بغضّ النظر عن استدعاء المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة التى يحاكَم أمامها الرئيس المخلوع حسنى مبارك، المشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان واللواء عمر سليمان واللواء منصور العيسوى واللواء محمود وجدى، للشهادة فى قضية قتل المتظاهرين مع أفراد عصابته ووزير داخليته الخاص حبيب العادلى.. فإن مليونية اليوم (9/9) أو المسيرة أو الوقفة الاحتجاجية «سمِّها ما شئت»، ذات أهمية كبرى لتذكير الذين يحكمون البلاد الممثلين فى المجلس العسكرى «دعوكم من الحكومة.. فللأسف أصبح شرف ومن معه لا يستطيعون اتخاذ أى قرار». إن للثورة مطالب لم تتحقق. ولعلنا هنا نذكّر المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتحديدا المشير طنطاوى والفريق سامى عنان بالبيان الذى صدر مع بدايات الثورة، ومع المليونية الأولى ضد مبارك.. وهو البيان الذى يذكّروننا به كثيرا هذه الأيام للدرجة التى يقول فيها الفريق سامى عنان إن هذا البيان كان يمكن أن يكون السبب فى حالة فشل الثورة فى أن نُعدم ونُشنق جميعا ونعلق على باب زويلة.. وإنه كان إعلانا بشكل واضح ورسالة إلى مبارك والشعب بانحياز الجيش بشكل كامل إلى الشعب بل وحمايته، ولن يكون العصا الغليظة التى أرادها مبارك فى مواجهة المظاهرات التى فشلت فى فضها قوات حبيب العادلى بعد أن أسقطت مئات من الشهداء وآلاف المصابين فى ميادين وشوارع مصر. وللتأكيد مرة أخرى فإن البيان نُشر الثلاثاء أول فبراير رغم صدوره فى مساء يوم الإثنين، وصدر عن وزارة الدفاع لا عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة -ربما لأن المشير طنطاوى لم يكن يريد المواجهة الصريحة وقتها مع مبارك- حيث جاء على لسان المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع، وفيه «إلى شعب مصر العظيم.. إن قواتكم المسلحة إدراكا منها لمشروعية مطالب الشعب وحرصا منها على القيام بمسؤوليتها فى حماية الوطن والمواطنين كما عهدتموها دائما تؤكد التالى: أولا: أن حرية التعبير بالطرق السلمية مكفولة للجميع. ثانيا: عدم الإقدام على أى عمل من شأنه الإخلال بأمن وسلامة الوطن وتخريب المصالح العامة والخاصة. ثالثا: أن إقدام فئة من الخارجين على القانونين بترهيب وترويع المواطنين الآمنين أمر غير مقبول، ولن تسمح القوات المسلحة به أو بالإخلال بأمن وسلامة الوطن. رابعا: حافظوا على مقدرات وممتلكات شعبكم العظيم وقاوموا أعمال تخريبها سواء كانت عامة أو خاصة. خامسا: أن القوات المسلحة على وعى ودراية بالمطالب المشروعة للمواطنين الشرفاء. سادسا: أن وجود القوات المسلحة فى الشارع المصرى من أجلكم وحرصا على أمنكم وسلامتكم وقواتكم المسلحة لم ولن تلجأ إلى استخدام القوة ضد هذا الشعب العظيم الذى لم يبخل على دعمها فى جميع مراحل تاريخه المجيد. إننا نؤكد أن قواتكم المسلحة هى الدرع الواقية والحصن الأمين لهذا الشعب العظيم وحمايته من الأخطار المحيطة به، وإن تراب هذا البلد ممزوج بدماء المصريين على مر التاريخ فحافظوا عليه.. حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه وسوء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». انتهى البيان. وهذا البيان لم أنتبه له فى البداية، وهناك كثيرون مثلى لانخراطنا فى أحداث الثورة وفى ميدان التحرير.. وأعود إليه بعد أن ذكّرنا به أعضاء المجلس العسكرى خصوصا الفريق سامى عنان.. وهو كان خطوة مبكّرة من الجيش اعترافا بسقوط شرعية مبارك.. واعترافا بشرعية المظاهرات وثورة شعب مصر العظيم، وأن الشعب كان دوما سند قواته المسلحة، وجاء وقت قيام هذه القوات بحماية الشعب.. فلم يطلق رصاصة -كما فعلت الداخلية- على المتظاهرين بل كانت الحماية.. ومن ثم وثق الثوار بقيادات الجيش واستمروا فى ثورتهم ضد الاستبداد والطغيان رغم سقوط الشهداء.. لتنجح الثورة فى إسقاط مبارك وأعوانه.. ويحمى الثوار قيادات الجيش من الإعدام والشنق والتعليق على باب زويلة. لكن حتى الآن وبعد مرور سبعة أشهر على إسقاط مبارك لم يكن المجلس الأعلى على مستوى الثقة والطموح اللذين منحهما الثوار له.. بل أداؤه ليس على مستوى بيان 1 فبراير كما يحبون أن يطلقوا عليه.. فحتى الآن فلول النظام السابق من المنافقين والفاسدين فى مناصبهم.. وقتلة الشهداء طلقاء.. والمدنيون يحاكَمون أمام المحاكم العسكرية.. والداخلية ما زالت تمارس البلطجة ضد المواطنين. وحدِّث ولا حرج عن مهزلة قانون مجلس الشعب وقانون تقسيم الدوائر الذى لا يمكن معه أبدا انتقال السلطة بشكل ديمقراطى سليم.. ولا يمكن بأى حال من الأحوال بناء مجتمع ديمقراطى.. وإنما هى قوانين تجرّنا إلى الخلف وبشكل أسوأ من أيام مبارك وابنه وحبيب العادلى وأحمد عز. ومن أجل هذا يعود الثوار اليوم 9/9 لتأكيد أنهم قاموا بثورة وحماها الجيش أى نعم.. لكن الثوار أيضا حموا قيادات الجيش من التعليق على باب زويلة.. فهم يريدون تسلم حقهم فى بناء مجتمع ديمقراطى سليم.