا القرار. كما رفض القليوبى فكرة إنشاء شركة قابضة جديدة لإدارة هذه الأصول، مؤكدا أن هذا سيفتح الباب مرة أخرى للفساد والإدارة السيئة كما كان يحدث فى الماضى، وأن الحل الأمثل برأيه هو أن تكون هذه الأصول عبارة عن إدارة تابعة للمركز القومى للسينما أو للمجلس الأعلى للثقافة، على أن يتم من خلالها عمل تعاقدات جديدة وتأجير هذه الأصول واستخدام الأموال فى خدمة صناعة السينما مثل دعم الأفلام أو إنشاء أرشيف قومى للسينما، موضحا أنه لا يوجد أى ضمانات لإدارة هذه الأصول بشكل سليم، لأنها جزء من الحال العام للبلد. فى الوقت نفسه أبدى المخرج مجدى أحمد على، دهشته من عدم دعوة لجنة السينما إلى الانعقاد بعد صدور هذا القرار، مشيرا إلى أنها لم تنعقد منذ أشهر طويلة، وكان لا بد برأيه من دعوتها إلى الانعقاد لمناقشة هذا الأمر وبحث كيفية إدارة هذه الأصول، مضيفا أن الأسلوب الأمثل لإدارة هذه الأصول هو إنشاء شركة مساهمة يشارك فيها السينمائيون، بحيث تكون بعيدة عن قبضة الدولة، شريطة أن يكون لها مجلس أمناء ومجلس إدارة تتم محاسبته، وذلك بعد تقدير هذه الأصول، مشيرا إلى أن لجنة السينما وهى المنوطة بهذا الأمر كانت قد وضعت تصورا منذ فترة، إلا أنه لا يعرف مصيره، بسبب عدم دعوة اللجنة إلى الانعقاد، متهما مقرر اللجنة خالد يوسف ونائبه خالد عبد الجليل بالتواطؤ مع وزير الثقافة والعمل على عدم انعقاد اللجنة، لأنها تضم كثيرا من المعارضين لما يريدون تمريره من قرارات. على نحو متصل أضاف الناقد السينمائى كمال رمزى، أن عودة أصول السينما إلى وزارة الثقافة أمر طبيعى ومنطقى، وذلك لأنها ليست سلعا تجارية، لكن لا بد -وفقا لرأيه- من وجود الإدارة السليمة لهذه الأصول حتى تعود بالنفع على السينما، كما لم يهتم رمزى باسم المؤسسة التى ستُدار من خلالها الأصول، لأن الأهم من وجهة نظره أن تكون خالية من الفساد، وأن تدار بنزاهة من خلال خطة شاملة للاستفادة منها، حتى لا تتحول إلى مجرد مجموعة من الأبنية، لذلك لا بد من دراسة الأمر، لمعرفة ما تحتاجه هذه الأصول من ترميم أو تطوير حتى تؤدى دورها، ويمكن بعد ذلك تأجير جزء من السينمات وتخصيص جزء آخر ليكون منبرا لعرض الأفلام المتميزة والتجريبية، للارتقاء بالذوق السينمائى للناس، لأن هذا هو الدور الذى يجب أن تلعبه وزارة الثقافة. من جانبه أوضح المنتج شريف مندور، نائب رئيس غرفة صناعة السينما، أن عودة أصول السينما إلى وزارة الثقافة مهم جدا فى هذا التوقيت، من أجل المساهمة فى زيادة موارد الثقافة التى تذهب معظم مواردها كمرتبات ومكافآت للموظفين، مشيرا إلى أن وزارة الاستثمار عندما حصلت على حق إدارة هذه الأصول كان الاتفاق على أن تأخذ جزءا من العائد مقابل الإدارة، وتحصل وزارة الثقافة باقى هذا العائد، إلا أن وزارة الاستثمار استولت على العائد كله، ولم تهتم بصيانة هذه الأصول، فكان لا بد من عودتها إلى وزارة الثقافة. «القابضة للسياحة»: 60 مليون جنيه ديونًا متراكمة تخنق «الصوت والضوء والسينما» 23 دار عرض سينما و4 استوديوهات تعد الأكبر فى مصر، وخسائر تتجاوز ال60 مليون جنيه، هذا هو حال قطاع السينما التابع لشركة الصوت والضوء، لذلك قرر مجلس الوزراء نقل أصول الشركة إلى المجلس الأعلى للثقافة، لاستغلالها بشكل يتناسب وقيمتها. ميرفت حطبة، رئيس مجلس إدارة القابضة للسياحة والفنادق والسينما، قالت، إنَّ قرار فصل شركة الصوت والضوء والسينما إلى شركتين منفصلتين ونقل أصول السينما إلى وزارة الثقافة يرجع إلى امتلاك الوزارة هذه الأصول وعدم