الكاتب يوسف القعيد الذى يتطلع إلى أمن واستقرار الدولة المصرية، يرى أننا يجب أن نعطل الديمقراطية ونقبل حكم الفرد بلا برلمان إلى أن تحدث طفرة فى التعليم تجعل غالبية المصريين يحسنون استخدام أصواتهم الانتخابية! هذه الفكرة تحمل فى طياتها مشكلات لا يستهان بها. أولاً، أنها تنزع المصداقية عن القيادة السياسية الحالية التى يمثلها الرئيس السيسى. فكيف يصبح الشعب واعيا حين يختار رئيسا ساندته كل مؤسسات الدولة، ويصبح فى نفس الوقت مفتقدًا للوعى ويخشى عليه من إساءة اختيار من يمثلونه فى البرلمان حتى لو عادتهم تلك المؤسسات؟! عندما تستهين باختيار المصريين وتعتبرهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة منح أصواتهم لمن يستحقها بسبب تدنى مستوى تعليمهم تصبح كالدبة التى بطحت صاحبها بحجر لتهش ذبابة وقفت على وجهه. ثانيا، من قال إن الارتفاع بمستوى التعليم يمكن أن يتحقق فى غياب برلمان يحاسب الرئيس والحكومة ويضغط عليهما ليزيد من دعم الدولة للتعليم؟ ثالثا، كيف يمكن زيادة أعداد المتعلمين فى ظل سياسات حكومية تعلن بوضوح أنها تسعى لإلغاء مجانية التعليم، بحيث تقتصر المرحلة الجامعية على القادرين فقط؟ هذا يعنى أن أعداد الحاصلين على مؤهل عال ستنخفض خلال السنوات القادمة التى يزعم القعيد فيها أن الدولة سترفع فيها مستوى الوعى بالاهتمام بالتعليم! رابعًا، تجارب الشعوب تقول إن ارتفاع مستوى الوعى السياسى لدى الأفراد لا يرتبط بدرجة تعليمهم بقدر ما يرتبط بمدى انخراطهم فى تنظيمات سياسية تعبر عن مصالحهم وتتنافس مع بعضها البعض للوصول إلى الحكم عبر انتخابات تصل بها إلى البرلمان الذى يمثل ساحة مصغرة للقوى الاجتماعية، تنظم صراعاتها فى إطار سلمى شرعى. وجود التنظيم السلطوى الأوحد الذى يقوده رئيس مطلق الصلاحيات، بلا برلمان يحاسبه، هو أسوأ اختيار سياسى على الإطلاق. لأنه يقتل الوعى السياسى للمواطن، ويخلق مبررًا للعمل السرى وللعنف، ويدفع بالبلاد إلى استقرار زائف يعتمد على بطش أجهزة الأمن فى غياب رقابة شعبية تحاسبها وتردعها لتوقف تجاوزاتها. الديمقراطية تحتاج إلى تدريب كأى ممارسة أخرى فى الحياة، والأخطاء التى تحدث خلال ممارسة الديمقراطية لا تجيز تعطيلها. المتعلمون الذين يريدون للشعب أن يتعلم مثلهم ليرتفع وعيه السياسى يضربون أوضح مثال على تدنى وعيهم السياسى، كمتعلمين، بإعلانهم عن ضرورة تعطيل الحياة البرلمانية! فى فيلم المواطن مصرى المأخوذ عن رواية للقعيد عالج أحداثها صلاح أبو سيف أفضل من النص الروائى، من وجهة نظرى، يمثل العمدة عمر الشريف السلطة التى تدافع عن مصالحها الطبقية، والتى لم يكن هناك ما يردعها فى غياب الديمقراطية البرلمانية التى تقلصت إلى أدنى حدودها على يد السادات الحاكم الفرد. فى ذلك الفيلم نرى كيف يحصل العمدة الفاسد على لقب والد الشهيد زورًا بعد أن هرّب ابنه من التجنيد وزج مكانه شابًا فقيرًا يستشهد فى جبهة القتال، مقابل قيراطين منحهما لوالده ليزرعهما. تكتمل المأساة بعدها باستعادة العمدة القيراطين بمقتضى قوانين الحاكم الفرد المؤمن الملهم الذى قرر رفع الحراسات عن أراضى الإقطاعيين. عندما يتصالح كاتب مع الدولة ويقبل عطاياها ينسى ما سطره بقلمه عن مساوئ حكم الفرد، ويدلى بترهات عن ارتفاع الوعى فى ظل انفراد رئيس بالسلطة بلا برلمان يحاسبه؟! متى تستحى النخبة الباحثة عن الاستقرار النائمة فى أحضان نظرية العادل المستبد؟