فى نهاية مايو الماضى كشف وزير الخارجية التركى، مولود تشاووش أوغلو، عن اتفاق مبدئى مع واشنطن على قيام الأخيرة بتقديم دعم جوى إلى قوات المعارضة السورية المسلحة «المعتدلة»، وهو ما جاء عقب الاتفاق الأخير حول تدريب وتسليح 15 ألف مقاتل فى تركياوالأردن والمملكة العربية السعودية. تصريحات وزير الخارجية التركى التى لم يقم الجانب الأمريكى بنفيها أثارت الكثير من الأسئلة، حول «كيف ومتى» سيتم توفير هذا الغطاء الجوى، وهل المقصود ب«توفير غطاء جوى» هو فرض حظر لمواجهة الطيران السورى الذى يوجه ضرباته إلى مواقع المعارضة المسلحة، مستخدما عادة البراميل المتفجرة التى تخلف دمارا عشوائيا شاسعا أم المقصود هو تدخل عملياتى أوسع بتوجيه ضربات على الأرض إلى مواقع النظام السورى فى مواجهة المعارضة تتيح للأخيرة التقدم العسكرى؟ فى ما كان السؤال الأبرز عن أى معارضة معتدلة يتحدث الوزير التركى؟ أنقرة والسعودية :الراعى الرسمى لجيش الفتح المؤكد أن الحكومة التركية لطالما استخدمت تعبير المعارضة المسلحة المعتدلة فى وصف «جيش الفتح» الذى نجح فى أن يحقق تغييرا للتوازنات الاستراتيجية على الأرض فى سوريا فى الفترة الأخيرة، خصوصا بعد سيطرته على محافظة «إدلب» الاستراتيجية التى عند النظر إلى خريطة الصراع على الأرض يمكن إدراك المزايا التى توفرها السيطرة على تلك المنطقة من توفير خط إمداد مستمر ومفتوح بتركيا يتيح لجيش الفتح التزود بالسلاح والمال اللازم وربما مقاتلين. وبالتوازى فلطالما حاولت أنقرة إقناع الطرف الأمريكى حول إمكانية أن يكون جيش الفتح بديلا إسلاميا معتدلا فى مواجهة «داعش» وقوات الأسد، كونه الفصيل الوحيد المتماسك والقادر على تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض. وردا على المخاوف الأمريكية من علاقة جبهة النصرة (أحد أطراف جيش الفتح) بالقاعدة حاولت أنقرة إقناع واشنطن أيضا بإمكانية الضغط على متطرفى «الفتح» لقطع صلاتهم المركزية مع تنظيم القاعدة. وتحاول أنقرة مجادلة واشنطن بأنه لا بديل لجيش الفتح، كون المعارضة التقليدية فشلت فى أن تحقق أى نجاحات تغير من الموازين الاستراتيجية مثلما فعل جيش الفتح، وهو ما تطمح إليه واشنطن برغبتها فى تحقيق فصائل المعارضة السورية إحكام سيطرتها على بعض المناطق الاستراتيجية على الأراضى السورية لإنشاء ما يمكن تسميته بمناطق عازلة (buffer zones) تقع تحت سيطرة المعارضة بعيدا عن يد «داعش» و«قوات النظام»، يمكنهم من خلالها إجبار النظام السورى على التراجع والمفاوضة دون أن يمنح هذا ل«داعش» ميزة التمدد، وهو ما لا يمكن أن يحدث ما دامت السيطرة مستمرة على المواقع الاستراتيجية مقسمة ما بين قوات النظام و«داعش». فى سوريا.. لمَن السيطرة؟ عمليا وحتى الآن يمكن تفسير مناطق السيطرة الجغرافية فى سوريا على أنها مقسمة ما بين أربعة أطراف رئيسية «داعش، القوات الحكومية، المعارضة المسلحة، الأكراد»، وعند الحديث عن المعارضة «المسلحة» فنحن نتحدث بشكل رئيسى عن مناطق واقعة تحت سيطرة جيش الفتح، وهو الذى نجح فى خلق تغيير استراتيجى بعد الاتفاق السعودى التركى على تنسيق العمل المشترك لدعم فصائل المعارضة السورية، والذى تم التوصل إليه بنهاية مارس 2015 فى أثناء زيارة الرئيس التركى إلى الرياض، حيث نتج عن الاتفاق بين الجانب