وجود ولاية كاملة للشركة القابضة عليها. وأضافت حطبة، فى تصريحات خاصة ل«التحرير»، أن الشركة تواجه أزمة مالية وتعانى من وجود مديونيات عليها، لكنها رفضت الإفصاح عن حجم هذه المديونيات، لكن مصدرا مسؤولا بالشركة -طلب عدم ذكر اسمه- أكد ل«التحرير» أنَّ حجم المديونيات تجاوز ال60 مليون جنيه. ويصل عدد العاملين بقطاع السينما إلى 700 عامل من إجمالى 1200 بشركة الصوت والضوء والسينما، وفقا لحطبة، وأكدت رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما أن «القابضة» تدير أصول الشركة، والبالغة 15 دار سينما ومركز إنتاج، تتضمن 4 استوديوهات هى «مصر والأهرام وجلال ومدينة السينما»، مضيفة أن هذه الأصول مملوكة للمجلس الأعلى للثقافة، وهو ما يعوق قيام «القابضة» بإدارتها بشكل كامل. «الثقافة»: هدفنا دعم الصناعة.. ولا مانع من الربح بعد 11 شهرا من محاولات الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، نشرت الجريدة الرسمية نص قرار المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، رقم 1594 لسنة 2015، بالموافقة على نقل أصول الاستوديوهات والسينما والأفلام من شركة مصر للصوت والضوء والسينما التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما، قطاع أعمال عام، إلى المجلس الأعلى للثقافة. الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، قال: «حاربت 8 أشهر من أجل قرار نقل أصول السينما إلى وزارة الثقافة، والهدف الأساسى من القرار هو تحويل الأصول من عقلية استثمارية إلى عقلية ثقافية وتحقيق النجاح الثقافى المنتظر». وأضاف عصفور أنه من الوارد طرح الشركات التابعة لوزارة الثقافة أسهما، بحيث يكون للشعب أسهم فى الشركات، أى أصول السينما، وتنتهى الأزمة المالية الخاصة بالسينما بوزارة الثقافة، بشرط أن تملك الوزارة «50+1» من أسهم أصول السينما. عصفور أشار إلى أن الاستفادة من عائد أصول السينما سيكون بالأساس من خلال بناء دار عرض سينمائى ومسرحى فى كل حى بمصر. وعن مخاوف بعض المثقفين من سيطرة الدولة على أصول السينما، ومقارنة هذا القرار بوضع السينما فى الستينيات، قال عصفور: «فى الستينيات كانت الدولة تملك كل شىء، لكن هذه المرة الدولة ستدخل كطرف مساهم وتفتح الباب لرأس المال الخاص، بهدف الدعم فقط، بعد تدهور وضع السينما بشكل ملحوظ». وزير الثقافة، الدكتور عبد الواحد النبوى، قرر اعتزال الصحافة بشكلٍ كامل، ليقتصر التعامل مع الصحفيين من خلال بيانات الوزارة الصحفية، واعتبر الوزير قرار محلب يهدف إلى دعم صناعة السينما من خلال تطوير واستغلال هذه الأصول المتمثلة فى استوديوهات وسينمات بصورة اقتصادية. وتابع النبوى: «هذه الخطوة تأتى فى إطار دعم الدولة لدور السينما والنهوض بها، كما أن الوزارة طلبت الاستعانة بهذه الأصول لمساعدتها فى القيام بدورها فى التوعية الثقافية فى هذا الشأن عبر إدارتها واستغلالها نقلا من قطاع الأعمال العام، بغرض تطوير واستغلال أصول السينما والاستوديوهات والأفلام بصورة اقتصادية، لأن هذه الأصول ما زالت مملوكة للمجلس الأعلى للثقافة سواء بتأسيس شركة تابعة للمجلس الأعلى للثقافة أو إنشاء شركة مشتركة لإدارة هذه الأصول». واتفق النبوى مع ما قاله عصفور بخصوص الهدف من نقل الأصول، حيث قال إن الوزارة تهتم بالنشاط الثقافى وليس التجارة والربح فقط، وستعمل وزارة الثقافة على تقديم منتج متميز، ولا مانع من تحقيق هامش ربح معقول، ولكن ليس على حساب المنتج الفنى نفسه الذى يجب أن يكون لائقا بالسينما المصرية.