التركى والسعودى تأسيس مركز قيادة مشترك جديد فى إدلب شمال غرب سوريا، أسهم بدوره فى تشكيل جيش الفتح. وقد استطاعت المعارضة المسلحة السيطرة على وادى الضيف ومعسكر الحامدية فى الجنوب الشرقى لمدينة إدلب، وصولا إلى مركز المدينة، ثم مدينة جسر الشغور، وكذلك فى الجنوب، حيث مناطق واسعة من محافظة درعا، وذلك بعد أن سيطرت على مدينة بصرى الحرير، وعلى المعبر الحدودى الوحيد المتبقى بيد النظام على الحدود مع الأردن، وهى تطورات أسهمت فى تغير نسبى لموازين القوى العسكرية بين النظام والمعارضة المسلحة. جيش الفتح وبالعودة إلى الأصل فإن جيش الفتح هو اتحاد عسكرى بين عدة فصائل تخوض معارك ضد الجيش السورى، وهناك مزاعم بأن أنقرة حاولت إقناع الفصائل المنضوية تحت لوائه بتسمية التحالف «الفاتح» نسبة إلى محمد الفاتح. وقد تشكل الجيش فى 24 مارس 2015، وارتبط اسمه بما حققه من نجاح فى ما سماه «غزوة إدلب» وأبرز الفصائل الإرهابية المنضوية تحت لوائه «جبهة النصرة، جيش الإسلام، فيلق الشام، أحرار الشام، أجناد الشام، جيش السنة، لواء الحق»، وترتبط جبهة النصرة ارتباطا مركزيا بتنظيم القاعدة، وقد تم تأسيس جيش الفتح برعاية عسكرية «تركية سعودية قطرية»، وبل ويزعم البعض أن أنقرة قد ضغطت فى البداية من أجل تسمية هذا التحالف باسم «الفاتح». وتسعى أنقرة مؤخرا لتعزيز انتصارات جيش الفتح، باستنساخ تجربة توحيد الفصائل المقاتلة فى مناطق أخرى، وتراهن أنقرة على تلك الفصائل المسلحة مثل «النصرة» التى اكتسبت خبرات خلال السنوات الأخيرة التى تستطيع تحقيق انتصارات فعلية على الأرض فى حالة استمرار دعمها، بما يضمن تحقيق طموحاتها التى تشاركها فيها السعودية والقطر. وفى سبيل إقناع الطرف الأمريكى المؤمن بجدوى توسيع نطاق سيطرة المعارضة المسلحة على مواقع استراتيجية على الأرض فى سوريا، وفى سبيل الضغط على الجانب الأمريكى لتقديم المزيد من الدعم تدعم أنقرة تيارا داخل النصرة للانفصال عن تنظيم القاعدة أو بتعزيز الدعم لفصيل إسلامى «أحرار الشام»، الذى لطالما أعلن عن عدم تبعيته إلى أى تنظيم إسلامى آخر خارجى، لكن يظل من المحتمل قيام الجانب التركى بممارسة مثل تلك الضغوط التى قد ينتج عنها انفراط عقد مجموعات من جبهة النصرة التى قد تنحاز إلى «داعش» مثلما جرى فى يونيو عام 2013. انتصارات «الفتح» يمكن القول إن بداية الانتصارات الفعلية التى مهّدت لمعركة إدلب أو ما يطلق عليها التنظيم باكورة معاركه «غزوة إدلب» التى أسفرت عن سقوط المدينة فى أيدى مقاتلى جيش الفتح، وإخراج قوات النظام منها بعد 4 أيام فقط من إعلان تأسيسه الجيش. وفى يوم 22 أبريل أعلن جيش الفتح خوض معركة تحت اسم «معركة النصر» للسيطرة على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية لنقل المعركة مستقبلا إلى القرى والبلدات الموالية للنظام، وهو ما تحقق يوم 25 من الشهر نفسه، حين دخلت قوات جيش الفتح المدينة، وتمكنت من اغتنام عدد من الدبابات وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. وفى 27 أبريل 2015 أعلن جيش الفتح نجاحه فى تحرير معسكر معمل القرميد الاستراتيجى فى إدلب الذى يعد أقدم قواعد قوات النظام ويقع على طريق حلب دمشق الدولى، وغنم مقاتلوه عديدا من الدبابات والمدرعات التى بقيت سالمة داخل المعسكر.